للشاعر السعودي / عبدالعزيز بن محمد السالم
نقلاً عن مجلة الأدب الإسلامي جمادى الآخرة 1415هـ
((في قعر الضياع يتلمس كثير من شباب عالمنا الإسلامي طريقهم ))
أبتاه إني في طريق حـــــالك بئس الطـــــــــــريـقْ |
الصمت يصفع خاطـــــــــــري والنــور ليس له بريقْ |
وأنا أرقِّـــــــــعُ ما تَثَقَّب من فـــــــــــؤادي بالحـريقْ |
هذا جــــــــــناهُ عليِّ يمٌ خـــــضته فأنا الغــــــريـقْ |
والظل فــرَّ فلم يطق صـــــــــــبراً على ما لا أطيـقْ |
كيف الخــــــــــــلاص وليس لي قدمٌ ولا كفٌّ طليقْ |
فالقيد في قـــــدمــــــــــــي يئنُّ وداؤه عـبدٌ رقـيقْ |
ولطالما جٌـزتُ المـصــــــــــــاعب والقفار فلا أفـيـقْ |
لكـنني مازلت أخـــــــــــرج من مضيق في مـضيقْ |
ونعيقُ شـــــــــــرٍ موحش يعـــلو فيا بئس النعــيقْ |
*** |
أبتاه قد طال المســــــــــــــاء ألا انتهاء لذا المسـاءْ |
مازلت في أحـــشــــائه أجـــــلو الغــــثاثة والعــناءْ |
ويدي تمـــــس جـــــــــداره مســـــاً فيعلوها الغُثاء |
قد لفني بكســـــــــــائه ومضى ليعتنق الســـــماء |
والنجم ليس بصابرٍ حتى يُبث له الضــــــــــــــــــياء |
لكنه لازاد فيه ولا لصـــــــــــاحـــــــــبه غـــــــــــناءْ |
أنا يا أبي ظلُ ضئيلُ في المســـــــــــــاء له انقضاءْ |
من أين أسعى يا أبي وأنا هباء في هـــــــــــــباءْ ؟ |
لا ذات لي ترنوا إلى شي ولست أرى الهــــــــــواءْ |
وقــــوافــــلي ضـــلَّ الســبيل بها فـــلم تلق الفناءْ |
*** |
أبتاه هل غيري كمــثلي في الضياع وفي السؤال؟ |
أو أنـنـي وحــدي زللــتُ فــضــل بي دربي وطـــالْ |
أبتاه قد ضاع الســــؤال وما وعــــيت لك المـــقــالْ |
أبتاه من شــــتى البقــــاع تريشـــــني تلك النبالْ |
أما النصــــال فلم تـــزل تجلو الفــــــؤاد بكل حـــالْ |
وتكاثرت فتكـســـــرت تلك النصـــال على النصــــالْ |
أبتاه قل لي ما الجواب ؟ وما السؤال ؟ وقل : تعـالْ |
وامدد يداً وامسح بكفك خـــاطراً شــــرب الكــــلالْ |
كــل البـــرية قـــد تجــــافوا والتوت قـــدم المــحـالْ |
وصــــدى الســــــؤال يغصُّ بي وأغـص بالماء الزلالْ |
*** |
أبتاه قد طـــــــــــــــار الحمام وأقبلت حُمَمُ الحِمام |
وأرى العـيون تئن تبحثُ في الضــــــــياء عن الظلام |
وعلى الســـــــــــفين لها جـفون قد تشَّربها المنامْ |
لكنها رجــــعــــــت إلى خــــــط الوراء من الأمــــامْ |
ذابوا من الشمس التي وضـــحـت وطال بها المقامْ |
وأنا أرى ظل الممات يحـــــــــــــوم من حول الكرام |
أبتاه إني ما رضــــــــــــيتُ وليس لي سيفٌ يُشام |
*** |
أنا يا أبي ماكــــــنت أرجو أن أســــــير بغـــــير زادْ |
ماكنت أرجـــــــو أن تُمجِد أضلعي حــــــــلل العناد |
لكنه قـــــــــدرٌ لبســـــــــــت رداءهُ وله القــــــــياد |
ونثرت أعــــــــواداً له حتى اشتكى مـــــني النفاد |
فلكم نقصـــــــــتُ وكنت أطـــــلب أن أزيد وأن أُزادْ |
جاهـــــــدتُ في السبل البغيضة كلها بئس الجهاد |
ماكان يومي يرتدي إلا هـــــــتافات تُشـــــــــــــــاد |
فتثلمت نفـسي ولم يســــــــــلم سوى حزن يُعادْ |
فســـــــــــواد آلامي يرقق كل ألوان الســــــــــواد |
والنار تشـــــــــرب من دمي وتبث في بدني الرمادْ |
*** |
فأنا الذي زلـــــــتْ به قـــــــدم الحظـــــــوظ العاثرهْ |
وأنا الذي ما زال يركــــــــــــــض في ضمير الهاجرهْ |
وأنا الذي آخى الهوان هــــــــــــــــوىً وضيَّع ناصرهْ |
وأنا الذي أغفى على عـــــــــــــــــــلل به متجاورهْ |
وأنا الذي ما لاح ضــــــــــــــــــــــــوء للفلاح فبادرهْ |
ورضعت من ثدي المساء مســـــــــــــــائلاً متناثرهْ |
حتى متى دربي يطـــــــــــــول وفكرتي متقاصرهْ؟ |
وإلى متى يشدو فؤادي بالرغــــــــــــــاب العابرهْ ؟ |
أو ليس لي دمع يفيض من المآقي الســـــــاهرهْ؟ |
أم أنني ما زلت أبحرُ في محــــــــــــــــــيط الدائرهْ |
*** |
أبتاه ضيعت الشــــــــروق فعشتُ في زمن الغروبْ |
وطفقت أمسح فكــــــرتي في أرض هاتيك الدروبْ |
ونقشتُ في ظهر الزمان ضلالتي ولظى الكـــــروبْ |
ورأيتُ قافلة الهــــــــــــــــدى لكنني عفتُ الركوبْ |
فأنا كليل والهـــــــــــــــــدى صعب عليَّ له الوثوبْ |
ولقد أذابني الزمـــــــــــــان فكدتُ في زللي أذوب |
ولقد تجرد لي شــــــــــــــقاءٌ جاء من كل الضروبْ |
خلفي وبين يديَّ يركض في الشمال وفي الجنوبْ |
وبلا دمٍ أصبحــــــــــــــــتُ في طرقات أناتي أجوبْ |
أبتاه لا يجدي المكوثُ ولا السكـــــــوتُ ولا الهروبْ |
*** |
أبتاه إني قد شهدت مهانة الســــــــــــــــير المريرْ |
ولقد رأيت مصارع العشــــــــــاق في الزمن الضريرْ |
وبصرتُ آلام الرفاق يؤزها الخـــــــــــــــــطر الخطيرْ |
عزفتْ لهم لحن المنية بالكبير وبالصـــــــــــــــــغيرْ |
فعلامَ يا أبتاه أمكثُ كالحســـــــــــــــير وكا لأسيرْ |
وأنا ألُمُّ خواطري من دفتر الماضي الكســــــــــــيرْ |
وأقلب الصـــــــــــــــــفحات والأيام من حولي تطيرْ |
فأنا الأســــــــــــيرُ وليتني في كف أحلامي أسيرْ |
ولعل أرض مشاعـــــــــــري يبدي حقائقها الضميرْ |
ويظل يجلدني السؤال مردِّداً ك أين المصـــــــــير ؟ |
*** |
أبتاه قد غرق الزمان وضـــــــــاع في ظلي المكان |
وأصابع النور التي برقتْ أضــــــــــــــــــرَّ بها الهوانْ |
وتعثرتْ بظلالها قدمٌ تســــــــــــــــــــــــير بلا عنانْ |
وتجمدتْ كل الحــــــــــــروف على متاريس الجٍنانْ |
وسنا القلوب القاســــــــيات خبا وصخر القلب لانْ |
وتراكضتْ في جوفها شـــــــعلٌ تقول : الوقت حانْ |
وتهزُّ أســــــــــــــــئلة الحياة بوجه من هزَّ السنانْ |
وأنا أُكسِّرُ يا أبي صــــــــــــــــــوراً عليها الدهر رانْ |
قد عشت في أفيائها قد كان من أمــــــــري وكانْ |
والآن قد جلت الشموس فهان ما عـــــــندي وبانْ |
جميع الحقوق محفوظة© 1420هـ/ سامي العوفي |