هوامش على دفتر النكسة
1
أنعي لكم يا أصدقائي، اللغة القديمة |
والكتب القديمة |
أنعي لكم : |
كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة |
ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمة.. |
أنعي لكم.. |
نهاية الكفر الذي قاد إلى الهزيمة. |
2
مالحة في فمنا القصائد |
مالحة ضفائر النساء |
والليل والأستار، والمقاعد |
مالحة أمامنا الأشياء.. |
3
يا وطني الحزين |
حولتني بلحظة |
من شاعر يكتب شعر الحب والحنين |
لشاعر يكتب بالسكين.. |
4
لأن ما نحسه |
أكبر من أوراقنا.. |
لابد أن نخجل من أشعارنا |
5
إذا خسرنا الحرب ، لا غرابة |
لأننا ندخلها |
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة |
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه |
لأننا ندخلها |
بمنطق الطلبة والربابة.. |
6
السر في مأساتنا |
صراخنا أضخم من أصواتنا |
وسيفنا.. |
أطول من قاماتنا.. |
7
خلاصة القضية |
توجز في عبارة |
لقد لبسنا قشرة الحضارة |
والروح جاهلية... |
8
بالناي و المزمار |
لا يحدث انتصار... |
9
كلفنا ارتجالنا |
خمسين ألف خيمة جديدة.. |
10
لا تلعنوا السماء |
إذا تخلت عنكم |
لا تلعنوا الظروف |
فالله يؤتي النصر من يشاء |
وليس حدادا لديكم.. |
يصنع السيوف.. |
11
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح |
يوجعني.. |
أن أسمع النباح ... |
12
ما دخل اليهود من حدودنا |
وإنما.. |
تسربوا كالنمل من عيوبنا.. |
13
خمسة آلاف سنة .. |
ونحن في السرداب |
ذقوننا طويلة |
نقودنا مجهولة |
عيوننا مرافئ الذباب .. |
يا أصدقائي : |
جربوا أن تكسروا الأبواب |
أن تغسلوا أفكاركم |
وتغسلوا الأثواب |
يا أصدقائي |
جربوا أن تقرؤوا كتاب .. |
أن تكتبوا كتاب.. |
أن تزرعوا الحروف.. |
والرمان .. |
والأعناب.. |
أن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب |
فالناس يجهلونكم.. |
في خارج السرداب |
الناس يحسبونكم |
نوعا من الذئاب ... |
14
جلودنا ميتة الإحساس |
أروحنا تشكو من الإفلاس |
أيامنا تدور بين الزار.. |
والشطرنج .. |
والنعاس.. |
هل " نحن خير أمة قد أخرجت للناس " ؟ |
15
كان بوسع نقطنا الدافق في الصحاري |
أن يستحيل خنجرا.. |
من لهب ونار |
لكنه .. |
وأخجله الأشراف من قريش |
وخجلة الأحرار من أوس ومن نزار |
يراق تحت أرجل الجواري.. |
16
نركض في الشوارع |
نحمل تحت إبطنا الحبالا |
نمارس السحل بلا تبصر |
نحطم الزجاج و الأقفالا |
نمدح كالضفادع |
نشتم كالضفادع |
نجعل من أقزامنا أبطالا |
نجعل من أشرافنا أنذالا |
نرتجل البطولة ارتجالا |
نقعد في الجوامع |
تنابلا ، كسالى |
نشطر الأبيات ، أو نؤلف الأمثالا |
ونشحذ النصر على عدونا |
من عنده تعالى... |
17
لو أحد يمنحني الأمان |
لو كنت أستطيع أن أقابل السلطان |
قلت له : |
يا سيدي السلطان |
كلابك المفترسات مزقت ردائي |
عيونهم ورائي.. |
أنوفهم ورائي .. |
أقدامهم ورائي.. |
يستجوبون زوجتي.. |
ويكتبون عندهم أسماء أصدقائي.. |
يا حضرة السلطان |
لأنني اقتربت من أسوارك الصماء.. |
لأنني حاولت أن أكشف عن خزني وعن بلائي |
ضربت بالحذاء.. |
أرغمني جندك أن آكل من حذائي.. |
يا سيدي .. يا سيدي السلطان |
لقد خسرت الحرب مرتين |
لأن نصف شعبنا ليس له لسان |
ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان؟! |
لأن نصف شعبنا محاصر كالنمل والجرذان |
في داخل الجدران.. |
... |
لو أحد يمنحني الأمان |
من عسكر السلطان |
قلت له : يا حضرة السلطان |
لقد خسرت الحرب مرتين |
لأنك انفصلت عن قضية الإنسان |
18
لو أننا لم ندفن الوحدة في التراب |
لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب |
لو بقيت في داخل العيون والأهداب |
لما استباحت لحمنا الكلاب .. |
19
نريد جيلا غاضبا |
نريد جيلا يفلح الآفاق |
وينكش التاريخ من جذوره |
وينكش الفكر من الأعماق |
نريد جيلا قادما مختلف الملامح |
لا يغفر الأخطاء .. لا يسامح |
لا ينحني.. لا يعرف النفاق .. |
نريد جيلا، رائدا، عملاق .. |
20
يا أيها الأطفال : |
من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال |
وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال |
ويقتل الأفيون في رؤوسنا |
ويقتل الخيال.. |
يا أيها الأطفال: |
أنتم- بعد - طيبون |
وطاهرون، كالندى والثلج، طاهرون |
لا تقرؤوا عن جيلنا المهزوم، يا أطفال |
فنحن خائبون |
ونحن، مثل قشرة البطيخ، تافهون |
ونحن منخورون.. |
منخورون كالنعال.. |
لا تقرؤوا أخبارنا |
لا تقبلوا أفكارنا |
لا تقتفوا آثارنا |
فنحن جيل القيء. والزهري .. والسعال.. |
ونحن جيل الدجل ، والرقص على الحبال |
يا أيها الأطفال : |
يا مطر الربيع. يا سنابل الآمان |
أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمة |
وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة... |
[ 1967 ]