قصيدة اعتذار لأبي تمام
ألقيت في مهرجان أبي تمام بالموصل . كانون الأول / ديسمبر 1971
1 -
أحبائي : |
إذا جئنا لنحضر حفلة للزار .. |
منها يضجر الضجر |
إذا كانت طبول الشعر ، يا سادة |
تفرقنا .. وتجمعنا |
وتعطينا حبوب النوم في فمنا |
و تسطلنا .. وتكسرنا. |
كما الأوراق في تشرين تنكسر |
فإني سوف أعتذر .. |
2 -
أحبائي : |
إذا كنا سنرقص دون سيقان .. كعادتنا |
ونخطب دون أسنان .. كعادتنا .. |
ونؤمن دون إيمان .. كعادتنا .. |
ونشنق كل من جاؤوا إلى القاعة |
على حبل طويل من بلاغتنا |
سأجمع كل أوراقي.. |
وأعتذر... |
3 -
إذا كنا سنبقي أيها السادة |
ليوم الدين .. مختلفين حول كتابة الهمزة .. |
وحول قصيدة نسبت إلى عمرو بن كلثوم .. |
إذا كنا سنقرأ مرة أخرى |
قصائدنا التي كنا قرأناها .. |
ونمضغ مرة أخرى |
حروف النصب والجر .. التي كنا مضغناها |
إذا كنا سنكذب مرة أخرى |
ونخدع مرة أخرى الجماهير التي كنا خدعناها |
ونرعد مرة أخرى ، ولا مطر .. |
سأجمع كل أرواقي .. |
وأعتذر.. |
4 -
إذا كان تلاقينا |
لكي نتبادل الأنخاب، أو نسكر .. |
ونستلقي على تخت من الريحان والعنبر |
إذا كنا نظن الشعر راقصة .. مع الأفراح تستأجر |
وفي الميلاد ، والتأبين تستأجر |
ونتلوه كما نتلو كلام الزير أو عنتر |
إذا كانت هموم الشعر يا سادة |
هي الترفيه عن معشوقة القيصر |
ورشوة كل من في القصر من حرس .. ومن عسكر .. |
إذا كنا سنسرق خطبة الحجاج : والحجاج .. والمنبر .. |
ونذبح بعضنا بعضا لنعرف من بنا أشعر .. |
فأكبر شاعر فينا هو الخنجر.. |
5 -
أبا تمام .. أين تكون .. أين حديثك العطر؟ |
وأين يد مغامرة تسافر في مجاهيل ، وتبتكر .. |
أبا تمام .. |
أرملة قصائدنا .. وأرملة كتابتنا .. |
وأرملة هي الألفاظ والصور.. |
فلا ماء يسيل على دفاترنا.. |
ولا ريح تهب على مراكبنا |
ولا شمس ولا قمر |
أبا تمام، دار الشعر دورته |
وثار اللفظ .. والقاموس.. |
ثار البدو والحضر .. |
ومل البحر زرقته .. |
ومل جذوعه الشجر |
ونحن هنا .. |
كأهل الكهف .. لا علم ولا خبر |
فلا ثوارنا ثاروا .. |
ولا شعراؤنا شعروا .. |
أبا تمام : لا تقرأ قصائدنا .. |
فكل قصورنا ورق .. |
وكل دموعنا حجر .. |
6 -
أبا تمام : إن الشعر في أعماقه سفر |
وإبحار إلى الآتي .. وكشف ليس ينتظر |
ولكنا .. جعلنا منه شيئا يشبه الزفة |
وإيقاعا نحاسيا، يدق كأنه القدر .. |
7 -
أمير الحرف .. سامحنا |
فقد خنا جميعا مهنة الحرف |
وأرهقناه بالتشطير ، والتربيع ، والتخميس ، والوصف |
أبا تمام .. إن النار تأكلنا |
وما زلنا نجادل بعضنا بعضا .. |
عن المصروف .. والممنوع من صرف .. |
وجيش الغاصب المحتل ممنوع من الصرف!! |
وما زلنا نطقطق عظيم أرجلنا |
ونقعد في بيوت الله ننتظر .. |
بأن يأتي الإمام على .. أو يأتي لنا عمر |
ولن يأتوا .. ولن يأتوا |
فلا أحدا بسيف سواه ينتصر .. |
8 -
أبا تمام : إن الناس بالكلمات قد كفروا |
وبالشعراء قد كفروا.. |
فقل لي أيها الشاعر |
لماذا الشعر - حين يشيخ - |
لا يستل سكينا .. وينتحر؟ |