الكفاية و مفاهيمها ( 7 )
أعمال CEPEC حول الكفايات .
أصبحت أعمال مركز الدراسات البيداغوجية للتجريب و الإرشاد Centre d'Études Pédagogiques pour l'Expérimentation et le Conseil المعروف بـ : CEPEC محط اهتمام المشتغلين بمجال التربية و التكوين ، وذلك لكون هذا المركز يقدم تصورا متكاملا للاشتغال بالكفايات في التعليم ، و يشكل نموذجا قائما بذاته ضمن منظور التدريس الهادف . انطلقت أشغال هذا المركز منذ سنة 1976 في فرنسا ، بالبحث في مجال التكوين ، سواء بالنسبة للتلاميذ أو بالنسبة للراشدين ، مع التركيز على بعض الجوانب و خاصة حدوث التعلم و التقويم و تنظيم التكوين .
و سيصدر المركز كتابا مرجعيا من تأليف جماعي و تحت إشراف بيير جيلي سنة 1994 تحت عنوان :
" بناء التكوين : أدوات للمدرسين و المكونين " .
" Construire la formation : Outils pour les enseignants et les formateurs "
و سنعمل على تقديم تصوره للكفاية بشكل مركز ، على النحو التالي : تعرف الكفاية كنسق من المعارف المفاهيمية و المهارية (العملية) و التي تنتظم على شكل خطاطات إجرائية تمكن داخل فئة من الوضعيات (المواقف) ، من التعرف على مهمة ـ مشكلة و حلها بإنجاز (أداء) Performance ملائم .
و انطلاقا من هذا التعريف يمكن استخلاص جملة من الوضعيات Situations و التي ليست سوى التقاء عدد من الشروط و الظروف . إن الوضعية حسب هذا التصور ، تطرح إشكالا عندما تجعل الفرد أمام مهمة عليه أن ينجزها ، مهمة لا يتحكم في كل مكوناتها و خطواتها ، و هكذا يطرح التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم ، بحيث يشكل مجموع القدرات و المعارف الضرورية لمواجهة الوضعية و حل الإشكال ، ما يعرف بالكفاية .
إن التعريف الواضح للكفاية يساعد على اختيار المعارف بمراعاة الوضعيات الديداكتيكية (التدريسية) و المهنية ... التي تنطبق عليها . و للكفايات طابع شمولي و مدمج : ما دامت تجند المعارف و المهارات من مستويات مختلفة للاستجابة لطلب اجتماعي خارج عن منطق تطورها الداخلي . إن الكفايات تحدد الوسائل البعيدة المدى للتكوين ، و هي بالتالي محطات نهائية لسلك دراسي أو تكويني أو لفترة تدريبية .
أما عن كيفية بناء البرامج في مختلف المواد الدراسية باعتماد مدخل الكفايات ، فينطلق تصور CEPEC من ضرورة التعرف في كل مادة دراسية ، على المعرف و المهارات الأساسية (المفاتيح) و ضرورة التعرف على المبادئ المنظمة و التي ستتمحور حولها المفاهيم و قواعد العمل . وحول تلك المهارات و المعرف و المفاتيح تنتظم المفاهيم و تكتسب معناها ، بحيث تشكل المعاني العقلية للمادة الدراسية . و من هنا يمكن تنظيم البرامج ، ليس بمنطق وصفي استعراضي و لكن بمنطق حل المشاكل و إنجاز المهمات . و يكون من الضروري بالتالي ، تنظيم تدرج المحتويات حول كفايات محددة انطلاقاً يُنظر إليها على أنها إجابات عن وضعيات ـ مشاكل تتألف منها المواد الدراسية .
و من خصائص الكفايات حسب هذا التصور ، أنها و إن كانت غير قابلة للملاحظة في حد ذاتها باعتبارها قدرات داخلية ، فإننا نستدل على توفرها و على تحققها لدى المتعلم بالإنجازات (الأداءات) التي يتفوق فيها التلميذ ، و بالتالي فإن تقويمنا للحصيلة النهائية سيستند على مدى تحقق هذه المنجزات و دقة الأداءات و التي تصبح مؤثرات على تحقق الكفاية و ترسخها في شخصية التلميذ .
و من خصائص الكفاية أيضا حسب هذا التصور ، قابليتها للنمو و الاغتناء بما يكتسبه المتعلم من قدرات معرفية ووجدانية و حسية و حركية ، بحيث تصير هذه القدرات هي المغذي الأساسي للكفايات .
خصائص أخرى تميز الكفايات حسب CEPEC .
أولا ، إن الكفاية محطة نهائية Terminale لسلك دراسي أو لمرحلة لتكوين .
و ثانيا ، إنها شاملة Globale و مدمجة Integratrice أي تقتضي اكتساب تعلمات في المجالات الثلاثة التالية : المعرفي ، الوجداني ، الحسي ـ الحركي ، حسب أهميتها للاستجابة للحاجيات الاجتماعية .
و أخيرا ، فإن الكفاية يمكن حصرها و تقييمها انطلاقا من سلوكيات قابلة للملاحظة في وضعية ما ، وذلك من خلال المؤشرات و معايير التقويم ، أي من خلال ما يقوم به الفرد من إنجازات و التي تصير مؤشرا على حصول الكفاية و تحققها و تصلح في نفس الوقت كمعيار للحكم عليه .
مثال : فإذا حددنا بالنسبة لطالب ـ أستاذ (أستاذ متدرب) مثلا ، الكفاية التالية : " إعداد و إنجاز في قسم للتطبيق ، حصة مبنية على أهداف في مجال تخصصه "
فإننا سنجد الخصائص الأساسية التالية :
مهمة منظمة في فئة من الوضعيات : إعداد في قسم للتطبيق ، حصة في مجال تخصصه
الطابع النهائي : في نهاية التكوين و عند الالتحاق بالمهمة .
خاصية الشمولية : سواء كانت معرفية (معرفة المادة و المنهجية) أو وجدانية (العلاقة مع الجماعة) أو حسية حركية (راحة جسمية ، إيقاع صوتي) في علاقة مع الطلب الاجتماعي .
طابع القابلية للتقويم من خلال المعايير التالية :
معيار المجال المعرفي : يقدم المدرس الهدف من الدرس ، بحيث يرده إلى كفاية في طور الاكتساب ، و ينظم وضعية تعليمية ملائمة للهدف ، ويعيد الصياغة قبل الإجابة عن السؤال الذي يطرحه التلميذ و إذا وجد صعوبة ، يُشْرِك المدرس جميع التلاميذ في تقويم أعمالهم .
معيار المجال الوجداني : يحافظ على العلاقة مع القسم بفضل أسئلة تثير التفكير و تحفز على البحث .
معيار المجال الحسي ـ حركي : يتحرك بطريقة تمكنه بواسطة الرؤيا ، من اتصال مستمر بجماعة الفصل (الصف) .
هامش : أخذت هذه المعلومات من كتاب للباحث المغربي د . محمد الدريج ، عنوانه "الكفايات في التعليم ، من أجل تأسيس علمي للمنهاج المندمج " و الكتاب يتطرق إلى مفهوم الكفايات في شتى المجالات و هو جدير بأن يحفظ في الخزانة الشخصية لكل مدرس مغربي و عربي .