الفصل السادس:
الحَجْر على مال السفيه
سورة النساء(4)
قال الله تعالى: {ولا تُؤْتوا السُّفهاءَ أموالَكُم الَّتي جعَلَ الله لكم قِياماً وارزُقُوهُمْ فيها واكسُوهُمْ وقولوا لهم قَولاً معروفاً(5)}
ومضات:
ـ بما أن المال وسيلة للإعمار والبناء، فإن الإسلام حريص على ألا تتعطَّل هذه الوسيلة، لأن غايته النماء والازدهار لجميع الموارد، والرفع من سويَّة القوى المنتجة المعطاء، ليَسْعد الناس جميعاً في ظلال نِعم الله الوافرة وأرزاقه المستمرَّة.
ـ السفيه هو كلُّ من لم يستطع أن يجيد الرقابة على نفسه، أو المحافظة على المال بين يديه، أو الإنفاق بشكل إيجابي مثمر.
ـ الحَجْر على مال السفيه لا يعني إهانته أو إيذاءه، بل إن من شروطه توفير كرامته الإنسانية، وتلبية جميع متطلَّباته الَّتي شرعها الله تعالى.
في رحاب الآيات:
خير المال ما كان يؤدِّي عملاً نافعاً مثمراً يساهم مساهمة فعَّالة في إنعاش اقتصاد الأمَّة وازدهارها. فالمال أمانة استودعها الله في أيدي عباده، فمن أساء استعماله فصرفه في غير موضعه، يعدُّ هادماً لأركان هذا الاقتصاد وبالتالي فهو سفيه يجب الحجر عليه. والسفيه في نظر الإسلام هو كلُّ من لا يُحسن التصرُّف في ماله؛ سواء كان السفه بسبب ضعف الملَكَات العقلية، أو كان بسبب ضعف الإيمان، وتبديد المال في المآثم.
والحـَجْر: منع الإنسان من التصرُّف بماله، حفظاً لمصلحته وصيانةً لهذا المال، كالحجر على الصغير كيلا يُتلفه، والمبذِّر كيلا يبدِّده، والمجنون كيلا يضيِّعَه أو يُسرَق منه؛ لأنهم عاجزون عن إدراك القيمة الحقيقية للمال الَّذي بين أيديهم. والحجر معناه ألا ينعقد للمحجور عليه بيع ولا شراء، وألا يَصِحَّ له إقرار، فيُسلب بذلك حقَّ التصرُّف بالمال، دون حقوقه الإنسانية الأخرى في الكرامة والحياة، ويُستحبُّ إظهار الحجر على السفيه، حتَّى يتبيَّن الناس الأسس المالية الَّتي يتعاملون معه من خلالها.
والولاية على اليتيم، أو الصغير، أو المجنون تكون للأب فإن لم يكن موجوداً انتقلت إلى الوصي، فإن لم يكن هناك وصي انتقلت إلى القاضي الشرعي. وبالمقابل فإن انتقال المال إلى الولي يُرَتِّبُ عليه مسؤوليات هامَّة، إذ أن عليه أن يحفظ المال ويستثمره ويزيده كأنَّه ماله، وأن يؤمِّن للمحجور عليه كفايته من تكاليف الطعام والمأوى والزواج والكسوة. وعليه أن يحسن له القول كأن يقول له: إن المال مالك وما أنا إلا خازن له إن كان صغيراً، وإذا كان سفيهاً وَعَظَه ونصحه ورغَّبه في ترك الإسراف، وعرَّفه أن عاقبة ذلك الفقر، على أن يحاول الارتقاء بتفكيره ليعود سويّاً قادراً على التصرُّف في ماله بنفسه.
واستطراداً نقول: بما أن الإسلام يهدف إلى بناء المجتمع السليم المترابط، ويحجر على السفيه؛ فهو بالتالي لا يتغاضى عن مقامر يبدِّد أمواله على موائد القمار، أو عن مفتون بموائد الخمرة والنساء، أو عن مدمن للمخدِّرات، حيث أن تصرُّفات هؤلاء وأمثالهم تبدِّد القوى المنتجة المعطاء، وتضعهم في قائمة السفهاء الَّذين يتوجَّب الحجر عليهم ومراقبتهم، ففي الإسلام لا حرِّية بلا حدود، وإنما حرِّية موجَّهة في حدود عدم إيذاء صاحبها أو من حوله في المجتمع.