P
الحمد لله والصلاة والسلام علي خير خلق الله وآله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا وبعد:-
فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الإجابة، وصفها الله بوصف عظيم بأنها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعـروف وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله وجعلها الله أمة وسطا شاهدة علي الناس، أكرمها الله بكرامات عـديدة واختصها بخصائص جليلة وادخر لها من الفضائل ما لم يدخر قبله للأمم السـابقة حيث فضل دينها الإسلام علي سـائر الأديان وجعل كتابها القرآن العظيم كلام رب العالمـين المعجزة الخالدة مصدقا للكتب السـماوية المنزلة ومهيمنا عليها ،وفضل نبيها محـمد صلى الله عليه وسلم علي ســائر الأنبـياء والمرسـلين فكان صلى الله عليه وسلم كثـيرا ما يرفع يديه إلي السـماء ويبـكي ويقول:
"اللهم أمتي أمتى ، ويأمر الله تعالي جبريل عليه الـسلام أن يذهب إلي النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقول له :" إن الله تعالي يقول لك يا محمد إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك".
(مسلم/ح202- ترمذي/ح 1394)
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:
" لكل نبي دعوة مستجابة (أي محققة )وإني اختبأت دعوتي شفـاعة لأمتي يوم القيامة". (بخاري/ ح6304 – مسلم/ ح193).
فهي نائلة من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا).
وهو خاتم الأنبياء والمرسلين وأشرفهم ورسالته صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات السماوية ،وفضل شريعتها المطهرة وأحكامها السمحة علي سائر الشرائع والأحكام ،وفضل مسـاجدها الثلاثة (المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى) علي سائر المـساجد التي تشد إليها الرحال للصلاة فيها.
وفضل الخلفاء الراشـدين المهديين الأربعة والصحابة المكرمين وآل بيت النبوة الطيبين الطاهرين علي سائر الناس بعد الأنبياء والرسل، وفضل بعض الأيام علي بعض مثل يوم الجمعة وفيها ساعة إجابة ويوم الفطر ويوم عرفة ويوم عيد الأضحى (يوم النحر )وأيام التشريق الثلاثة والأيام العشر الأولى من ذي الحجة التي قال عنها الرسـول صلى الله عليه وسلم:
( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلي الله من هذه الأيام يعني قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يعد من بعد ذلك بشيء الحديث ). (بخاري ح 696 ،و فضـل بعض الأشهر علي بعض مثل شهر رمضـان والأشهر الحرم ،وفضل بعض الليالي علي بعض مثل ليالي العشر الأخيرة من رمضان وفيها ليـلة القدر 0
ذكر السيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة الأعراف (الآيتان 144&145) أن وهب بن منبه قال:
"لما قرأ موسى عليه السلام الألواح وجد فيها فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،قال: يا رب ما هذه الأمة المرحـومة التي أجدها في الألواح، قال: هم أمة محمد، يرضون مني باليـسير أعطيهم إياه وأرضـي منهم باليسير من العمل، أدخل أحدهم الجنة بشـهادة لا إله إلا الله.قال: فإني أجد في الألواح أمة يحشرون يوم القيامة علي صورة القمر ليلة البدر، فاجعلهم أمتي.
قال: هم أمة محمد أحشرهم يوم القيامة غرا محجلين.
قال: يا رب إني أجد أمة أرديـتهم علي ظهورهم، وسيوفهم علي عواتقهم ،أصـحاب رؤوس الصـوامع يطلبون الجهـاد بكل أفق حتى يقاتلوا الدجال ،فأجعلهم أمتي 0
قال: هم أمة محمد. قال: يا رب إني أجد في الألـواح أمة يصلون في اليـوم واللـيلة خمس صلوات في خمس أوقات ،تفتح لهم أبواب السماء، وتتنـزل عليهم الرحمة ،فأجعلهم أمتي،
قال: هم أمة محمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح قوما تجعل لهم الأرض مسجدا وطهورا، وتحل لهم الغنائم ،فأجعلهم أمتي، قال : هم أمة محمد. قال: يا رب إني أجد في الألـواح أمة يصومون لك شهر رمضـان فتغفر لهم ما كان قبل ذلك فأجعلهم أمتي قال: هم أمة محمد. قال: يا رب إني أجد في الألـواح أمة يحجون لك البيت الحرام لا يقضون منه وترا يعجون ( كناية عن شدة البكاء ) لك بالبكاء عجيجا ،و يضجون لك بالتلبية ضجـيجا ،فأجعلهم أمتي، فال: هم أمة محمد، قال: فما تعطيهم علي ذلك؟.قال: "أعطيهم المغفرة وأشفعهم فيمن ورائهم" .
قال:" يا رب إني أجد في الألواح سفهاء قليلة أحلامهم، يعلفون البهائم ويستغفرون من الذنوب يرفع أحدهم اللقمة إلي فمه، فلا تستقر في جوفه حتى يغفرله ، يفتتحها باسمـك ،ويختـتمها بحمدك ،فأجعلـهم أمتي ، قال هم أمة محمد.
قال: يا رب فأني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها، فاجعلهم أمتي.
قال: هم أمة محمد.
قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة، فلم يعملها، كتبت له واحدة، وإن
عملها كتبت له عشرة أمثالها إلي سبعمائة ضعف، فاجعلهم أمتي.
قال: هم أمة محمد.
قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بالسيئة، ثم لم يعملها لم تكتب عليه، وإن
عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، فاجعلهم أمتي.
قال : هم أمة محمد.
قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف، وينهون
عن المنكر، فاجعلهم أمتي.
قال: هم أمة محمد.
قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يحشرون يوم القيامة علي ثلاث ثلل ( جماعات ) ثلة
يدخلون الجنة بغير حساب، وثلة يحاسبون حساباً يسيرا، وثلة يمحصون ثم يدخلون الجنة،
فاجعلهم أمتي.
قال: هم أمة محمد.
قال موسى: يا رب بسطت هذا الخير لأحمد وأمته، فاجعلني من أمته. قال الله تعالي لموسى:
{أني اصطفيتك علي الناس برسالاتى وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}.
وروي عن عبد الله بن ثابت قال :
جاء عمر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ،ألا أعرضها عليك ؟ قال :فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عبد الله بن ثابت:فقلت له :ألا تري ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. قال: فسرى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ،أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين " (مسند أحمد ح 15437)
فما أسعد حظنا أن كنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء و المرسلين.