الحمد لله
أولاً:
إن أحوج ما يكون إليه المسلمون في كل زمان : تعلم العقيدة الصحيحة ، التي
ينجيهم اعتقادها من سخط الله وعذابه ، ويميزون من خلالها بين المبتدع
والسنِّي ، والصادق والكاذب ، ومع حفظهم لدينهم فإنهم يحفظون أموالهم من أن
يسلبها منهم أهل الفساد من أهل الكهانة ، والعرافة ، والشعوذة .
ولا يزال هؤلاء يتفنون في إفساد عقائد الناس ، وسلب أموالهم ، بطوق ملتوية
، ويتبرؤون فيها من كونهم على صفة الكهانة ، أو الشعوذة ، والعرافة .
وانظر فيما نحن بصدده ، فهذا " العرَّاف " و " الكاهن " يستطيع إخبارك
بقائمة طويلة من صفاتك الخلْقية ، والخلُقية ، وشعورك ، والأمراض الجسمية ،
والنفسية ، وغير ذلك بأشياء منها : توقيعك ! ، أو كلمات تخطها بيدك ! أو
رسماتك على الورق ! ، ويسمون كهانتهم هذه : " الجرافولوجي " .
فأي شيء جعله الله تعالى في تلك الحروف والكتابات والرسوم حتى يستدل ذلك
الكاهن من خلالها على أمور غائبة عنه ، وهي غيبية في واقع الحال ؟! ثم
يزعمون أنه لا يعلم الغيب إلا الله !
وهكذا يستمر مسلسل الكذب ، والكهانة ، بأسماء مختلفة ، وتسمى " علوماً " و
" فنوناً " ، وتُعقد لها الدورات القصيرة ، بأثمان باهظة .
وكل ما جاء في " الكهانة " و " العرافة " و " التنجيم " فهو ينطبق على
أولئك الذي يزعمون تلك المعارف بكتابا الشخص ، أو توقيعه ، أو رسوماته .
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم : ( 40924 )
.
ويُنظر تفصيلات – كذلك – في أجوبة الأسئلة : ( 8291 )
و ( 32863 )
و ( 45569 )
و ( 12578 )
.
ثانياً:
قالت الدكتورة فوز كردي - حفظها الله - وهي من أوائل من تنبه لطاغوت
البرمجة العصبية وأخواتها ، ولها ردود منتشرة عليهم ، بل حازت على رسالتي
الماجستير والدكتوراة في العقيدة وضمنتهما الرد على تلك البرامج والادعات
والعلاجات - :
من أنواع الوافدات الفكرية الباطنية أنواع من ما يسمى كذباً " تحليل
الشخصية " ، ففي استخدام مصطلح " تحليل الشخصية " تلبيس ، يلبس به المبطلون
على الناس إذ يظن طلاب هذه التحليلات أنها أداة علمية صحيحة ، لذا أود
التنويه بأن ما ينشر تحت هذا المصطلح ، ويتداول بين الناس أنواع : منه ما
هو شرك ، ومنه ما هو علم ، ومنه ما هو جهل :
أولاً: تحليل الشخصية الباطل :
وهو التحليل المدَّعى بحسب خصائص سرية ، كشخصيتك من خلال لونك المفضل ، أو
حيوانك المفضل ، أو حروف اسمك ، وهذه في حقيقتها : كهانة ، وعرافة ، بثوب
جديد لا تختلف عن القول بأن من ولد في نجم كذا فهو كذا ، وحظه كذا .
فهذه النماذج للتحليل تقوم على روابط فلسفية ، وأسرار مدعاة ، مأخوذة من
الكتب الدينية للوثنيات الشرقية ، وتنبؤات الكهان ، ودعاواهم كخصائص الحروف
، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا : شخصيته كذا ، أو من يحب اللون كذا
: فهو كذا ، ومن يحب الحيوان كذا : فهو ميال إلى كذا ، وغير ذلك مما قد يظن
من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس منطقية ينبني عليها مثل هذه الأنواع من
التحليل ، وحقيقة الأمر عقائد فلسفية يؤمن معتقدوها بما وراء هذه الأشياء (
الألوان ، الحيوانات ، الحروف ، النجوم ....) من رموز ! وأقلها ضرراً ما
تبنى على مجرد القول بالظن الذي نهينا عنه لأنه يصرف عن الحق الذي تدل عليه
العقول السليمة والمتوافق مع هدى النقل الصحيح .
وكذا " تحليل الشخصية " من خلال الخط ، أو التوقيع ، يلحق بهذا النوع
الباطل من وجه الكهانة والعرافة إذا تضمن ادعاء معرفة أمور تتعلق بأحداث
الماضي ، أو المستقبل ، أو مكنونات الصدر دون قرينة صحيحة صريحة ، إذ لا
اعتبار للخصائص السرية المدعاة للانحناءات ، أو الاستقامة ، أو الميل ، أو
التشابك للحروف ، والخطوط ، ولا تعتبر بحال قرائن صحيحة في ميزان العقل
السليم ، فهذه النماذج ما هي إلا كهانة ، وإن اتخذت من " تحليل الشخصية "
ستاراً لها ، قال الدكتور إبراهيم الحمد - معلقًا على الاعتقاد بتأثير
تاريخ الميلاد ، أو الاسم ، أو الحرف - : " كل ذلك شرك في الربوبية ؛ لأنه
ادعاء لعلم الغيب " .
ثانياً : " تحليل الشخصية " أو بعض سماتها العلمي الصحيح :
وهو الذي يقوم به المختصون النفسانيون ، ويعتمد على المقاييس العلمية ،
وطرق الاختبار الاستقرائية الرامية للكشف عن سمات أو ميول إيجابية في
الشخصية خلال مقابلة الشخص ، أو ملاحظة بعض فعاله ، أو تصريحاته ، أو سلوكه
ومشاعره في المواقف المختلفة ، بحيث تشكل نتائج هذه الملاحظة دلالات تدل
على خفايا شخصية الإنسان يمكن إخباره بها ، ودلالته على طريق تعديلها ،
وتنميتها .
فهذه النماذج تختلف عن ذلك الهراء ، والظن المحض ، أو الرجم ، والكذب ،
وتعتمد على معطيات حقيقية ، وأسس سلوكية ، يستشف من خلالها بعض الأمور ،
وتتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها ، وتعزيز الجيد ، ومن ثم تغيير
الشخصية للأفضل ، أو تزكية النفس ، ولا تقف عند حد وصف الشخصية بوصف .
ثالثاً: نماذج التحليل التي هي من قبيل الجهل والتعميم غير الصحيح :
مثل شخصيتك من طريقة نومك ، أو من طريقة مشيتك ، أو طريقة استخدامك للمعجون
! أو ...أو ....
ومثلها شخصيتك من طريقة من حركات عينك ، ونظراتك ، إذا كانت للأعلى : فأنت
كذا ، وإذا كانت ....
فهذه النماذج اعتمادها جهل محض ، وإذا تبعها حديث عن الماضي ، والحاضر ،
ومكنونات النفس : دخلت في الكهانة ، والرجم بالغيب ....
وخلاصة الأمر :
أن في العلم الصحيح ما يغنينا عن الباطل ، والجهل ففي الثابت المنقول ما
يدلنا على سمات مهمة نكتشف بها أنفسنا ، ومن نتعامل معهم ، كقوله صلى الله
عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث .....) ، وفي الثابت المعقول كثير من
الدلالات الصحيحة مثل القول بأن خوف الشخص من دخول مكان واسع مزدحم يدل على
خجل ، وبوادر انطواء في شخصيته ، ويحتاج صاحبه لتذكير بمعاني ، وتدريب على
سلوكيات ليتخطى هذا الحاجز ، ويزكي شخصيته .
انتهى
مقال بعنوان " أنواع تحليل الشخصية [ شرك ، علم ، جهل ] " من موقعها :
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=143&Itemid=2
وسئلت – حفظها الله - :
ما قولكم بخصوص دورات تحليل الشخصية بناء على الخط ؟ .
فأجابت :
قد غزت دورات " تحليل الشخصية " ساحة التدريب في الآونة الأخيرة ، وكثر
إقبال الناس عليها ، أحياناً بدعوى هدف دعوة الأشخاص ، وأحيانا بدعوى معرفة
مناسبة هذا الشخص أو ذاك لصداقة ، أو شراكة ، أو زواج ، أو أي أعمال مشتركة
، أو غير ذلك من الأسباب .
والحقيقة : أن الرغبة في اكتشاف المغيبات ، ومعرفة دخائل النفوس : قد تكون
في أصلها فطرية ، تغذيها رغبة حب الاستطلاع ، والاستكشاف لدى الإنسان ، إلا
أنها رغبة ينبغي أن تضبط بضوابط الشرع ، وينظر إلى ما يفيد منها .
والشرع قد وجهنا بالنسبة للأشخاص والرغبة في معرفة حقيقتهم بتوجيهات عامة ،
منها : الحكم على الظواهر بالقرائن الظاهرة ، وترك السرائر إلى الله عز وجل
، وأعطانا قرائن للصلاح ، والفساد كما في دلالة االصدق ، والمحافظة على
الصلاة ، على الإيمان .
وجهنا للجوء إلى العليم بالسرائر عبر صلاة الاستخارة الذي يعلم ولا نعلم ،
ويقدر ، ولا نقدر متضرعين متذللين .
ولم يثبت في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا صحابته الكرام ، ولا أحد
من السلف المعتد بأقوالهم أنه حاول تحليل شخصية مَن أمامه ، أو معرفة ماضيه
، أو التكهن بمستقبله ، إلا ما كان من ملاحظة قرائن ظاهر الحال .
وبملاحظة مواد " تحليل الشخصية " المطروحة : يمكننا القول أن منها ما يتبع
القرائن الظاهرة ، كنماذج تحليل الشخصية العلمية التي عادة تشمل ملاحظة
الإنسان لنفسه ، أو لآخرين في مواقف متنوعة ، وفق معايير متعارف عليها ،
فمثلا الانطوائي الطبع يشعر بالخجل في التجمعات الكبيرة ، يتشاغل إذا قابل
الناس هرباً من المواجهة ، ونحو ذلك ، وهذه الطرق وما شابهها نتاج علمي
تعلّمه جيد ؛ لتطوير الذات ، وتربية الغير ، مع ملاحظة أن مصمميها أنفسهم
يعطون نسبة صدق معينة لنتائجها ، ولا يجزمون بإطلاق النتيجة ، ثم إنها تعطى
كخطوة لتعديل السلوك ، وتنمية الشخصية ، فيتبعها عادة تدريبات تحدُّ –
مثلاً - من الخجل ، وتدفع لانطلاق أكبر .
ومِن طرق تحليل الشخصية المتبع ما يتعلق بأمور باطنة ، ويُزعم أنها حقائق
قطعية ، بل وتعدُّ حكماً على الشخصيات ، لا خطوة لإصلاحها ، وحقيقة هذه
الأنواع : كهانة وعرافة بثوب جديد ، لا تختلف عن القول بأن مَن ولد في نجم
كذا ، أو طالع كذا : فهو كذا ، وحظه كذا ! .
وقد يزيِّن مروجو هذا الباطل باطلهم فيزعمون أنه " فراسة " ! ، أو يلبسوه
لبوس العلم والدراسات الاستقرائية ، حتى يظن من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس
منطقية يبنى عليها ، وحقيقة الأمر : أنها مجرد قول بالظن الذي نهينا عنه من
وجه ، كما أنها متعلقة بالتنجيم ، والاعتقاد بالكواكب ، وغيرها من وجه آخر
، ثم هي تصرف عن الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن ما تدل
عليه العقول السليمة ، والمتوافق مع هدي النقل الصحيح ، لذلك قال ابن تيمية
عن أمثالها في عصره : " فإنها بديل لهم عن الاستخارة الشرعية " .
وتقوم أكثر نماذج التحليل من هذا النوع على روابط فلسفية ، وأسرار مدعاة ،
مأخوذة من الكتب الدينية للوثنيات الشرقية ، وتنبؤات الكهان ، ودعاواهم ،
كخصائص الحروف ، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا : شخصيته كذا ، أو
خصائص الألوان ، فمن يحب اللون كذا : فهو كذا ، أو أسماء الأبراج الصينية ،
فمن يحب الحيوان كذا : فهو ميال إلى كذا ، وغير ذلك ، وأكثر هذه الأمور عند
التدقيق فيها : تشمل أمورا صحيحة ، وأخرى خاطئة ، ممزوجان معاً ، لذا تشتبه
على كثير ممن يلاحظون الصواب فيها فقط .
ومن هذا النوع الفاسد : ما انتشر مؤخراً بثوب علمي متخذا اسم " علم
الجرافلوجي " ومضمونه " تحليل الشخصية " عبر الخط ، أو التوقيع ، فالحقيقة
: أن ما يتضمنه هذا العلم - إن سلمنا بهذا الوصف له - هو الظن ، والرجم
بالغيب ، مع العرافة ، والكهانة ، وكلما كان صاحبه أحذق : كلما كان أقرب
إلى إعانة الشياطين ، بإخبارهم ببعض المغيبات الماضية ، أو المستقبلية ،
مزينين له الباطل على أنه علم إنما تلقاه من معرفته بخصائص دلالة هذا
الانحناء في التوقيع ، وتلك الزواية في طريقة كتابة حرف كذا ، ونحو ذلك ،
وقد عجبت من تلك المدربة المسلمة - عفوا " العرَّافة " - التي مضت تخبر
المعلمات في إحدى المدارس بطفولتهن ، وما تحب كل واحدة ، وماذا تكره ،
وماذا تتوقع لها مستقبلاً ، زاعمة أن ذلك من فراستها في خطهن وتوقيعاتهن !!
.
ولو فكرنا بعقولنا فقط بعيداً عن تأثير الدعاية لفوائد هذه الدورات
وإيحاءات نفعها لنتساءل : ما الفائدة المرجوة من ورائها وهي تعطي حكماً على
الشخصيات ، لا تعطي دلائل على السمات ، وتدل على طرق تقويمها ؟ .
ثم أي خط ذلك الذي تستشف منه شخصية شخص بارع في محاكاة الخطوط جميعها ،
وتزوير التوقيعات ؟ ما هو مصدر هذا العلم ؟ من هم أهله ؟ رواده ؟ ماهي
مصادره المكتوبة ؟ ماهي قيمته في الساحات العلمية ؟ وما هي فوائده للحياة
والعبادة ، في الدنيا والآخرة ؟ لمَ لَم يعلمنا إياه رسولنا الحبيب صلى
الله عليه وسلم الذي ما ترك من خير إلا ودلَّنا عليه ، ولا شر إلا وحذرنا
منه ، فجزاه الله عنَّا بخير ما جزى نبيّاً عن أمته ، ألف تساؤل وتساؤل ،
قد يجد المفتونون بهذه الضلالات جواباً لبعضها ، ويجيدون التهرب من بعضها ،
ويبقى أكثرها دون إجابة شافية .
وختاماً : أؤكد أن كل ما نحتاجه لنعرف أنفسنا ، ونعرف الآخرين : قد دل عليه
النقل الصحيح ، أوالعقل الصريح ، وما دون ذلك : فهو تزيين الشياطين ،
وإغواؤهم ، وصرفهم لبني آدم عما ينفعهم ، وتحليل الشخصية أو بعض سماتها
بالمنهج العلمي الذي يقوم به المختصون يختلف عن هذا الهراء الباطل ،
فالتحليل الصحيح يعتمد على معطيات حقيقية ، وأسس سلوكية ، يستشف من خلالها
بعض السمات العامة للشخصية ، ويتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها ،
وتعزيز الجيد ، ومن ثَمَّ تغيير الشخصية للأفضل ، أو ما نسميه " التربية "
، و " تزكية النفس " .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصرفَ عنَّا ضلالات الباطنية .
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=87&Itemid=2
والله أعلم