هل
يجوز توحيد الهلال ؟؟ و الأخذ برأي الفلك ؟
السؤال:
شيخنا الفاضل ما رأيك في هذا الموضوع وهذه الحمله المزعومه هل يجوز توحيد الهلال
كما يقولون ؟؟ و الأخذ براي الفلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب الحملة
الاختلاف السنوي حول رؤية الهلال يجسد حال الفرقة التي تحياها الأمة الإسلامية
اليوم، و هي فرقة تدمي قلوبنا و قلب الرسول صلى الله عليه و سلم.
الرسول صلى الله عليه و سلم من شدة حرصه على وحدة الأمة الإسلامية، شبه المؤمنين
بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى.
و تساءلنا اليوم بخصوص اختلافنا السنوي حول موضوع الهلال و حول موضوع رؤية الهلال و
الصوم و العيد.
إذا دولة فلانية ستصوم في يوم ما، ثم تأتي دولة أخرى وتصوم اليوم الذي بعده، ثم
تأتي دولة ثالثة و تصوم بعدهم بثلاثة أيام، فماذا أبقينا لهذا الجسد الذي تحدث عنه
الرسول صلى الله عليه و سلم.
لا يمكن لأي أمة أن تنهض و تقيم حضارة قوية مزدهرة، دون أن تضع لنفسها أو تعتمد
تقويما صلبا وموثوقا فيه. إن الناس إذا أرادوا العيش سويا في مجتمعات متطورة، يجب
أن يبنوا إطارا موحدا لحساب الأزمنة حتى يتسنى لهم تنسيق أنشطتهم، و أداء مناسكهم
الدينية، سواء الفردية منها أو الجماعية على أحسن وجه.
و لا شك في أن الجميع لاحظ أن في كل عام يبرز الخلاف القديم بين البلاد الإسلامية
حول بداية شهر رمضان الكريم، و هيالحالة التي لم يعد من الممكن التغاضي عنها و
تركها على ما هي عليه، لما تسببه من بعد نفسي بينالمسلمين يكون نتيجة حتمية لاختلاف
مواقيت صومهم و فطرهم.
تعريف للحملة
و حتى لا نبقى مكتوفي الأيدي أمام هذا الموضوع الذي شغل بال أجيال قبلنا، و يشغل
بالنا نحن أيضا، قررنا فتح هذا الباب على مصراعيه، لنأخذ المبادرة لتحريك و دفع كل
الأطراف و الجهات المؤثرة في هذه المسألة من قريب أو بعيد من مسئولين و فقهاء و
خبراء في علم الفلك لوضع حد لهذا الاختلاف ولإيجاد حل لهذه المشكلة التي تتكرر كل
عام.
فرسالتنا اليوم لكل المسلمين، مسؤولين و غير مسؤولين، نرجوكم كفى... لا تضحكوا
علينا الأمم الأخرى، أضعف الإيمان أن توحدونا لكي نصوم معا و نفطر معا و نعيد معا.
نرجوكم لا تحرمونا على الأقل من هذه الأمنية.
أمتنا واحدة... و هلالنا واحد.
شعار الحملة
فلنكن أول جيليفتخر أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بصوم رمضان في نفس اليوم
...واستقبال العيدفي نفس اليوم .... كأمة واحدة
الهدف من الحملة
التوفر على تقويم متعارف و متفق عليه من طرف جميع المسلمين في العالم، يمكننا من
أداء مناسكنا الدينية بشكل موحد، ويسهل علينا ضبط شؤون حياتنا و برمجة وقتنا( أوقات
عمل و أوقات عطل) بشكل منظم. و يحقق لنا وحدة اجتماعية حتى نصبح أمة إسلامية واحدة
قلبا وقالبا.
الوسيلة
الإسلام لا يخالف العلم، واستعمال العلم هو الوسيلة الوحيدة التي بواسطتها يمكن وضع
تقويم إسلامي عالمي موحد.
شهادات
" يجب علينا أن نستعمل مقتضيات هذا العصر الذي نعيش فيه. و نصوم لرؤية الهلال و لكن
الرؤية في لغة العرب تقع على العلم، و لذلك فنستعمل كل العلم المتاح لنا، حتى
نستطيع أن نوحد الأمة في مشرقها و مغربها. نصوم معا و نفطر معا بهلال واحد "الشيخ
علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية
" اتفاق المسلمين على الهلال هي أبسط مظاهر الوحدة الإسلامية في زمن صارت فيه
الكمبيوترات موجودة و مواقع النجوم معروفة و حركات القمر و موقعها بالضبط، فكيف
نختلف على هذه المسألة " الدكتور طارق السويدان
كيف تساهم في نشر هذه الحملة ؟
1- قم بزيارة الموقع الرسمي المنظم للحملة على الرابط التالي: ، و ضع ردا مساندا
للفريق المكلف بالحملة الخاصة ببلدك. حتى نتمكن من جمع عدد كبير من الردود المساندة
للحملة، لتكون دليلا واضحا على اختيار أفراد هذه الأمة لتغيير هذا الوضع.
2- انضم إلى أعضاء الفريق الذي يمثل بلدك في هذه الحملة لتقديم المساعدة إليهم، و
لمدهم بأفكارك و اقتراحاتك.
3- حاول نشر فكرة الحملة قدر ما استطعت بشتى الوسائل و الطرق المتحضرة المدروسة و
المنظمة و بدون تهور.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .
أولاً : هذه حملة يُراد بها ترك السنة والعمل بِخلافها ! فكيف يُقال : (فلنكن أول
جيل يفتخر أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بصوم رمضان في نفس اليوم ...واستقبال
العيد في نفس اليوم )
بل يُقال : لا تكن من تلك الجموع التي تُذاد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما تُذاد الغريبة من الإبل ؛ لأنهم غيروا وبدّلوا . قال عليه الصلاة والسلام :
والذي نفسي بيده لأذودَنّ رِجالاً عن حوضي كما تُذاد الغريبة من الإبل عن الحوض .
رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أسماء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا على حوضي
أنتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني ، فأقول : أمتي ، فيقول : لا تدري ! مَشّوا
على القهقرى . قال ابن أبي مليكة : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نُفتن
. رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أبي سعيد الخدري قال عليه الصلاة والسلام : إنهم مِنِّي ، فيقال : إنك لا
تدري ما بَدَّلُوا بعدك . فأقول : سُحقاً سُحقاً لمن بَدّل بعدي . رواه البخاري
ومسلم .
ثانيا : العمل بالحساب الفلكي زلّل وخطأ ! قال الإمام ابن العربي المالكي : وقد زل
بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال : يُعَوَّل على الحساب ، وهي عثرة لا لَعَا
لها !
والفلكيون أنفسهم – قديما وحديثا – لم يتّفقوا على طُلوع نَجْم من النجوم التي لا
يتعلّق بها عبادات ، وإن تعلّق بها مصالح للناس في معاشهم ! فكيف يُراد اتّفاقهم
على أمر كهذا ؟!
ولذا تختلف التقاويم قديما وحديثا ، وتتفاوت التقاويم بعضها عن بعض بِنحو عشرة أيام
أو أكثر في بعض الأحيان ، بين دخول نجم أو موسم !
ثالثا : المعتبر شرعا هو رؤية الهلال الرؤية البصرية التي أمَر النبي صلى الله عليه
وسلم أصحابه بها . ولا يُمكن أن يُكلّف الناس بأمْرٍ لا يعلمه إلاّ آحاد الناس في
جيل دون جيل ، وفي زمان دون زمان !
ويدلّ على ذلك ويُؤكِّده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتموه فصوموا ،
وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غُـمّ عليكم فاقدروا له . رواه البخاري ومسلم .
وقد جاء في رواية لمسلم : الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتم الهلال فصوموا .وفي راية
للبخاري : لا تصوموا حتى تروا الهلال . وفي رواية له من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا .
وفي رواية البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيه : فإن غُـمّ عليكـم
فصوموا ثلاثين يوما .
ولو كان المقصود به العِلْم لم يكن لتقييده بالغيم معنى ، بل يكون لغوا لا معنى له
!
والقول بالحساب الفلكي تَقَدّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ هو يقول
: إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا .ويقول عليه الصلاة والسلام :
إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غُـمّ عليكم فاقدروا له .
ثم يأتي من يقول : لا تعتبروا الرؤية بل اعتبروا الحساب ! ومعلوم أن اعتبار الحساب
الفلكي لا يتأثّر بالغيم ولا يلزم منه إكمال عدَّّة شعبان في حال عدم الرؤية ، ولا
إكمال عِدّة رمضان في حال عدم الرؤية !
ولا يكون هناك يوم شكّ يُنهى عن صيامه – أعني في حال اعتبار الحساب الفلكي – !
فأين الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
قال إبراهيم النخعي : لا حجة في قول أحد مع الـسُّـنَّة .وقال الإمام الشافعي رحمه
الله لا حجة في قول أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد انعقد الإجماع على عدم اعتبار الحساب الفلكي . قال القرطبي عن اعتبار الحساب
الفلكي : وهذا لا نعلم أحدا قال به إلاَّ بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك
بِقَول المنجِّمِين ! والإجماع حُجة عليهم ، وقد رَوى ابن نافع عن الإمام مالك في
الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يُفطر لرؤيته ، وإنما يصوم ويُفطر على الحساب :
إنه لا يُقْتَدَى به و لا يُتَّبَع .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة حول الحساب الفلكي ، وأنه لا يُعتبر في
العبادات .
رابعا : اختلاف رؤية البلدان باعتبار اختلاف المطالع ، وهذا أمْر قد أعْمَلَه
الصحابة رضي الله عنهم ، بل قد أعمله حَبْر الأمة وترجمان القرآن ، ابن عباس رضي
الله عنهما .
روى الإمام مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال :
فقدمت الشام فقضيت حاجتها ، واستهلّ عليّ رمضان وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة
الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ،
ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت
رأيته ؟
فقلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا
نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟
فقال : لا ، هكذا أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم
تضحون . رواه الترمذي . وصححه الألباني .
ولو صام الناس بعد اجتهادهم وتبيّن أنهم أخطأوا ، أو وقفوا بعرفة وتبيّن أنهم
أخطأوا أيضا ؛ لم يكونوا آثمين ، بل إن صيامهم صحيح ، وحجّهم صحيح ، إذ لا يُكلِّف
الله نفسا إلاّ وسعها .
وليس وراء ذلك إلاّ إثارة البلبة والتشويش على الناس ! ومن كان كذلك كان أولى أن
يُؤدَّب ! ومن كان كذلك فكيف يُقبل خبره في عبادات الناس ؟!
قال ابن الهمام الحنفي رحمه الله فيما إذا شَهِد قوم أنهم رأوا هلال ذي الحجة في
ليلة كذا بحيث يكون يوم الوقوف منه اليوم العاشر : إذا كانت هذه الشهادة لا يترتب
عليها عدم صحة الوقوف فلا فائدة في سماعها للإمام فلا يسمعها ؛ لأن سماعها
يُشْهِرها بين عامة الناس من أهل الموقف ، فيكثر القيل والقال فيها ، وتثور الفتنة
، وتتكدر قلوب المسلمين بالشك في صحة حجهم بعد طول عنائهم ، فإذا جاءوا ليشهدوا
يقول لهم : انصرفوا لا نسمع هذه الشهادة قد تم حج الناس . اهـ .
خامسا : يجب على الفلكيين أن يخزنوا ألسنتهم ، وأن لا يُثيروا على الناس شرًّا !
فإننا نسمع كل عام ما يتفوّه به بعض الفلكيين ، والتشكيك بعبادات الناس الذين صاموا
على رؤية شرعية صحيحة .
فإنهم آثمون بذلك ، يحملون وزر كل من شكّكوه في عبادته . وهم أنفسهم – كما قلت – لم
يتّفقوا على شيء !
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد
http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=946
|