أولاً:
نشكر لك غيرتك أيها الأخ السائل الفاضل ،
ونسأل الله تعالى أن يكتب لك أجر ما نكتب وننصح به ، و ( الدال على الخير
كفاعله ).
وما تقوله أخي الفاضل صحيح ، وهو موجود –
وللأسف – بكثرة في المنتديات ، ولا يمكن لأحدٍ أن يوقف ذلك السيل العارم
بالحديد ، والقوة ، ولا خير من تنمية الوازع الديني عندهم ، فهو الذي يمكن
أن يردع هؤلاء المخالفين للشرع عن فعلهم ، وهو الذي يمكن أن يكُف أصابعهم
عن كتابة ما لا يليق شرعاً وعرفاً .
ثانياً:
في رأينا أنه ثمة أسبابا تدعو أولئك
المشاركين في تلك الكتابات لكتابة ذلك الفحش والسوء ، ومنها :
1. عدم استشعار رقابة الله تعالى ، فترى
أحدهم يكتب مع إغفاله لرقابة ربه تعالى على حركة أصابعه ، وعلى نيته في
باطنه .
2. الفراغ العاطفي لدى هؤلاء ، فلا زوجة يعف
نفسه بها ، ولا زوج يعفها ويكفيها .
3. الفراغ من المسئوليات ، وكثرة الأوقات
الفارغة .
4. الجهل بالأحكام الشرعية ، والجهل يؤدي إلى
المعصية ، والمعصية تؤدي إلى النار .
5. تهييج المشاركين والمشارِكات للاصطياد
الماكر .
6. صحبة السوء ، والتنافس على القُبح .
ثالثاً:
أما علاج هذه الظاهرة : فيتمثل في أمور ،
منها :
1. تقوية جانب رقابة الله تعالى للعبد ،
ويتجلى ذلك بتوضيح مفهوم الإحسان ، والتعريف بصفات الله تعالى كالرقيب ،
والبصير ، والسميع ، مع تقوية جانب الحياء من الله تعالى ، ومن ملائكته
الكرام .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
الإحسان إذا باشر القلب : منعه عن المعاصي ؛
فإنَّ مَن عبدَ الله كأنه يراه : لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذِكره ، ومحبته
، وخوفه ، ورجائه على قلبه ، بحيث يصير كأنه يشاهده ، وذلك سيحول بينه وبين
إرادة المعاصي ، فضلا عن مواقعتها ، فإذا خرج من دائرة الإحسان : فاته صحبة
رفقته الخاصة ، وعيشهم الهنيء ، ونعيمهم التام .
" الجواب الكافي " ( ص 47 ) .
2. بيان الحكم الشرعي لكتابة الفحش ، والسوء
، وأن الشريعة المطهَّرة حرَّمت ذلك ، مع تحريم نشر القبيح من الكلام ،
والإعانة على القبيح من الأفعال .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي
مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ، وَإِنَّ
اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ ) .
رواه الترمذي ( 2002 ) وقال : حسن صحيح ،
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
3. بيان الحكم الشرعي لنشر أسرار الفراش في
الحياة الزوجية .
عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ
النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي
إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ) .
رواه مسلم ( 1437 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
وفي هذا الحديث : تحريم إفشاء الرجل ما يجرى
بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك ، وما يجرى مِن المرأة
فيه ، من قول ، أو فعل ، ونحوه .
" شرح النووي " ( 10 / 8 ) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله
- :
يغلب على بعض النساء نقل أحاديث المنزل
وحياتهن الزوجية مع أزواجهن إلى أقاربهن وصديقاتهن ، وبعض هذه الأحاديث
أسرار منزلية لا يرغب الأزواج أن يعرفها أحد ، فما هو الحكم على النساء
اللاتي يقمن بإفشاء الأسرار ونقلها إلى خارج المنزل أو لبعض أفراد المنزل ؟
.
فأجاب :
إن ما يفعله بعض النساء مِن نقل أحاديث
المنزل والحياة الزوجية إلى الأقارب والصديقات أمر محرَّم ، ولا يحل لامرأة
أن تفشي سرَّ بيتها ، أو حالها مع زوجها إلى أحدٍ من الناس ، قال الله -
تعالى - : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) ، وأخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أن ( شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي
إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها ) .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 211 ، 212 ) .
وقال – رحمه الله - :
والصواب في هذه المسألة – أي : التحدث بجماع
الزوجة - أنه حرام ، بل لو قيل : إنه من كبائر الذنوب لكان أقرب إلى النص ،
وأنه لا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته .
" الشرح الممتع " ( 12 / 419 ) .
ومعنى يفضي : أي يصل إليها بالمباشرة
والمجامعة كما في قوله تعالى : " وقد أفضى بعضكم إلى بعض " سورة النساء
الآية 21 .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق باباً ، ثم
يرخي ستراً ، ثم يقضي حاجته ، ثم إذا خرج حدَّث أصحابه بذلك ؟!
ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها وترخي سترها ،
فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها ؟ فقالت امرأة سفعاء الخدين : والله يا رسول
الله إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون ، قال : فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثَل
شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق ، فقضى حاجته منها ، ثم انصرف ، وتركها
.
قال الألباني : رواه البزار ، وله شواهد
تقوِّيه .
" صحيح الترغيب " ( 2023 ) .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : هَلْ فِيكُمْ رَجُلٌ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ أَغْلَقَ بَابَهُ
وَأَرْخَى سِتْرَهُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحَدِّثُ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ
بِأَهْلِي كَذَا ، وَفَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا ؟ فَسَكَتُوا فَأَقْبَلَ
عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ : هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ ؟ فَجَثَتْ
فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا ، وَتَطَاوَلَتْ لِيَرَاهَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعَ كَلاَمَهَا ،
فَقَالَتْ : إِي وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَيُحَدِّثُونَ ، وَإِنَّهُنَّ
لَيُحَدِّثْنَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؟
إِنَّ مَثَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ لَقِيَ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالسِّكَّةِ ، قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا وَالنَّاسُ
يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ .
رواه أبو داود ( 2174 ) .
قال الشوكاني – رحمه الله - :
والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين
لما يقع بينهما من أمور الجماع ؛ وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس ،
وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون : من أعظم
الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة
إلى الوطء ومقدماته ، فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار
فضلا عن كونه من شرهم ، وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه ،
وإنما خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر
المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة : لأن وقوع ذلك الأمر - في الغالب - من
الرجال .
قيل : وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور
الاستمتاع ، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع ، وإفشاء ما يجري من المرأة
من قول أو فعل حالة الوقاع ، وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه
فائدة ولا إليه حاجة فمكروه ؛ لأنه خلاف المروءة ، ومن التكلم بما لا يعني
، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله
عليه وآله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " .
" نيل الأوطار " ( 6 / 237 ) .
وقد أطلنا في هذه المسألة لأنها عمدة السؤال
، وهي أكثر المسائل انتشاراً في المنتديات ، وهو الحديث عن الجماع ، وتفصيل
فعل ذلك في الفراش ، وإذا كان حديث الزوجة عن فعل زوجها من كبائر الذنوب ،
فكيف يكون حكم من نشر تفصيل ذلك في واقعة زنى ؟!
قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) .
روى البخاري (6069) ومسلم (2990) من حديث أبي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا
الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ
بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ
فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ
يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "
وَالْمَجَانَة مَذْمُومَة شَرْعًا وَعُرْفًا , فَيَكُون الَّذِي يُظْهِر
الْمَعْصِيَة قَدْ اِرْتَكَبَ مَحْذُورَيْنِ : إِظْهَار الْمَعْصِيَة
وَتَلَبُّسه بِفِعْلِ الْمُجَّان " ...
وقَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله : فِي
الْجَهْر بِالْمَعْصِيَةِ اِسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه وَرَسُوله
وَبِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ , وَفِيهِ ضَرْب مِنْ الْعِنَاد لَهُمْ ,
وَفِي السِّتْر بِهَا السَّلَامَة مِنْ الِاسْتِخْفَاف , لِأَنَّ
الْمَعَاصِي تُذِلّ أَهْلهَا , وَ[ السلامة ] مِنْ إِقَامَة الْحَدّ
عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَدّ وَمَنْ التَّعْزِير إِنْ لَمْ يُوجِب
حَدًّا , وَإِذَا تَمَحَّضَ حَقّ اللَّه فَهُوَ أَكْرَم الْأَكْرَمِينَ
وَرَحْمَته سَبَقَتْ غَضَبه , فَلِذَلِكَ إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنْيَا
لَمْ يَفْضَحهُ فِي الْآخِرَة , وَاَلَّذِي يُجَاهِر يَفُوتهُ جَمِيع
ذَلِكَ .. وَأَيْضًا فَإِنَّ سِتْر اللَّه مُسْتَلْزِم لِسِتْرِ الْمُؤْمِن
عَلَى نَفْسه , فَمَنْ قَصَدَ إِظْهَار الْمَعْصِيَة وَالْمُجَاهَرَة بِهَا
أَغْضَبَ رَبّه فَلَمْ يَسْتُرهُ , وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّر بِهَا حَيَاء
مِنْ رَبّه وَمِنْ النَّاس مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِسِتْرِهِ ." انتهى من
فتح الباري .
فلعلَّ هؤلاء أن يقفوا على الحكم الشرعي ،
فينتهوا عن نشر القبيح من الكلام ، والوصف للمحرَّم من الأفعال .
3. تحذير رب الأسرة من ترك الحبل على غاربه
لأولاده الذكور والإناث لأن يشاركوا فيما يشاؤون من منتديات ، وتفعيل دور
الأسرة في التوجيه ، والتربية ، والرقابة .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/ 6 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ
رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ
وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ
سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .
رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
4. تحذير الفتيات من ذئاب المنتديات ، حيث
يدخل الواحد فيهم متصنعاً للوقار ، أو للفهم والمعرفة ، أو لعذب الكلام ،
أو لحسن معاملة النساء ، فيوقع الكثيرات في شراكه ، ويصيدهن بشباكه ، ويحرص
على تشويقهن ، وتهييجهن ، حتى يقع منهنَّ ما لا يُحمد عقباه .
5. التشجيع على الزواج بذِكر الحكم الشرعي
بوجوبه على من كان قادراً ، وبالزواج يُملأ جانب العاطفة الذي يفتقده هؤلاء
، فيحاولون ملأه بالكلام المجرد ، المهيج للشهوة ، والداعي للفتنة .
6. التحذير من صحبة السوء ، وأن هذه الصداقة
السيئة ستنقلب ندامة في الدنيا ، وعداوة في الآخرة .
ونسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن
يحفظ علينا أعراضنا وأوقاتنا وطاعاتنا ، وعسى الله أن يهدي بما ذكرناه
أصحاب المواقع ، والمنتديات ، والمشرفين عليها ، والكاتبين فيها ، وليعلم
كل واحد من أولئك أنه مخاطب بما سبق بيانه ، وأنه يتحمل إثم كل مشاركة سيئة
فيها إثم وفحش ، وأنه يكسب إثم كل بيت يُهدم ، وعرض يُنتهك ، ونفسٍ تُفتن .
والله الموفق