الفصل الأول
ج 1 : مفهوم تكنولوجيا التعليم
ينتهي
التقرير الشامل لجمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا
Association for Educational Communications
and Technology
في أمريكا ( 1985 )
حول تعريف التكنولوجيا التربوية بالعبارة التالية :
" إن
المستقبل التربوي سوف يؤول إلى أولئك الذين يدركون بعمق
أهمية التكنولوجيا التربوية والتعليمية "
وينص
الجزء الأول من تعريف الجمعية لمفهوم تكنولوجيا التعليم
Educational Technology
(
من 16 جزءاً ) على أن :
* التكنولوجيا التعليمية عملية مركبة متكاملة يشترك فيها الأفراد
والأساليب والأفكار والأدوات والتنظيمات بغرض تحليل المشكلات التي تتصل بجميع
جوانب التعلم الإنساني، وإيجاد الحلول المناسبة لها ثم تنفيذها وتقويمها وإدارة
جميع هذه العمليات .
* في التكنولوجيا التعليمية تأخذ حلول هذه المشكلات شكل مصادر
التعلم جميعها، التي يتم تصميمها و ( أو ) اختيارها و ( أو) استعمالها لتحقيق
التعلم.
* وتُحدد مصادر التعلم
على أنها رسائل، وأفراد، ومواد، وأدوات، وأساليب، ومواقف تعليمية.
* ويتم تحديد العمليات المناسبة لتحليل المشكلات وابتكار الحلول وتنفيذها،
وتقويمها بواسطة وظائف التطوير التعليمي: النظرية والبحث، والتصميم، والإنتاج، والاختيار، والتقويم، والتمويل
(العمليات المساندة)، والاستخدام، ونشر المعلومات.
* وتُحدد العمليات ذات العلاقة بالإدارة والتنسيق بين واحد أو أكثر من هذه
الوظائف بواسطة وظائف الإدارة التعليمية المتعلقة بإدارة التنظيمات والأفراد.
ويوضح النموذج الخاص
بمجال تكنولوجيا التعليم العلاقات بين هذه العناصر:
وظائف
الإدارة التعليمية
إدارة
التنظيمات
إدارة الأفراد |
|
وظائف
تطوير التعليم
نظرية
– بحث
تصميم
إنتاج
اختيار
تقويم
عمليات مساندة
استخدام / نشر |
|
مكونات
نظام التعليم
(مصادر التعلم)
رسالة
عاملون
مواد
أدوات
أساليب
تجهيزات
|
|
المتعلم
|
شكل (1 ـ 1) نموذج مجال تكنولوجيا التعليم
ويتسم
المفهوم السابق لتكنولوجيا التعليم بالشمول حيث يتناول جميع مكونات المنظومة التعليمية من حيث إدارته وتطويره
ومصادره لتحقيق أهدافها بالمحافظة على استقرارها واتزانها، وعلى تطورها، وعلى تفاعلها
مع المنظومات الأخرى لتلبية حاجاتها.
واعتماد
مفهوم تكنولوجيا التعليم على منهج المنظومات يرجع إلى أن التعامل مع أجزاء وعناصر
العملية التعليمية منفصلة ومعزولة عن بعضها غالباً ما يؤدي إلى الفشل وإلى إهدار
الجهد والوقت والمال، أي لا يجوز الترميم لأنه يستر الخلل إلى حين. ولتوضيح ذلك
يكفي التساؤل حول: ما جدوى إدخال التجهيزات التكنولوجية في نظام تعليمي تقليدي
يؤمن بأفضلية التفاعل اللفظي فقط دون الاستعانة بهذه التجهيزات.
وهكذا يمكن القول بأن تكنولوجيا التعليم
أشمل وأعم من وسائل الإيضاح والمعينات والوسائط تعليمية التي تُعتبر أحد مكونات
المنظومة التعليمية. فالتكنولوجيا التعليمية أكبر من مجموع مكوناتها.
كما أن أهمية الوسائط التعليمية لا تكمن في
هذه الوسائط في حد ذاتها، ولكن فيما تحققه هذه الوسائط من أهداف سلوكية محددة ضمن منظومة
تعليمية شاملة متكاملة.
أهمية وسائط
الاتصال التعليمية
( لماذا نستخدم
وسائط الاتصال التعليمية ؟ )
تُعرف
عملية
الاتصال
إجرائياً بأنها العملية أو الطريقة التي يتم عن طريقها انتقال
فكرة أو معنى أو مفهوم أو إحساس أو اتجاه أو خبرة من طرف إلى طرف آخر حتى تصبح
مشتركة بينهما.
وتُعرّف
وسائط الاتصال التعليمية في
ضوء عملية الاتصال بأنها: " قنوات الاتصال التي يمكن عن طريقها نقل الرسالة
(محتوى المادة الدراسية) بجوانبها الثلاثة (المعرفي والنفس حركي والوجداني) من
المُرسل (وهو المعلم) إلى المستقبل (وهو المتعلم)، بأقل جهد ممكن، وفي أقصر وقت
ممكن، وبأوضح ما يمكن، وبأقل تكلفة ممكنة ".
ويمكن
أن نوضح أهمية وسائط الاتصال التعليمية في المجالات الرئيسة التالية:
* أولاً : أهمية وسائط الاتصال التعليمية في عمليتي
التعليم والتعلم:
1
ـ توسيع مجال الخبرات التي يمر فيها المتعلم:
تساعد
وسائط الاتصال التعليمية في تحسين مستوى التدريس بتعويض المتعلمين عن الخبرات التي
لم يمروا بها سواء: لخطورة تعرض الأطفال لها (مثل التفجيرات النووية)، أو لبعدها
عن مكان الدراسة (عند دراسة طرق استخراج الفحم والذهب من المناجم، أو حياة
الإسكيمو)، أو لتباعد فترات حدوثها (مثل ظواهر الخسوف والكسوف)، أو لصِغر الشيء
المستهدف دراسته (مثل دراسة الخلية الحية) أو لِكبره (عند دراسة حركة الكواكب، أو
حركة الأرض)، أو معقدة (عند دراسة آلة الاحتراق الداخلي للسيارة)، أو مستحيلة (عند
دراسة طبقات الأرض الداخلية، أو حياة قدماء المصريين).
في كل
الخبرات السابقة يمكن الاستفادة من وسائط الاتصال التعليمية الحديثة في تحقيق
تعليم أفضل يترتب عليه بالتالي تعلُّم أثمر.
2
ـ تساعد على فهم المتعلم لمعاني الألفاظ التي تُستخدم أثناء الشرح:
فكثيراً
ما يُلاحظ أن التلاميذ يرددون ويكتبون ألفاظاً دون أن يدركوا مدلولها، ولذلك فهم
يعتمدون على حفظها واستظهارها حتى يحين وقت الامتحان ليتخلصوا منها إلى الأبد،
وتكون النتيجة أن ينسوا هذه المعلومات بعد أدائهم للامتحان، لكن استعمال وسائط
الاتصال التعليمية يزوِّد المتعلمين بأساس مادي محسوس لأفكارهم، وهذا يقلل من
استخدام الألفاظ التي لا يفهمون لها معنى.
والأمثلة لذلك كثيرة، منها ما يلي:
أ ـ في دروس العلوم:
* موضوع تركيب الزهرة: يتضمن ألفاظاً مثل الكأس وسبلاته،
والتويج وبتلاته، والطلع، والمتاع، والمبيض والقلم والميسم، والبويضة وحبة اللقاح
…
الخ.
* موضوع تركيب الحشرة: يتضمن ألفاظاً مثل قرون
الاستشعار، والتعرّق الشبكي، والعين المركبة، والأرجل المفصلية
…
الخ.
* موضوع الميزان الحساس: يتضمن ألفاظاً مثل
قب الميزان، ومنشور من العقيق، ومسمار محوي
… الخ.
ب ـ في دروس الرياضيات: تتضمن كثير من الألفاظ مثل المكعب، والمنشور، والمثلث، ومتوازي الأضلاع،
ونصف القطر
… الخ.
ج ـ في دروس اللغة: يرد كثير من الألفاظ وتتضمن كثير من مهارات التخاطب والكتابة التي يمكن
توظيف الوسائط التكنولوجية في تيسير فهمها.
د ـ في الدراسات الاجتماعية: ترد مصطلحات مثل الهضبة، والجبل، والسهل، والطقس، والمناخ، والقارات،
والأرض، والخور، والخليج،
… الخ.
وغني عن الذكر أن استخدام المعلم لوسائط
الاتصال التعليمية يجنب التلاميذ ترديد الألفاظ وكتابتها دون إدراك مدلولها، ودون
تكوين صورة ذهنية صحيحة عنها.
3
ـ تساهم في زيادة ثروة التلاميذ من الألفاظ الجديدة:
تقوم
وسائط الاتصال التعليمية بدور هام في زيادة ثروة التلاميذ من الألفاظ الجديدة،
ويتضح ذلك مثلاً عند قيام التلاميذ برحلة تعليمية لمصنع صابون، فيرى التلاميذ
خطوات صناعته، ثم يُعبّرون عمّا شاهدوه مستخدمين ألفاظاً جديدة ذات معنى واضح
بالنسبة لهم(قد يسمعونها من المهندس المرافق لهم)، مثل التسخين، والغليان،
والأنابيب، والصودا الكاوية، والقِدر
… الخ.
4
ـ تعمل على إثارة اهتمام المتعلمين وعلى إيجابيتهم للتعلم:
ما
الفرق بين فصلين: في أحدهما يقوم المعلم بالشرح الشفوي (الإلقاء)، وفي الآخر يقوم
المعلم ـ في نفس الموضوع ـ بتجارب عملية، أو يستعمل خريطة أو نموذج؟ تدل المشاهدات
على أن الأرجح أن تلاميذ الفصل الأول يغلب عليهم النعاس والملل، أو الشغب
والثرثرة، بعكس تلاميذ الفصل الثاني الذين يبدو عليهم الاهتمام والإيجابية، وتتبُع
الدرس والاندماج والمشاركة فيه.
وإذا
أتاح المعلم لتلاميذه فُرصاً لحل مسألة على السبورة أو تشغيل نموذج متحرك، أو
إجراء تجربة في المعمل مثلاً، فالغالب أن كل هذا يؤدي إلى زيادة اهتمام التلاميذ
واندماجهم في الدرس.
ومع أن
بعض المعلمين لديهم القدرة على جذب
انتباه تلاميذهم عن طريق الإلقاء الجيد، إلا أن هذه القدرة قد لا تكون
متوفرة لدى الجميع بل إن الاستمرار في الإلقاء حتى لو كان جيداً أمر يثير الملل.
5
ـ تساعد على جعل الخبرات أبقى أثراً:
تتصف
وسائط الاتصال التعليمية بأنها تقدم للمتعلمين خبرات حية ـ أو ممثلة لها ـ وقوية
التأثير، ويبدو أن هاتين الصفتين تؤديان إلى بقاء أثر ما يتعلمه التلاميذ والتقليل
من احتمال نسيانه.
وقد
بيّنت بعض الدراسات أن التلاميذ ينسون حوالي 50 % من المعلومات التي يتعلمونها
بالإلقاء التقليدي بعد عام واحد، وتصل هذه النسبة إلى 75 % بعد عامين من دراستها،
في حين بينت البحوث أن وسائط الاتصال التعليمية تساعد على التركيز وتقليل النسيان،
وبالتالي تقليل الفاقد في التعليم.
6
ـ تشجّع على النشاط الذاتي والتطبيق العملي لدى التلاميذ:
تقوم
وسائط الاتصال التعليمية بإثارة الحماس لدى المتعلمين وتُشجعهم على القيام ببعض
الأنشطة بدوافع ذاتية، فمشاهدة فيلم عن تسوّس الأسنان قد يشجّع المتعلم على
العناية بأسنانه.
وإذا
شاهد ـ خلال رحلة تعليمية لمستشفى ـ آثار التدخين على الجهاز التنفسي لبعض المرضى،
فربما يدفعه ذلك إلى المشاركة في جمعية لمكافحة التدخين داخل المدرسة، وإذا شاهد
لوحة عن القيمة الغذائية لبعض الأطعمة فربما ساعده ذلك على اختيار نوع الغذاء الذي
يعطيه قدراً أكبر من القيمة الغذائية
… وهكذا.
7
ـ تساهم في زيادة جودة التدريس:
المقصود
بجودة التدريس هنا توفير الوقت والجهد والمال وزيادة الوضوح والحيوية، ويمكن أن
يتحقق ذلك باستخدام وسائط الاتصال التعليمية، فمثلاً عند عرض المعلم فيلماً
تعليمياً لتلاميذه يوضح مراحل نمو الطفل وخصائص كل مرحلة في وقت قصير، فإن هذا
يغني عن ضياع الوقت الطويل للوصول إلى النتائج الواضحة والحية التي يقدمها الفيلم.
ولو أن
هذا الموضوع كان جديداً على التلاميذ واعتمد المعلم على الشرح اللفظي في تدريسه،
فإن ذلك سيستنفذ منه جهداً شاقاً حتى يمكنه توضيحه بنفس كفاءة الفيلم التعليمي
المتحرك.
8
ـ تساهم وسائط الاتصال التعليمية في مقابلة الفروق الفردية بين التلاميذ:
لوسائط
الاتصال التعليمية دور كبير في مقابلة الفروق الفردية بين التلاميذ والتي يهملها
المعلمون غالباً، وكلما كانت هذه الوسائط متنوعة كلما أمكنها مساعدة التلاميذ على
اختلاف قدراتهم وميولهم.
فهناك
من التلاميذ من يميل إلى مشاهدة فيلم تعليمي، ومنهم من يميل إلى المشاركة في رحلة
تعليمية، ومن يفضّل استخدام الكمبيوتر في التعلم، والبعض يميل للاشتراك في تمثيلية
تعليمية، وآخرون يرغبون في إجراء التجارب المعملية، وهذا كله يزيل الرتابة والملل
عن مواقف التعليم والتعلم، ويعطي التلاميذ الخبرات التي تقابل ما بينهم من فروق
فردية.
9
ـ تساعد على كسب المهارات وإنمائها:
الطريق نحو تعلُّم المهارات
وكسبها هو مشاهدة نموذج للأداء وممارسة هذا الأداء، وكلا الأمرين يتطلب الاستعانة
بوسائط الاتصال التعليمية. فتعلُّم مهارة السباحة مثلاً يمكن أن يتحقق عن طريق عرض
فيلم تعليمي متحرك عرضاً بطيئاً ليتمكن التلاميذ من متابعة مراحل تلك المهارة،
وتقليدها، وتلمُّس نواحي الضعف والقوة مما يساعد على استبعاد الحركات الخاطئة
وتدعيم الصحيح منها.
10
ـ تساهم في تكوين اتجاهات مرغوب فيها:
إن
تكوين الاتجاه المرغوب فيه وتغيير الاتجاه غير المرغوب فيه لا يتحقق بمجرد إلقاء
دروس على التلاميذ. حقيقة أن تكوين الاتجاهات يحتاج إلى المعلومات، ولكن ليست
المعلومات كل شيء، فالقدوة والممارسة في مواقف طبيعية مباشرة (سواء عن طريق العروض
العملية أو الرحلات أو النماذج أو العينات أو الأفلام) أجدى وأفعل.
ومن
أمثلة ذلك تعديل اتجاهات التلاميذ نحو العادات الصحيحة في المرور، والتغذية،
والعناية بالصحة، واحترام العمل اليدوي
… الخ. ومما يساعد على تحقيق ذلك التأثير
الوجداني الذي تتركه الوسائط في نفوس التلاميذ استخدام بعض أساليب الإخراج
كالتمثيل والموسيقى والمؤثرات الصوتية والخدع التصويرية
… وغيرها.
11 ـ تساهم في تنويع أساليب
التعزيز التي تؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة وتأكيد التعلم:
ولعل
أوضح مثال على ذلك استخدام بعض الوسائط التكنولوجية الحديثة مثل التعليم المبرمج،
والكمبيوتر المستخدم كمعلم خصوصي، وعن طريق هذه الوسائط يعرف المتعلم مباشرة الخطأ
أو الصواب في إجابته فور إبدائها، فيتم تعزيز الإجابة الصحيحة فوراً ويستمر في
تعلمه.
كذلك
الحال في معامل اللغات حيث يستمع التلميذ إلى التسجيل الصوتي لأدائه ويتعرف على
أخطائه في النطق وكيفية النطق الصحيح، وكذلك أيضاً عند استخدام أجهزة تعليم
اللغات، حيث يقارن المتعلم نطقه بنطق المدرس المسجّل على شريط صوتي.
12
ـ تساهم في تكوين وبناء مفاهيم سليمة:
تساهم
وسائط الاتصال التعليمية في تكوين التلاميذ للمفاهيم بصورة صحيحة. فعندما يسمع
الطفل مفهوم ساق النبات دون الاستعانة بأي وسيط يوضحها، قد تعني عنده كل جزء من
النبات يعلو سطح الأرض.
ولكن
عندما يبدأ المعلم بعرض نماذج متعددة وصوراً كثيرة وأفلاماً تعليمية توضح أنواع
سيقان النبات، فإن التلميذ يفهم أن هناك سوقاً أرضية وهوائية ومتسلقة ومتحورة.
ويؤدي توفير هذه الوسائط التعليمية المختلفة
إلى مساعدة المتعلم على اكتشاف أوجه الشبه والاختلاف بينها، وبالتالي ينمو المفهوم
السليم للسوق النباتية.
13
ـ تساهم في زيادة فهم وتفكير المتعلمين:
يتصل
المتعلم بعالم الأشياء والظواهر المحيطة به من ضغط وحرارة ورائحة ومذاق عن طريق
حواسه، ولا يفهم المتعلم الأشياء أو الحوادث أو الظواهر التي أمامه ما لم تُفسر
له.
ولتوضيح دور وسائط الاتصال التعليمية في عملية الفهم:
نعرض لتجربة
حدثت لشخص كانت تنقصه إحدى الحواس رواها كنجسلي(Kingsley)، وفيها أُجريت عملية جراحية لشخص وُلد أعمى،
وعندما بلغ الثامنة عشر أُجريت له عملية جراحية، فأبصر مجموعة غير متناسقة من
الأشكال والألوان والأضواء والظلال
… ولكن هل فهم شيئاً مما أبصر ؟
لم يفهم
شيئاً، والدليل على ذلك أن الطبيب أخذه نحو النافذة، وسأله إن كان يرى السور الذي
في الجانب المقابل للشارع، فأجاب: "لا يا سيدي" لأنه لم تكن لديه فهم
صحيح لمعنى السور من بين الأشكال المختلفة التي أبصرها.
أي أن
هذا الشاب الذي سمع كلمة سور مرات عديدة، لم يفهمها، لأن الفهم يتطلب الاعتماد على
خبرات سبق الإحساس بها، وبخاصة الخبرات البصرية.
ولتوضيح دور وسائط الاتصال التعليمية في عملية التفكير:
حدث أن
سأل تلميذ معلمه: "هذه الزهرة بها خيوط !! ما هذه الخيوط ؟" كان باستطاعة
المعلم أن يجيب التلميذ لفظياً مباشرة بأنها أعضاء التذكير والتأنيث المهمة في
عملية التلقيح وتكوين الثمار. هذه الإجابة تصدم التلميذ بمصطلحات لا قِبل له بها.
إنها تطفئ غالباً شغف المتعلم بالعلوم.
لكن
المعلم الناضج عمد إلى توجيه التلميذ إلى التفكير بأن يُمكّن المتعلم من تحديد
المشكلة بأن سأله: هل جميع الزهور بها مثل هذه الخيوط؟ فقال المتعلم: لا أعلم ..
فشجعه المعلم على جمع الأدلة ليتأكد من أن الزهور التي أمامه جميعاً بها خيوط.
وعندما تأكد للمتعلم ذلك سأله المعلم: إذاً لا بد أن لهذه الخيوط وظيفة، فكيف نعرف
فائدتها؟
واسترسل
المعلم موضحاً ـ ومُلمّحاً ـ أنه لو كانت لها فائدة فإنها تظهر عند قطع تلك الخيوط
من بعض الأزهار وتركها في أزهار أخرى، وملاحظة مدى وجود فارق بين هذه وتلك، ولو
كانت عديمة الفائدة لما ظهر فارق. وللتثبُّت من صحة أحد هذين الفرضين يمكنك القيام
بالتجربة السابقة. وعقب قيام التلميذ بالتجربة قبِل الفرض القائل بأن لهذه الخيوط
أهمية في إنتاج الثمار.
فكأن
التلميذ مر بخطوات التفكير العلمي، واعتمد على خبراته الحسية التي كانت لديه قبل
مواجهة المشكلة والتي جمعها في أثناء حلها، ومن خلال مروره بالخبرات المباشرة
والوسائط التي أتاحها المعلم له.
14
ـ تعمل على إشباع وتنمية ميول التلاميذ:
من خلال
وسائط الاتصال التعليمية يستطيع المعلم أن يوفر خبرات حية ومتعددة لتُشبع ميول
التلاميذ. ويمكن أن تساهم عروض الأفلام والرحلات التعليمية والتمثيليات الدرامية
في إشباع هذه الميول وتنميتها.
15
ـ تساهم في معالجة انخفاض المستوى العلمي والمهني لدى بعض المعلمين:
لوسائط
الاتصال التعليمية دور هام في علاج مشكلة انخفاض المستوى العلمي والمهني لدى بعض
المعلمين، خاصة إذا كانت هذه الوسائط مُصنّعة بواسطة أخصائيين تربويين في مجال
العلوم والتربية، كما أنه يمكن تقديم استراتيجيات حديثة في التدريس من خلال هذه
الوسائط وتدريب المعلمين على ممارستها (كما في برامج التعليم المصغّر مثلاً).
16
ـ تساهم في استغلال المتعلم لحواسه المختلفة:
فمن العيوب التي توجه للطريقة الشائعة
(التلقينية) في التدريس أنها لا تتيح الفرص للمتعلم استغلال سوى حاستي البصر
والسمع مع ما ينجم عن ذلك من قصور في التعلم، في حين أن هناك حواساً أخرى لا تقل ـ
بل في بعض الأحيان تزيد ـ عن هاتين الحاستين مثل حاسة اللمس وحاسة الشم وحاسة
الذوق. ففي الدروس العملية الكيميائية مثلاً تصبح هذه الحواس عظيمة الأهمية.
*********
|