تركناك يا مصر بين الصقيع
|
تمزق فيك ليالي الشتاء
|
وبين العواصف جسم نحيل
|
يذوب وتبكي عليها السماء
|
ووجهك يحنو علينا اشتياقا
|
يلملم عنا الأسى والشقاء
|
وثغرك يضحك بين الجراح
|
وفوق الظلام يشع الضياء
|
وخلف الجفون بقايا دموع
|
تثور فينهرها الكبرياء
|
وبرد الشتاء يسوق الحيارى
|
صفوفا لتسكن بيت العراء
|
* * *
|
يود الصغار بقايا رغيف
|
وكان الزمان بخيل العطاء
|
تركناك للفقر دهرا طويلا
|
وضاعت دماؤك فوق النساء
|
وبين الجماجم عطر الغواني
|
وكأس وشيخ يلوك الدماء
|
وما للعروبة لوم علينا
|
إذا ما سئمنا طبول الإخاء
|
* * *
|
رأيتك يا مصر جسما نحيلا
|
فأين الجمال وأين البهاء؟
|
وأين ثيابك عند الربيع
|
وأين عبيرك ملء الفضاء؟
|
سلبناك كل الذي تملكين
|
سرقنا النذور قتلنا الحياء
|
ظلمناك دهرا تركناك نهبا
|
لليل السجون وذل الغباء
|
* * *
|
فيا قبلة لم تزل في الحنايا
|
تحج إليها المنى والرجاء
|
ويا زهرة عانقتنا رؤاها
|
ومنها رأينا الأسى والعزاء
|
ويا حب عمر عشقناه عشقا
|
بكل الخطايا وكل النقاء
|
فأنت التي إن رمانا الظلام
|
رأينا بثغرك فجر الضياء
|
فهيا لعطرك لا تهجريه
|
فغدا من عبيرك تصحو السماء
|
* * *
|
إلينا تعالي فأنت الحنان
|
إذا مات فينا زمان الوفاء
|
إلينا تعالي فأنت الأمان
|
إذا صارت الأرض للأشقياء
|
فيا دمعة أحرقت مقلتيا
|
ومنها سلكت دروب البكاء
|
ويا حزن عمري ويا كأس فرحي
|
إذا عز في العمر يوم الصفاء
|
سيبقى جمالك رغم الخريف
|
ورغم الرياح ورغم الشتاء
|
* * *
|
سنرعى أمانيك من ذا سيفدي
|
أمانيك يوما سوى الأوفياء؟
|
سنروي ربيعك رغم الصقيع
|
عبير الحنايا وعطر الدماء
|
وشعبك يا مصر درع الزمان
|
فلا تسألي غيره في البناء
|
ولا تبكي حزنا على ما وهبت
|
ولا تنظري حسرة للوراء
|
فهيا اضحكي مثلما كنت دوما
|
فإنك في الأرض سر البقاء
|
أسأنا إليك قسونا عليك
|
فهل تصفحين بحق السماء؟ |