أماه..
|
لا تخجلي مني أتيتك عاريا
|
سرقوا ثيابي.. في الطريق
|
أنا لم أعد طفلا
|
لألقي بعض عريي في يديك.. وتضحكين
|
أنا لم اعد طفلا
|
فأسبح بين أخطائي وأنت تسامحين..
|
لا تخجلي مني أتيتك عاريا
|
أخفي عن الطرقات نفسي
|
عن الأيام.. ما لا تعلمين
|
لا تخجلي مني فعريي.. بعض عريك
|
آه يا أماه ما أقسى زماني
|
صارت الأثواب من وحل.. وطين
|
* * *
|
منذ افترقنا والقطار يدور بي عاما.. فعام..
|
آه لو تدرين كم عصفت بأيامي محطات القطار
|
كم دارت الأيام يا أمي
|
وزيف الليل يحملنا إلى دجل النهار
|
أماه أتعبني الدوار
|
والآن جئتك والقطار يلمني بعض البقايا
|
وثيابنا سرقت وعدنا مثلما كنا.. عرايا
|
منذ افترقنا والقطار يدور بي عاما.. فعام
|
عشر فعشر.. ثم عشر ضائعات
|
ما زلت أذكر عندما انطلقت وراء الأفق
|
أصوات تبشر.. عاد عهد المعجزات
|
قالوا وقالوا يومها...
|
قالوا بأن القهر يقتل في النفوس عفافها
|
والناس تسجنها البطون
|
صاحت جموع الناس(فلتحيا البطون)
|
قالوا بأن الصبح حق لا يضيع
|
والأرض ملك للجميع
|
صاحت جموع الناس(فليحيا الجميع)
|
قالوا خراب الأرض في أبناءها
|
والله وحد بيننا في الرزق في الأنساب
|
في صمت القبور..
|
صاحت جموع الناس(فلتحيا القبور)
|
قالوا لنا.. قالوا الكثير
|
بين الحدائق كانت الأشجار تعلو
|
مثل ضحكات الصغار
|
والحلم بين ملاعب الأطفال يلهو كالنهار
|
* * *
|
سألوا علينا في القطار...
|
أعمارنا.. أخطاءنا..
|
وصلاتنا.. وصيامنا
|
سألوا علينا الماء كيف يكون ملمس جلدنا؟
|
سألوا علينا الطين كيف يكون عمق قبورنا؟
|
فحصوا مع الخبراء نبض عقولنا
|
سألوا علينا الليل كيف نهيم في أحلامنا؟
|
سألوا علينا الصمت كيف يكون دفء نساءنا؟
|
سألوا علينا.. كيف نبكي.. كيف نضحك؟
|
كيف نصرخ.. كيف ننسى حزننا؟
|
لقد استباحوا سرنا
|
لم يتركوا شيئا لنا..
|
* * *
|
ومضى القطار..
|
يوما فيوما.. والقطار يدور بي.. عاما فعام
|
وإذا نطقت.. همست شيئا.. أو عطست
|
يقال دعك من الكلام
|
في كل يوم ألمح الأشلاء قبرا
|
تحت قضبان القطار
|
والبعض منا يختفي..
|
وإذا سألت يقال مات
|
وليس في الموت اختيار
|
صوت القطار يدور في عجلاته
|
وصفيره يعلو.. ويعلو.. حولنا
|
من مات مات.. من مات مات
|
من مات مات.. من مات مات
|
* * *
|
حملوا البنادق ذات يوم
|
خلف أستار الظلام
|
ورأيتهم كالنار تحرق كل أسراب الحمام
|
وذئابهم تعوي وأشلاء من الأشجار
|
و الأزهار تصرخ كالحطام..
|
أبراج قريتنا رأيت ترابها
|
يعلو.. ويعلو.. ثم يسقط في الزحام..
|
وسألتهم ما ذنب أسراب الحمام؟
|
قالوا قضاء الله لا تسأل
|
ولا تسمع-حقير الشأن-سفسطة العوام
|
ونظرت حولي في القطار
|
طارت عيون الناس خوفا
|
خلف أشلاء الحمام
|
وقطارنا يمضي على نفس الطريق
|
وصفيره يعلو.. ويعلو حولنا
|
من مات مات.. من مات مات
|
من مات مات.. من مات مات
|
* * *
|
حملوا البنادق ذات يوم
|
خلف أطفال صغار..
|
قطعوا أصابعهم وطارت في السماء ثيابهم
|
وهوت بقايا في التراب
|
يتساقط الأطفال في الأوحال
|
في البرك الصغيرة.. كالذباب
|
وسألتهم ما ذنب أطفال صغار
|
فأتى إلي الصوت يصرخ بالجواب
|
هل ينجب الذئب الحقير سوى الذئاب؟
|
لا تتركوا الأشجار تكبر
|
واقطعوها قبل أن تعلو الرقاب
|
وقطارنا يمضي على نفس الطريق
|
وصفيره يعلو.. ويعلو حولنا
|
من مات مات.. من مات مات
|
من مات مات.. من مات مات
|
* * *
|
ومضى القطار..
|
والعمر يدفن بعضه بعضا..
|
عشر حيارى ثم عشر للأسى
|
وختامها عشر الأماني الضائعات
|
العمر أصبح بين أيدينا بقايا من رفات
|
ونظرت حولي..
|
لم أجد أحدا يبادلني الكلام
|
فالناس ماتوا.. أو أصيبوا بالجنون
|
وسألت نفسي أين نحن.. ومن نكون؟
|
ومضيت أصرخ في القطار
|
الجنة الخضراء.. والفقراء والجوعى
|
وحلم الأمس.. صيحات البطون
|
الناس حولي يضحكون
|
ورأيت أعينهم كبركان يحاصرني
|
ويكبر ثم يكبر.. يحتويني
|
ثم يحملني الدوار..
|
وتداخلت في العين ألوان الصور..
|
النمل يعبث في ثيابي..
|
والدماء تسيل من رأسي
|
وأفواج الذباب تحيطني
|
والناس حولي يضحكون
|
ألقيت نفسي فوق قضبان القطار
|
ومضيت أصرخ كيف ضاع العمر في هذا الدمار
|
جثث الضحايا والأماني الضائعات
|
على دروب الانتظار..
|
والجنة الخضراء.. والأحلام الجوعى
|
وصيحات البطون..
|
والناس حولي يضحكون..
|
ومضيت أجمع بعض أشلائي وأوقف في القطار..
|
ما زال يجذبني القطار..
|
وتجمعوا حولي وصاحوا:
|
ضل عن دين الفريق
|
خلعوا ثيابي.. أحرقوها في الطريق
|
ورأيت نفسي عاريا..
|
وأخذت أجمع بين ضحك الناس
|
أشلائي.. وهم يتساءلون:
|
قد كان يوما عاقلا..
|
ومضيت يا أماه أجري.. ثم أجري
|
ثم أصرخ في جنون
|
فلقد نسيت الاسم والعنوان يا أمي
|
تراني.. من أكون؟
|
سرقوا ثيابي.. أحرقوها
|
ثم راحوا يضحكون
|
ورجعت وحدي بالجنون
|
رجعت وحدي بالجنون |