درس في الرسم
************
يضع ابني علبة ألونه أمامي ويطلب
مني أن أرسم له عصفورا .. أغط الفرشاة باللون
الرمادي و أرسم له مربعا عليه قفل ..
وقضبان يقول لي ابني ، و الدهشة تملأ عينيه
: " .. ولكن هذا سجن .. ألا تعرف يا أبي كيف
ترسم عصفورا ؟ ؟ " أقول له : يا ولدي .. لا
تؤاخذني قد نسيت شكل العصافير ... يضع ابني
علبة أقلامه أمامي ويطلب مني أن أرسم له بحرا
.. آخذ قلم الرصاص ، و أرسم له دائرة سوداء
.. يقول ابني : " ولكن هذه دائرة سوداء ، يا
أبي .. ألا تعرف أن ترسم بحرا ؟ ثم ألا تعرف
أن لون البحر أزرق؟.." أقول له يا ولدي
: كنت في زماني شاطرا في رسم البحار أما
اليوم ..فقد أخذوا مني الصنارة و قارب
الصيد ومنعوني من الحوار مع اللون الأزرق و
اصطياد سمك الحرية يضع ابني كراسة الرسم أمامي
.. ويطلب مني أن أرسم له سنبلة قمح أمسك
القلم .. **** و أرسم له مسدسا .. يسخر من
جهلي في فن الرسم ويقول مستغربا : " ألا
تعرف يا أبي الفرق بين السنبلة .. و المسدس ؟
" أقول له يا ولدي .. كنت أعرف في الماضي
شكل السنبلة و شكل الرغيف وشكل
الوردة أما في هذا الزمن المعدني الذي انضمت
فيه أشجار الغابة إلى رجال الميلشيات و
أصبحت فيه الوردة تلبس الملابس المرقطة .. في
زمن السنابل المسلحة و الثقافة المسلحة .. و
الديانة المسلحة فلا رغيف أشتريه إلا و أجد
في داخله مسدسا و لا وردة أقطفها من الحقل
إلا وترفع سلاحها في وجهي و لا كتاب أشتريه
من المكتبة إلا و يتفجر بين أصابعي ... يجلس
ابني على طرف سريري ويطلب مني أن أسمعه قصيدة
تسقط مني دمعة على الوسادة فيلتقطها مذهولا
.. و يقول : " ولكن هذه دمعة ، يا أبي ، وليست
قصيدة " أقول له : عندما تكبر يا ولدي
.. وتقرأ ديوان الشعر العربي سوف تعرف أن
الكلمة و الدمعة شقيقتان و أن القصيدة العربية
.. ليست سوى دمعة نخرج من بين الأصابع
.. يضع ابني أقلامه ، وعلبة ألوانه أمامي
ويطلب مني أن أرسم له وطنا تهتز الفرشاة في
يدي .. و أسقط باكياً .. |