العقد الفردي.. ومشاكل التعليم المزمنة
تظل أزمة الدروس الخصوصية
هاجسا أساسيا في كل منزل بعد أن أصبحت شرا لابد منه والتعايش معه بارادتنا
أو رغما عنا. والدروس الخصوصية في تصوري هي عرض لمرض اساسي يخص مشكلة
التعليم في مصر والمرتب الهزيل للمدرس والفصول المكدسة بعشرات التلاميذ
والنقص الحاد في الابنية التعليمية رغم كل ما بني من مدارس جديدة علي
أمتداد السنوات العشر الأخيرة.
كل هذا ليس سرا نكتشفه للمرة الأولي لكنه واقع يعلمه الجميع وهناك مئات
الابحاث والمقالات والتحقيقات ناقشت القضية بكل ابعادها وتفاصيلها ولكننا
حتي الآن نعاني الأزمة ونعيشها ولانجد مخرجا منها في المستقبل المنظور.
في تصوري أنه لكي نستطيع الخروج من هذه الأزمة فلابد من توفير الاعتمادات
والموارد المالية الكافية لتحسين أحوال المعلم وزرع المزيد من المدارس
الجديدة ولن نقول تجريم الدروس الخصوصية لأن المجتمعات المتخلفة هي التي
دائما ترفع سلاح التجريم والعقاب في كل صغيرة وكبيرة ولاتبحث عن أسباب
الأزمة لتزيلها.
وحتي لاينزعج البعض من عدم دعوتي إلي تجريم الدروس فانني أقترح صيغة جديدة
للتعاقد بين المدرس والتربية والتعليم خاصة بعد أن انتهي التعيين الاجباري
لخريجي كليات التربية, وأصبح التعيين الآن بمسابقة لمن يرغب ويمتلك
الشروط والمقومات... ويمكن ان يستتبع ذلك صيغة جديدة للتعاقد تقوم علي
نظام العقد وفيه يلتزم المدرس بشروط ونصوص العقد والتي لابد أن يكون أهمها
عدم اعطاء الدروس الخصوصية أو الاقتراب منها فإن فعل فسخ العقد تلقائيا
ويتم تعيين آخر بدلا منه وليذهب هو ليعطي من الدروس ما يشاء بعيدا عن
التلاميذ والفصول ودرجات أعمال السنة.
في المقابل لابد أن نبحث عن صيغة متوازنة لزيادة موارد التربية والتعليم
لكي تعطي مرتبا مجزيا للمدرس وحتي يمكنها نشر المزيد من المدارس لتقليل
كثافة الفصول وهناك طرق كثيرة ومتنوعة لزيادة الموارد أبرزها الطريقة
المباشرة في رفع الرسوم الدارسية للقادرين ولايستثني من الزيادة إلا غير
القادرين ولايعقل أن يدفع ولي الأمر ارقاما فلكية للدروس الخصوصية, وعند
دفع الرسوم المدرسية يختلق الاعذار للتهرب منها.
والحديث عن زيادة الرسوم لايعني الغاء المجانية فهي حق لغير القادرين لابد
من المحافظة عليه دائما وأبدا حتي لانحرم أحدا من هذا الحق لكننا نتحدث عن
القادرين ودروهم في المساهمة في الارتقاء بالتعليم وفي ذات الوقت التوفير
من تلك المبالغ الطائلة التي يدفعونها للدروس الخصوصية مقابل زيادة معقولة
وتقنية في الرسوم المدرسية.. أما غير القادرين فانه يكتفي في حالتهم
بتقديم بحث اجتماعي يوضح مصادر دخل الأسرة وبالتالي يصبح من حق ابنائهم
التلاميذ التعليم المجاني مثلهم مثل غيرهم من القادرين.
أما المدارس الخاصة فلماذا لايفرض علي كل تلميذ مبلغ رمزي لصالح تطوير
العملية التعليمية ليساهم هؤلاء أيضا في تطوير نظام التعليم وفي المقابل
لابد أن تقوم الوزارة بتعميق الاشراف الفني علي هذه المدارس لكي تواكب أحدث
وسائل التطور العلمي والتكنولوجي.
أن أسوأ ما يواجه أمة هو دفن رأسها في الرمال وأن تلجأ إلي التأجيل
والتسويف في مواجهة أزماتها... أما معالجة الازمات بشكل سريع ومتكامل فهو
المخرج الطبيعي لحل المشكلات حتي لو كانت مستعصية أو مزمنة, ونحن نتفهم
حرص الحكومة علي عدم المساس بمجانية التعليم ونحن أيضا نشاركها في ذلك
لكننا أكثر حرصا علي تطوير التعليم وحل أزماته لأنه هو الباب الوحيد لتقدم
مصر في الألفية الثالثة بشرط أن يكون تعليما عصريا متطورا متكاملا يؤدي في
النهاية إلي خريجين اكفاء وعلماء بارزين في مختلف التخصصات. |