|
|
تفضل بزيارة منتدى الموقع في حلته الجديد من هنا
|
موضوع الدراسة : المكتبات الرقمية وبعض القضايا الفكرية |
الكاتب أو الناشر: عبد المجيد بو عزة |
المكتبات الرقمية وبعض القضايا الفكرية
المقدمة و خلفيتها: يمثل ظهور المكتبات الرقمية منعطفًا مهمًّا في تاريخ بث المعرفة والوصول إليها. فبعد أن كان نقل المعرفة وبثها يعتمد علـى أوعيـــــة ماديــــة مثــل الألــواح الطينيــة والبـــردي والجلد والورق
الذي استخدم في البداية لتسجيل المخطوطات ثم لإيواء الكتاب المطبوع في منتصف القرن الخامس عشر، تغيرت الأمور فأصبحت الأوعية الرقمية تسهم بشكل كبير في إتاحة المعرفة ونشرها واستخدامها على نطاق واسع ، خاصة بعد انتشار شبكة الإنترنت في التسعينيات. توفر المكتبات الرقمية مزيتين أو بالأحرى فإنها تزيل عقبتين مهمتين وهما: - الفصل بشكل أساس بين المحتوى (المعلومات) والوعاء الحاوي له بعد أن كانا لمدة طويلة متلازمين و مترابطين ارتباطًا عضويًا فيما بينهما. - إحداث تغيرات في نظام العلاقات التي كانت سائدة بين المركز (المكان الذي توجد فيه المعلومات ) والطرف (المستفيد)، وهو ما جعل مفاهيم الوقت والمكان تبدو نسبية وذلك بسبب الارتباط القوي الموجود بين المعلومات الرقمية وبنية الاتصالات. وتعد الإنترنت خير وسيلة للدلالة على تلك التحولات الكبرى، فهي قد جعلت المستفيد العادي قادرًا على التحكم في برمجيات قد تكون معقدة مثل تلك التي تستخدم للملاحة في شبكة الويب وتبسيط عملية الاشتراك التي تسمح للمستفيد بالارتباط بالشبكة. وتعتبر كل هذه التطورات ماجستير في علم المكتبات والمعلومات من جامعة مونتريال بكندا. - دكتوراه في علم المكتبات والمعلومات من جامعة بتسبرج بأمريكا. - يعمل الآن أستاذًا مشاركًا بجامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. إنجازات إيجابية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستخدمة، وفي انتشارها بين جمهور كبير من المستفيدين وتبنيهم لها. وتقود تلك التطورات الباحث إلى مقاربة عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق. مفهوم المكتبة الرقمية: يزخر الإنتاج الفكري لعلم المعلومات بالعديد من التعريفات لمفهوم "المكتبة الرقمية". و قد ناقشت بروجمان Borgman بحصافة هذه التعريفات في العدد الذي خصصته مجلة Information Processing & Management لهذا الموضوع خلال عام 1999م. و قدمت بروجمان التعريف التالي لهذا المفهوم موضحة فيه أن "المكتبات الرقمية هي مجموعة من المصادر الإلكترونية و الإمكانات الفنية ذات العلاقة بإنتاج المعلومات، و البحث عنها و استخدامها...و بذلك فإن المكتبات الرقمية هي امتداد و دعم لنظم خزن المعلومات و استرجاعها التي تدير المعلومات الرقمية بغض النظر عن الوعاء سواء كان نصيًا أو صوتيًا أو في شكل صور بنوعيها الثابت و غير الثابت، و تكون متاحة على شبكة موزعة". (Borgman, 1999). و تتميز المكتبات الرقمية ببعض المزايا المهمة، و تتضمن في نفس الوقت بعض العيوب، وهو ما يتضح من خلال الجدول التالي: الجدول رقم (1): الفوارق الموجودة بين المكتبات التقليدية و المكتبات الرقمية.(Fox and Urs, 2002)
تطور المكتبات الرقمية: غالبًا ما يعتقد عامة الناس أن المكتبات الرقمية هي من إفرازات شبكة الويب، و واقع الحال أن جذور كل من المكتبات الرقمية و شبكة الويب تمتد إلى الأربعينيات و الخمسينيات من القرن العشرين. و من مشروعات المكتبات الرقمية التي سبقت ظهور الويب تجدر الإشارة إلى مشروع Carnegie Mellon University’s Project Mercury (1989-1992) ومشروع (1993-1995) TULIP و مشروع The Chemistry Online Retrieval Experiment (CORE) و غيرها. و يمكن تحديد مرحلتين أساسيتين في تاريخ المكتبات الرقمية هما: المرحلة الأولى: أسهمت بعض المؤسسات مثل مؤسسة العلوم القومية (NSF)، و وكالة ناسا (NASA) بشكل فاعل في تمويل مشروعات بحث رائدة في بداية التسعينيات و أواسطها كان لها الفضل في: - توضيح المفاهيم ذات الصلة بالمكتبات الرقمية و تقديم تعريفات لها. - إثارة الاهتمام العام بخصوص وعود تقنيات المكتبات الرقمية و إمكاناتها. - إحراز تقدم في مجال تصميم التفاعل أثناء البحث فيما يتعلق بمواد مختلفة للمكتبات الرقمية. - جمع جماعات مهنية مختلفة تنتمي إلى تخصصات مختلفة تتراوح بين الإنسانيات و العلوم الاجتماعية و الهندسة. - تحفيز البحث المتعلق بالمكتبات الرقمية. و قد أدت هذه المرحلة إلى تحقيق تقدم في مجال الحركة المكتبية الرقمية (Digital Librarianship) و أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية و صانعي السياسة و الجمهور عامة بالموضوع. كما أن هذه المرحلة أفضت إلى ظهور مبادرات ذات العلاقة بالمكتبات الرقمية مثل برنامج المكتبة الإلكترونية (ELINOR Electronic Library Programme) و برنامج المكتبة الإلكترونية (elib.Programme) في المملكة المتحدة و المبادرات الأسترالية المتعلقة بالمكتبات الرقمية (The Australian Digital Library Initiatives) و المبادرة الكندية حول المكتبة الرقمية (The Canadian Initiative on Digital Libraries). المرحلة الثانية: أدى النجاح الذي تحقق في المرحلة الأولى إلى ظهور المرحلة الثانية التي جاءت داعمة للمرحلة التي سبقتها. و تمثل هذا الدعم فيما يلي: - تغطية أوعية مختلفة تشمل الأشرطة الصوتية و الموسيقى والبيانات الاقتصادية والبرمجيات والفيديو والمواد النصية. - تنويع المحتوى ليشمل مواد النماذج الأنتربولوجية (anthropological models) و الصور و المخطوطات الأدبية و سجلات المرضى. - استكشاف قضايا تكنولوجية جديدة مثل أمن المعلومات و التصنيف الآلي و مصدر المعلومات. - تظافر الجهود نتيجة لارتفاع عدد الوكالات الممولة لمشاريع المكتبات الرقمية و تنوعها(Fox and Urs, 2002) . أهداف الدراسة: تركز هذه الدراسة على الانعكاسات الثقافية التي أفرزتها المكتبات الرقمية و التي سيتم تناولها في شكل مباحث. و تسعى الدراسة بالتحديد إلى توفير عناصر أجوبة لأسئلة البحث التالية: - هل أن ظهور المكتبات الرقمية يعتبر مجرد نقلة تكنولوجية أم أنه جاء استجابة لحاجة اجتماعية؟ - ما القيمة العلمية للأوعية الرقمية؟ - و هل أن بعض القيم ذات العلاقة الوثيقة بالمطبوع ستختفي أم أنها ستشهد تعديلات ؟ - ثم هل أن هذه التغيرات قد أفرزت قيما جديدة ؟ - هل يمكن إخضاع المعلومات الرقمية للرقابة؟ - ما تأثير المنشورات الرقمية على تغيير نظام الاتصال العلمي؟ - هل أن خدمات شبكة الإنترنت مثل البريد الإلكتروني ومجموعات الأخبار والنقاش ستساعد على حل مشكلة إتاحة الإنتاج الفكري الرمادي؟ - ما القضايا التي تثيرها مسألة حقوق التأليف في عالم الرقمنة وما الأطراف المعنية بهذه القضايا؟ - وهل يمكن اعتبار المكتبات الرقمية عصا سحرية؟ أم أنها محاطة بجملة من الأوهام. المبحث الأول: المكتبات الرقمية استجابة للاحتياجات التعليمية المتزايدة: شهد قطاع التعليم تطورات وتحولات كثيرة في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء وإن كانت بنسب متفاوتة. و من هذه التطورات انتشار التعليم ليشمل كل الشرائح الاجتماعية، ودعم البرامج التعليمية، وظهور تخصصات جديدة تدرس لأول مرة، والتمديد في المدد الدراسية، وشعور الطلبة بالحاجة للحصول على أكثر من شهادة. وقد أدت كل هذه المتغيرات فضلاً عن الصعوبات الاقتصادية إلى شعور كثير من الدول بضرورة إعادة النظر في نظم التعليم التي كانت تتبعها. فقد تبين أنه لا يمكن مضاعفة عدد المدرسين إلى ما لا نهاية له. وبدأ يتضح أن التحولات التي نشهدها والتي ستتبلور أكثر في المستقبل ستكون ذات طابع بيداغوجي وتكنولوجي واقتصادي. وعليه، سيتعرض اقتصاد المعرفة الذي يضمن الإعداد الأساس والإعداد المتقدم والتعليم المستمر والبحث إلى تغيرات عميقة. ونتيجة لذلك سيتم تبني طرق وأساليب جديدة للتعليم تعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة. تتوافر في الوقت الحاضر في السوق العديد من البرمجيات التعليمية ذات العلاقة بتخصصات ومجالات معرفية متنوعة تستهدف مستويات تعليمية مختلفة تبدأ برياض الأطفال وصولاً إلى التعليم العالي. و تقدم هذه البرمجيات التفاعلية معرفة جديدة مع إمكانية التأكد من مدى اكتسابها من قبل المتعلم. وهي تعتمد أسلوبًا يمكن الطالب من التدرج في اكتساب المعارف وفقًا لنسقه الفردي. وبالرغم من أن الجزء الأكبر من هذه البرمجيات يتوجه إلى صغار المتعلمين أي إلى الأطفال، فإن هناك عدداً كبيراً من الجامعات قامت بتسجيل محاضرات أساتذتها المرموقين على أشرطة الفيديو أو على الأقراص المدمجة. ويبقى استخدام هذه المحاضرات محدودًا. ويمكن في هذا المجال أن تقوم المكتبات الرقمية بدور مهم في التعريف بها ورقمنتها وإتاحتها للاستخدام عن طريق مواقعها على الإنترنت. كما بإمكان هذه المكتبات أن تقوم بدور مماثل بالنسبة للبرمجيات التعليمية الأخرى وبخاصة التفاعلية منها. ومن ناحية أخرى فقد بدأت بعض الجامعات توفر فرصًا للتعليم عن بعد ( Distance learning ) في عدد كبير من التخصصات وذلك بعد تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اللازمة لذلك مثل الأقمار الاصطناعية والكاميرات الرقمية Digital camera، والنظم مثل Webct التي تسمح بتوفير مادة المقرر و إمكانية التفاعل بين الأستاذ والطالب، وبتنظيم الاختبارات وتصحيحها، وبتمكين الطالب من طرح أسئلته والحصول على إجابات عنها من أستاذ المقرر عن طريق الخط المباشر. و يشهد هذا النوع من التعليم توسعًا ويلاقي رواجًا لما توفره شبكة الإنترنت من مزايا في مجال الاتصال مثل السرعة وانخفاض التكلفة. وبناء على ذلك أصبح بإمكان طالب تونسي أن يحصل على شهادة الماجستير في علم اللغة linguistics من إحدى الجامعات البريطانية دون الحاجة إلى السفر إلى لندن ولو مرة واحدة. و بإمكان المكتبات الرقمية أن تؤدي دوراً مهمًّا في هذا المجال بإعداد الأدلة المتعلقة بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي التي تتيح إمكانية التعلم عن بعد، والتخصصات التي يشملها التعليم عن بعد والشهادات التي تمنحها، وغيرها من المعلومات المهمة بالنسبة للمهتمين بهذا النوع من التعليم. يوجد إلى جانب التعليم عن بعد نوع آخر من التعليم يعرف بالجامعات المفتوحة (Open University). وقد رأت بعض دور النشر في الجامعات المفتــوحة فــرصــــــة لتحقيق الأربـــاح، من ذلك أن دار إلزفير للنشر Elseiver تعرض وثائق رقمية للإعــداد الجــــامعـــي مثــــــل OPAL (OpenPrograms for Associative Learning). ويهدف برنامج OPAL إلى إعداد أطباء ومختصين في علم الأحياء. وبديهي أنه توجد سوق تجارية مهمة للتعليم بواسطة الحاسوب. ويفترض أن تصبح مثل هذه الوحدات التدريسية متاحة بأعداد كبيرة بالمكتبات الافتراضيـة. المبحث الثاني: القيمة العلمية للأوعية الإلكترونية :ترتبط بالمنشورات العلمية الورقية مجموعة من القيم أهمها: - إضفاء الشرعية والسبق في مجال الاكتشافات والاختراعات. - الحصول على منح بحث خاصة عندما يكون الباحث ينتمي إلى مؤسسة أكاديمية أو علمية مرموقة ( جامعات ومراكز أبحاث ). - حصول الباحث على الاعتراف الاجتماعي. - حصول المؤسسة على الاعتراف الاجتماعي والعلمي. و يتضح مما سبق أن المنشورات العملية (كتابًا أو مقالاً) تنطوي على قيم تتجاوز مجرد نشر المعرفة، فالمبدأ السائد في بلد رائد في مجال البحث العلمي مثل الولايات المتحدة هو "انشر أو اندثر" ( Publish or perish ).وعليه، فإن حصول الباحث على ترقية أو تعيين في وظيفة معينة أو منحة بحث أصبح يتوقف على عدد مشروعات البحث المنجزة. و لم يعد بذلك نشر الأبحاث العلمية عملية محايدة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. ويرجع الفضل في سيادة هذه القيم إلى وضع معايير تسمح باعتراف الجميع بالدوريات والناشرين. وبناء على ذلك أصبحت الدوريات ترتب من حيث الاعتراف بقيمتها وفقًا للسمعة التي تحظى بها في الأوساط العلمية والأكاديمية، ولكونها محكمة أو غير محكمة ،ولتغطيتها أو عدم تغطيتهــــا مـــن قبـــل كشاف الاستشهادات العلمية ( Science Citation Index ). وفي هذا السياق يطرح السؤال التالي نفسه: هل أن القيم والمعايير التي وضعت للمنشورات العلمية المطبوعة تبقى صالحة للمنشورات الإلكترونية ؟ وعليه، هل أن اختراعًا مهمًّا ورد في إحدى الدوريات الإلكترونية ولا نظير له في إحدى المجلات الورقية سيحظى بالاعتراف وسيمنح براءة اختراع ؟ هل أن المنشورات العلمية الإلكترونية ستؤخذ بعين الاعتبار عندما يتقدم الباحث إلى ترقية أكاديمية؟ إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تمثل مهمة صعبة، ولكن يمكن القول إن المنشورات الإلكترونية ستحظى بالاعتراف والتقدير وستصبح على قدم المساواة مع المنشورات الورقية إذا ما استوفت الشروط التالية: الشرط الأول: وضع تاريخ للمطبوع الإلكتروني وتحديد مسؤولية التأليف: لا يتضمن كثير من المنشورات الإلكترونية تاريخًا، ففي معظم الأحيان لا تحتوي الوثيقة الإلكترونية المتاحة على الخط المباشر سوى على التاريخ الذي رجع فيه المستفيد إليها. كما أن اسم المؤلف قد لا يظهر في الوثيقة نفسها، باعتبار أنها ملحقة بالصفحة الدليلية للمؤلف ( The author’s home page ).ونتيجة لذلك يمكن أن يختفي اسم المؤلف بعد مدة زمنية من استخدام الوثيقة. الشرط الثاني: تبني المنشورات الإلكترونية من قبل ناشرين : يمثل تبني الوثيقة الإلكترونية من قبل ناشرين خطوة مهمة في طريق الاعتراف بها في الوسط العلمي والأكاديمي. ويعتبر الناشر بحكم خبرته مصفاة ضرورية لغربلة المطبوعات والحكم على قيمتها العلمية. كما أن الناشر يتبع سياسة معينة فيما يتعلق بالأسلوب والإخراج لجعل قراءة النص في متناول الجمهور المستهدف. و تمثل كل هذه العوامل ضمانًا للنهوض بالمنشورات الإلكترونية، وهو ما يسهم بشكل فاعل في تقدم العلم وتمكين الباحث نفسه من الاستفادة من منشوراته الإلكترونية في مجالات الترقية الأكاديمية والاعتراف بإسهاماته العلمية. الشرط الثالث: خضوع مقالات الدوريات الإلكترونية للتحكيم : إن خضوع مقالات الدوريات الإلكترونية للتحكيم، أي للتقييم من قبل خبراء مختصــين في المجال ( Reviewers ) للتحقق من قيمـتها العلمـية والإضافـة العلميـة التي تقدمـها، وصـدق (Validity) أساليب الضبط في حالة البحوث التجريبية، ونوعية الفرضيات، و غير ذلك يكتسي أهمية في هذا المجال. ويعتبر التحكيم أداة ضرورية لغربلة المقالات ولتمييز ما له قيمة علمية مما له قيمة علمية محدودة، وإن يبدو في بعض الأحيان تعسفيًا؛ لأنه قد يؤدي في بعض الحالات إلى استبعــاد مقــالات قيمة لسبب أو لآخر. وبالرغم من النقائص التي يعاني منها تحكيم الأعمال العلمية إلا أنه يبقى شرطًا أساسًا للاعتراف بالمنشورات الإلكترونية ومساواتها بالأعمال المطبوعة. الشرط الرابع: أرشفة الأعمال الإلكترونية في مكان محايد: إن حفظ المنشورات الإلكترونية في مكان محايـد مستقل عـن المؤلفـين والمؤسسات التي يتبعـونها (جامعات، مراكز أبحاث خاصة أو حكومية و غيره ) والناشرين يعتبر أمراً ضروريًا لتفادي المخالفات العلمية أو التجارية أو القضائية. ويلاحظ المتتبع للتطورات التي تشهدها الإنترنت كثيرًا من المواقع وصفحات الويب التي تتغير يوميًا دون الإشارة إلى تاريخ ولا إلى النسخ السابقة. وتبعًا لذلك فمن الممكن أن تتغير المعلومات التي يتضمنها نص الوثيقة في مستوى الخطأ والصواب من يوم إلى آخر. ويكمن الحل لهذه المشكلة في إيداع الوثائق الإلكترونية بالمكتبات الوطنية لحمايتها من التحريف وجعلها تحظى بحقوق الملكية الفكرية. الشرط الخامس: إتاحة الوثائق الإلكترونية للاستخدام: وحتى تتمتع الأعمال الإلكترونية بنفس القيمة التي تحظى بها الوثائق المطبوعة، يجب أن تكون متاحة للاستخدام، أي أن يكون المستفيد قادرًا على الوصول إليها بسهولة ودون حواجز مستعصية. وبديهي أن تيسير سبل وصول المستفيد إلى الوثائق الإلكترونية قد يتصادم مع حقوق التأليف والنشر التي يتمتع بها كل من المؤلف والناشر. ويجدر التنويه في هذا السياق بضرورة أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار وبكل جدية حتى ترقى الأعمال الإلكترونية إلى مستوى الأعمال المطبوعة. الشرط السادس:الوحدة العلمية للأعمال الإلكترونية: تتمتع الأعمال المطبوعة بتقاليد راسخة أضفت عليها بعض الخصائص الكفيلة بضمان وحدتها في مستوى المضمون في الزمان (باستثناء شيء واحد له علاقة بعمر تلك الوثائق) والمكان (لا يؤثر على نقل وعاء مكتوب من مكان إلى آخر في شيء من نصه ومحتواه). كما أن بإمكان المستفيد أن يرجع إلى تلك الوثائق في أي وقت يشاء؛ لأنها مودعة بالمكتبات ومراكز المعلومات بمختلف أنواعها وفئاتها. وإذا ما أخذنا كل هذه الجوانب بعين الاعتبار نجد أن الوثائق الإلكترونية لا تقدم ولا تتمتع بضمانات كافية فيما يتعلق بوحدتها. و فيما يتعلق بالضبط الببليوغرافي، نلاحظ أن الببليوجرافيات الوطنية والإقليمية والموضوعية والكشافات تقوم بحصر الوثائق المطبوعة. وفي نفس السياق نجد أن المستفيدين قد ألفوا تلك الأدوات نتيجة استخدامهم لها لاسترجاع المعلومات من الأوعية المطبوعة. وفي المقابل نجد أن بعض أدوات الضبط الببليوجرافي المعروفة مثل الكشاف الطبي ( Index Medicus ) ونشرة المستخلصات الكيماوية ( Chemical Abstracts ) لا تولي اهتمامًا يذكر بتغطية الأوعية الإلكترونية إلا في حالة توافرها في شكل مطبوع وإلكتروني في الوقت نفسه. وعليه، فإن أدوات الضبط الببليوجرافي المعروفة لا تغطي سوى عدد محدود جداً من الأوعية الإلكترونية التي لا يوجد لها نظير مطبوع. ويتوقع أن يتغير هذا الوضع في المستقبل بسبب التطورات المتسارعة التي تشهدها المعلومات الرقمية. وفي السياق نفسه يجب إعادة النظر في قنوات التوزيع، فهذه القنوات – بالنسبة للوثائق المطبوعة – تعتمد على نقل الوعاء المادي من مكان إلى آخر. وتتلاءم هذه الطريقة مع الوثائق الإلكترونية التي تكــون على شكل أقــراص مدمجة (OCD-ROM) أو أقراص فيديو رقمية (DVD) أو أقراص مرنة (Floppy disk). ولكن تبدو مثل هذه القنوات بدون معنى عندما يتعلق الأمر بتوزيع الوثائق المتاحة على الخط المباشر (Online documents ). ففي مثل هذه الحالة يجب مراجعــة عــدد مــن الوظائف التقليدية مثل الترويج (Publicity) والطلب (Order ) والعقــد ( contract) والنقل ( transfer )، و غيره. و امتدادًا لذلك ؛ فإن الإعارة المتبادلة بين المكتبات تفقد أي معنى لها في هذا السياق. و بناء على ذلك يجب استنباط أساليب جديدة لتمكين المستفيد من الوصول إلى وثائق متوافرة في أماكن أخرى غير المكتبات تأخذ بعين الاعتبار آليات النقل (transfer mechanism) والجوانب القانونية والمالية ذات العلاقة. و يتوقع أن تقوم بعض المنظمات الدولية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكريــة ( World Intellectual property organization ) بوضع المبادئ التشريعية ذات الصلة بالأوعية الرقمية. المبحث الثالث: الرقابة والمنشورات الإلكترونية : تستخدم عدة أطراف الإنترنت لترويج معلومات إباحية أو معلومات عنصرية تنم عن تعصب عرقي أو مذهبي أو ديني. و في واقع الأمر، فإن هذه الظاهرة ليست قاصرة على الإنترنت أو المنشورات الإلكترونية، إذ تقوم حتى المنشورات المطبوعة بترويج مثل هذه المعلومات. ويكمن الفرق بين عالم المعلومات الرقمية والافتراضية وعالم المعلومات المطبوعة في التعامل مع هذه المسألة في أنه توجد تشريعات وقوانين تنظم الرقابة على الأوعية المطبوعة. وفي المقابل ، فإن مثل هذه التشريعات غير موجودة عندما يتعلق الأمر بالرقابة على المعلومات الرقمية المتاحة عن طريق الإنترنت. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنه يمكن تركيب بعض البرمجيات لمنع مستخدمي الحاسوب أو الشبكة من الوصول إلى مواقع معينة على الإنترنت. وتعتبر هذه الطريقة مفيدة في حماية الأطفال من التأثيرات السلبية التي يمكن أن يتعرضوا لها بسبب المعلومات الإباحية والمنافية للأخلاق السائدة في المجتمع والتي تقوم بترويجها بعض المواقع التي تزعم تشبثها بحريات التعبير. وتحمل برمجيات الحماية هذه أكثر من اسم مثل Cyber Patrol و Surf Watch و Net Nanny. و يمكن التنويه عامة بأنه من الصعوبة بمكان تطبيق الرقابة على الإنترنت وذلك، لأنها تمثل شبكة دولية وليست شبكة محلية يمكن التحكم فيها بشيء من اليسر. و من الأمثلة التي تدعم هذا الرأي يمكن التذكير بمؤلف الطبيب الخاص للرئيس الفرنسي السابق Francois Mitterrand، وهو كتاب يتناول إصابة الرئيس بسرطان المثانة حيث أصدرت إحدى المحاكم الفرنسية حكمًا يمنع تداول هذا الكتاب. وللالتفاف حول هذا الحكم قام المؤلف بوضع الكتاب على نادل ( Server ) بــمدينــة بيزنســون (Besancon) لكي يصبح متاحًا على الإنترنت. وعندما تفطنت الأجهزة الأمنية لذلك قامت بمصادرة النادل. وفي الولايات المتحدة صوت الكونجرس سنة 1996م لصالح إدخال تعديل قانوني يعرف بـCommunication Decency Amendment يسمح بتسليط الرقابة الصارمة على وسائل الاتصال بعامة وعلى الإنترنت بخاصة وذلك لوضع حد لوجود المواقع الإباحية على الإنترنت . وأمام المعارضة التي لقيها هذا القانون، اضطرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة إلى إصدار حكم ينص على عدم دستورية القانون المذكور ؛ لأنه يتنافى مع البند الأول من الدستور الأمريكي المتعلق بحريات التعبير. ويتدفق في الوقت الحاضر عبر الحدود عدد من الوثائق العنصرية والنازية والفاشية والإباحية .. الشيء الذي يجعل أي إجراء تقوم به الشرطة لتسليط الرقابة أمراً غير قابل للتطبيق. المبحث الرابع: المنشورات الرقمية وتأثيراتها على تغيير نظام الاتصال العلمي : يبدو أن نموذج الاتصال العلمي التقليدي الذي وضع معالمه كل من جارفي (Garvey) وجريفي Griffith بدأ يندثر بعد الازدياد الكبير المسجل في عدد المطبوعات الإلكترونية، وقد نتج عن ذلك تحول من الورق إلى الإلكتروني (Shift from paper to electronic) وإن لم نزل بعيدين عن المجتمع اللاورقي (Paperless Society) الذي بشر به لانكستر ( Lancaster ) في أواخـــــر السبعينيــات (1978م)، فإن بعض المجتمعات العلمية مثل مجتمع علماء الفيزياء بدأت تقترب كثيراً من ذلك. ويرى بعض الأكاديميين مثل Paul Ginsparg البرازيلي وJean-Claude Guedon الكندي أن النموذج التقليدي لإنتاج الأوعية المطبوعة لا يمكن أن يستمر بسبب التكلفة المالية المرتفعة التي يتطلبها. و يكفي أن نشير في هذا السياق إلى أن أسعار الاشتراك في بعض الدوريات ترتفع سنويًا وبطريقة منتظمة بنسبة تتراوح ما بين 10 و 20 %. وبديهي أن مثل هذه الزيادة من شأنها أن ترهق ميزانية حلفائها الأساسيين أي المكتبات. وتمثل المسائل المالية المتعلقة بالدوريات عامة والدوريات العلمية خاصة مفارقة عجيبة: فبينما نجد أصحاب المقالات ينتمون إلى مجتمعات علمية ممولة في أغلب الأحيان من السلطات العامة أي الجامعات ومراكز البحث .. نجد أن هؤلاء الباحثين لا يتلقون مكافآت مالية مقابل إنتاجهم. وعلى العكس من ذلك فقد يضطرون في بعض الحالات إلى دفع مبالغ مالية لكي تنشر مقالاتهم وترى النور. كما أن محكمي تلك المقالات ( Referees or reviewers ) يتشكلون من الباحثين الذين ينتمون إلى جامعات. وتقتصر مهمة الناشر التجاري في هذه الحالة على تصحيح أخطاء الطباعة وإخراج عدد الدورية والتوزيع. ويتألف زبائن هؤلاء الناشرين من المكتبات التي تخصص جزءاً من مواردها المالية للاقتناء. و تتأتى تلك الموارد من السلطات العامة التي تمول بدورها منح البحث ورواتب الباحثين المنتجين لتلك المقالات العلمية. وهكذا تتبلور معالم المفارقة حيث تصبح السلطات العامة داعمة للبحث العلمي ومقتنية في الوقت نفسه نتائجه بأسعار مرتفعة جداً. ويلاحظ المتمعن في النموذج الجديد الذي يقترحه بعض الناشرين التجاريين مثل Elsevier و Springer و Academic press، فيما يتعلق بالدوريات الإلكترونية أنه لا يختلف في شيء عن النموذج المتبع في عالم المطبوع. فالتغيير لا يمس سوى شكل الوعاء ( تحول من الوعاء المطبوع إلى الوعاء الإلكتروني )، فوضع المؤلف يبقى كما كان عليه في السابق فيما يتعلق بحقوق التأليف. ويبدو أن الثقل الذي يمثله الناشر التجاري سيزداد وفقًا لهذا النموذج. من ذلك أن نظام ترسيم الخدمات الذي يقترحه هؤلاء الناشرون والذي يتمثل في دفع مبلغ مالي كل مرة يتم فيها استخدام المادة (Payper View) سيزيد من وطأة التكلفة المالية التي تتحملها المكتبات. وعليــه، فــإن كبــار الناشرين التجاريين لايرون فائدة في تغيير نموذج الاتصال العلمي السائد في الوقت الحالي. و يستخلص كل من Ginsparg و Guedon أن نموذج الاتصال العلمي – الذي ظهر منذ القرن السابع عشر إثر صدور دوريتين Journal des scavants في فرنسا و Philosophical Transactions في بريطانيا- والذي تبناه الناشرون التجاريون- قد وصل إلى طريق مسدودة. ويرجع ذلك إلى تنامي عدد المنشورات الإلكترونية التي بدأت تفرز اتجاهات وخيارات جديدة في مجال الاتصال العلمي. يشهد علم الفيزياء على سبيل المثال ثورة حقيقية في مجال الاتصال العلمي. فقد أصبح تداول نسخ ما قبل النشر للبحوث ( Preprints ) أمراً شائعًا ومحبذاً في مجتمع علماء الفيزياء. فقد كان تداول البحوث العلمية في الفيزياء يتم منذ بداية السبعينيات في شكل مطبوع ثم في شكل إلكتروني منذ عقد ونصف ( 15 سنة ). فحالما تنجز هذه الأبحاث يبدأ تداولها فوريًا على نطاق واسع بدون خضوعها لأية رقابة. ونتيجة لذلك يختفي الوسيط ( الناشر التجاري ) ما بين المؤلف و الباحث والقارئ ( أو المستفيد ). ومن مزايا نظام التوزيع هذا أنه منخفض التكلفة مقارنة بالتكلفة التي يتطلبها توزيع دورية مطبوعة تقليدية. وتهافت علماء الفيزياء على نظام الاتصال هذا لما يوفره من مزايا بوصفهم منتجين للمعلومات ومستهلكين لها. و يتوافر لدى كل باحث قائمة للتوزيع – غالبًا ما تدار من قبل المختبر الذي ينتمي إليه – تشمل أيضًا عددًا كبيرًا من المكتبات الإلكترونية. ويقوم الباحث إثر الانتهاء من كتابة مقالته بإرسالها إلى زملائه في مختلف بلدان العالم مستخدمًا البريد الإلكتروني. و تمتلك بعض مراكز البحث مثل المركز الأوربي للأبحاث النووية ( CERN )، ومركز Los Alamos في البرازيل مكتبات ضخمة تتكون مجموعاتها من نسخ الأبحاث ما قبل النشر. ويعتقد بعض المختصين في المجال مثل Ginsparg أن هذا الأرشيف الخام يلبي بصورة فعالة الاحتياجات الفعلية للباحثين في الفيزياء. واستناداً إلى Ginsparg فإن هذا النموذج يوفر للباحث فرصة الوصول الآني والحر والمجاني إلى المعلومات العلمية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل يمكن تعميم هذا النموذج على بقية الأوساط العلمية ؟ والإجابة جزئية على هذا السؤال هي أن الباحثين في الرياضيات بدأوا يتبنونه. ومن ناحية أخرى فإن التطورات التي تشهدها تكنولوجيا المعلومات من الممكن أن تسهم في سقوط نموذج الاتصال العلمي التقليدي. فقد بدأت تظهر نماذج في البرمجيات للإدارة الآلية للدوريات الرقمية. فهذه البرمجيات تسمح بصدور المقالات في شكل كراسات وبإمكانها أن تبقى على مفهوم المجلد أو تلغيه. وهي تضبط قائمة بالمشتركين الذين أبدوا رغبتهم في استلام الدوريات، وتتأكد وفقًا لمدد زمنية منتظمة من رغبتهم في مواصلة تسلم أعداد الدورية. وتقوم البرمجيات المذكورة بإرسال أعداد الدوريات عن طريق البريد الإلكتروني باعتماد تقنيات تعـرف بتكنولوجيا الدفــع ( Push technology ). وتتمتع هذه التقنيات بالحذق والمهارة ( Sophisticated)، ويتوقع أن يكون لها مستقبل واعد وأن ينتشر استخدامها. وتبدو أسعار بعض البرمجيات معقولة إذ لا تتجاوز 1000 دولار. ويتوقع أن يؤدي تطوير هذه التكنولوجيا إلى اندثار نموذج الاتصال العلمي السائد حاليا. وبإمكان المجتمعات الأكاديمية والعلمية المتخصصة والتي لا تنتمي لا إلى العلوم الكبرى" Super science " ولا إلى الطب، أي أنها لا تتمتع بإمكانات مالية كبيرة، أن تصدر دوريات إلكترونية متطورة بإمكانات متواضعة تتمثل في نادل ( Server ) صغير وبعض البرمجيات المعيارية ( Standard Software ). ويوفر ذلك فرصة خاصة بالنسبة للعلوم الإنسانية وللبلدان النامية كي تعرف بإنجازاتها العلمية. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة لهذه البلدان التي تواجه صعوبات للتعريف برصيدها العلمي لافتقارها للإمكانات اللازمة للغرض. ويرى بعض المهتمين بالموضوع أن الأزمة المالية التي تشهدها البلدان الصناعية تمثل عاملاً آخر جاء ليسرع من تحول الدورية المطبوعة إلى الدورية الإلكترونية. فالكساد الاقتصادي الذي تشهده البلدان المصنعة تسبب في تقلص الدعم المالي الحكومي للمنشورات العلمية والميزانيات المخصصة للمكتبات. ونتيجة لذلك تجد بعض الدوريات نفسها أمام خيارين: إما الاختفاء أو التحول إلى أوعية رقمية. ويسود في أيامنا هذه توتر في العلاقات القائمة بين الناشرين (المنتجون) والباحثين ومختصي المعلومات (المستهلكون). فالناشرون يحاولون الحفاظ على المكاسب التي حققوها حتى وإن أدى الأمر إلى دعم التشريعات المتعلقة بحقوق النشر، أما الباحثون ومختصو المعلومات فيطمحون إلى رؤية نماذج جديدة للاتصال العلمي تكون مستقلة أكثر ما يمكن عن عالم النشر التجاري الذي يضيق عليهم الخناق. ويبذل الناشرون التجاريون كل جهدهم حتى يبقى نموذج الاتصال العلمي على حاله بما يكفل بقاء الــوعــاء الإلكتروني مجرد نسخة من الوعاء الورقي. المبحــــث الــــخــــامـــس: الـجـــــامعــات الاعتبــــاريــــــة (Invisible college) والإنتـــاج الفكـــري الـــرمادي (GreyLiterature) : يــــرى بعض المختصين في الاتصــــال العلمــــي ( Scientific Communication ) أن وتيرة تبادل الإنتاج الفكري الرمادي ستزداد بفضل الانتشار الواسع الذي يشهده استخدام البريد الإلكتروني من قبل المجتمع العلمي على المستوى العالمي. ونتيجة لذلك ستتقلص الحدود التي تفصل بين المطبوعات الرسمية وبين الإنتاج الفكري الرمادي المتمثل أســـاسا في الأبحاث التي لــــم تنشــــر بعــــد ( Preprints ). فبعد أن كان توزيع الأبحاث الورقية التي لم تنشر بعد مقتصرًا على مجموعة محدودة من الباحثين تغير الأمر في الوقت الحالي ؛ إذ شهد توزيعها توسعًا كبيرًا بفضل خدمة البريد الإلكتروني. وفي السياق نفسه بدأ شكل جديد من الإنتاج الفكري الرمادي يبرز، وهو ذلك الذي تفرزه مجموعات النقاش ( Newsgroups ). و معروف أن الكثير من الغث يرافق ما هو سمين ضمن المعلومات التي تبثها منابر مجموعات النقاش. ومن المؤسف أن المعلومات المهمة التي تروجها هذه المنابر لا يتم أرشفتها. وتجدر الإشارة إلى أن عددًا كبيراً من هذه المنابر متاح لعامة المستفيدين. وفي المقابل نجد أن البعض الآخر متاح عن طريق الاشتراك. كما يأخذ عدد آخر من هذه المنابر طابعًا سريًا ليمثل شكلاً جديدًا للاتصال بين الأفراد الذين ينتمون إلى الجامعة الاعتبارية. في الماضي كان جزء من الإنتاج الفكري الـــرمــــادي يتـــــم تبادله بطرق شفاهية أثناء انعقاد الندوات والمؤتمرات و ذلك من خلال المعلومات التي في حوزة الباحثين والمتعلقة بأعمالهم البحثية. و في الوقت الحاضر يتم تبادل نسبة مهمة من هذه المعلومات بواسطة البريد الإلكتروني. ففي العالم الرقمي، يواصل الباحثون – بعد رجوعهم إلى المؤسسات التي يعملون بها – تبادل المعلومات بواسطة البريد الإلكتروني. و تأسيسًا على ما سبق، يبدو أن الاتصال الرقمي له تأثير مزدوج على أبعاد الإنتاج الفكـري الرمادي. فمن ناحية، أصبح جزء كبير من هذا الإنتاج الفكري متاحًا لعامة المستفيدين. ومن ناحية أخرى، يلاحظ ظهور شكل جديد من هذا الإنتاج الفكري يتسم بالسرية ويبث من خلال مجموعات النقاش. وتبعًا لذلك يبدو أن الجامعة الاعتبارية لم تتغير في جوهرها ، إذ هي لا تزال تستند إلى الاتصال الشخصي الشفاهي الذي أصبح يدعمه البريد الإلكتروني. وبالتالي فإن التقنيات الحديثة جاءت لتعطي الجامعة الاعتبارية بعدًا جديدًا غير مسبوق في مجال الاتصال العلمي. المبحث السادس: حقوق التأليف والوصول إلى المعلومات : يتطلب إنشاء المكتبات الرقمية وإدارتها معرفة بالمسائل القانونية، بالإضافة إلى الجوانب الفنية. وعليه، تبرز مسألة حقوق التأليف قضية أساسية لدى الحديث عن الرقمنة أو اقتناء أوعية المعلومات الرقمية. وغالبًا ما تصاحب النسخة الرقمية للوثيقة صورة سلبية توحي بإمكانية السرقة والقرصنة غير المحدودتين تفوق في أبعادها ما تتعرض له أوعية المعلومات الورقية من ابتـــــــزاز عـــــن طريـــــق آلات التصـــــويــــــر والنســـخ ( Photocopy machines ). كما أن عدم استقرار الوثائق الرقمية يجعل الأطراف المعنية بالأمر تشعر بالخشية من عدم السيطرة على توزيعها. وتثير قضية حقوق التأليف ذات العلاقة بالوثائق الرقمية مشاعر قلق لدى كل من منتجي هذه الفئة من أوعية المعلومات والموزعين لها والمستفيدين منها، والذين يرغبون في استغلال الوثائق المحمية من قبل هذه القوانين في إشباع حاجاتهم المعلوماتية. ويلاحظ في هذا المجال أن العكس هو ما يمكن أن يتحقق ، حيث بات بإمكان الأدوات المعلوماتية أن تسمح بمراقبة الاستخدام الفعلي للوثائق الإلكترونية وقياسه بدقة وبفعالية يفوق ما هو ممكن في عالم المطبوع. 1.6- المبادئ العامة لحقوق التأليف : تهدف حقوق التأليف إلى حماية صاحب العمل الفكري الذي يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة منها: الأعمال المكتوبة والأعمال الموسيقية وتلك التي تندرج ضمن الفنون الجميلة والأعمال الفنية التطبيقية وأعمال الفن التشكيلي. وتندرج حقوق التأليف في إطار تشريعي أوسع يعرف بحقوق الملكية الفكرية التي تشمل بالخصوص حقوق العلامات المسجلة ( Trade Marks ) وبراءات الاختـراع. و تضمن حقوق التأليف أساسًا تمتع صاحب العمل الفكري بحقوقه الأدبية في المقام الأول : أي العلاقة الحميمة بينه وبين عمله، فالمؤلف هو الذي يختار بكل حرية الأسلوب الذي يراه مناسبًا لتقديم عمله إلى الجمهور. وامتدادًا لذلك فهو الطرف الذي يحق له نسب العمل إليه : أي وضع اسمه عليه. كما يحق للمؤلف الاعتراض على أي تحوير قد يتعرض له العمل ومن شأنه أن يسيء إليه ( حقوق المحافظة على وحدة العمل ). و إذا ما تبين له أن عمله قد تعرض لتغيير كبير ، فإنه يحق له إدخال التعديلات المناسبة عليــه أو سحبــه مــن السوق (حقوق السحب ). ويضاف إلى الحقوق الأدبية الحقوق المادية التي تضمن للمؤلف استغلال عمله والتمتع بمنافع مالية. وعلى خلاف الحقوق الأدبية، فإنه بالإمكان نقل الحقوق المادية إلى طرف آخر ( مثل الناشر أو الموزع على سبيل المثال ) أو إلى الورثة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هنالك استثناءات منتشرة لتطبيق حقوق التأليف من أهما : التراخيص القانونية ( Legal Licensing ) التي تشمل السماح باستخدام المعلومات على المستوى الشخصي أو العائلي أو على النطاق الداخلي أو في أغراض تعليمية أو بحثية، والاستشهاد بالعمل لأغراض مرجعية ؛ شريطة أن تكون مختصرة وأن تشير بوضوح إلى المصدر. وتتجاذب حقوق التأليف المتعلقة بالوثائق الرقمية مصالح متناقضة ولكنها متشابكة لأطراف مختلفة منها : المؤلفون والمزودون بالمعلومات و المستفيدون. فمن ناحية، يجب تشجيع الإبداع الفكري وتحفيزه ومكافأته ماديًّا حسب القيمة التي يكتسيها العمل. ومن ناحية أخرى، يجب ضمان حق الوصول إلى المعلومات للجميع باعتباره ركنًا أساسًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948م. و يلاحظ في هذا المجال تباين كبير بين مدرستين مختلفتين وهما : المدرسة الأوربية والمدرسة الأنجلو سكسونية. وتولي المدرسة الأولى مكانة بارزة للمؤلف في حين تؤكد المدرسة الثانية على حقوق المستفيد. وعليه، ينصب الاهتمام الأساس للبلدان الأنجلو سكسونية على ضمان الوصول الحر إلى المعرفة وعلى تمكين المكتبات من إعداد الأدوات المناسبة لتحقيق ذلك الهدف. ويمثل مبدأ مفهوم " الاستخدام العادل "( Fair use ) المعيار الأساس المعتمد في تقدير الأنشطة التي تمارسها المكتبات في إتاحة المعلومات للاستخدام من قبل المستفيدين. وسواء تعلق الأمر بالمدرسة الأوربية أو بالمدرسة الأنجلو سكسونية، فإن الهدف الأساس هو التوصل إلى توازن بين مصالح كل الأطراف المعنية بحقوق التأليف ذات العلاقة بالوثائق الرقمية. و يبدو هذا الهدف صعب المنال في الوقت الحاضر للتباين الكبير بين مصالح المؤلفين والناشرين والموزعين والمستفيدين. يجدر في هذا السياق إبراز وجهة نظر طرفين أساسين معنيين بحقوق النشر وهما : المزودون بالمعلومات الرقمية والمكتبات. 2.6 - وجهة نظر المزودين بالمعلومات الرقمية :يسعى الناشرون والمزودون بالمعلومات إلى وضع قوانين تحد بدرجة كبيرة من استخدام الوثائق الرقمية. ويعتقد الناشرون المزودون بالمعلومات : أنه بإمكانهم تحقيق ذلك بفضل تقنيات المعلومات الحديثة التي تتيح إمكانية المراقبة الفعلية " للاستخدام الجيد " للوثائق التي تتدفق عبر الإنترنت أو حتى على مستوى الشبكات المحلية. ويحاول الناشرون في أماكن متفرقة من العالم تكوين جماعات ضغط لجعل أية عملية للوصول إلى الوثائق الإلكترونية تخضع للرسوم وللحد بدرجة كبيرة من دور المكتبات في الخارطة الجديدة لعالم المعلومات. عبر الناشرون عن وجهة نظرهم هذه إبان اجتماع المجلس الدولي لحقوق النشر ( IPCC ) International Publishers copyright Council في أبريل سنة 1996م . وقد أكد البيان الختامي لاجتماع المجلس المذكور الذي صدر في شكل وثيقة بعنوان " المكتبات وحقوق النشر والبيئة الإلكترونية " ( Libraries, copyright and the Electronic Environment ) أكد على ضرورة مراجعة دولية شاملة لبعض الجوانب ذات العلاقة بالإعارة وذلك بسبب الطبيعة الخاصة التي تميز الوثائق الرقمية عن نظيراتها الورقية. و يعتقد هذا المجلس أن الطرف المزود بالوثائق الرقمية الأولية يجب أن يقتصر على الناشرين وذلك من دون وساطة المكتبـات. و عليه، يجب على المكتبات أن تتأقلم مع الوضع الجديد وأن يقتصر دورها علـى ما يأتي: - لن تكون المكتبات المؤسسات الوحيدة حيث يمكن الحصول على وثائق الأرشيف. - إن تبادل الأعمال المحمية من قبل قانون حقوق التأليف عن بعد يعتبر انتهاكًا للحقوق ذات العلاقة بالنسخة الواحدة من الوثيقة. - تكون المكتبات قد أدت مهمتها كاملة إذا ما اقتصرت على الإشارة إلى المستودعات الأخرى للوثائق الإلكترونية. وتمثل النقطة الأخيرة استفزازًا للمكتبات، فهي تلمح إلى أنه يجب على المكتبات أن تواصل أنشطتها التقليدية : من فهرسة وتصنيف وتكشيف وإعداد لبعض الأدوات ( مكانز، قوائم رؤوس موضوعـات، خطط تصنيف، و غيرها )، وأن تساعد على ربط المستفيدين بقواعد الناشرين للوثائق الأولية. وإذا ما رغب هؤلاء المستفيدون في الحصول على تلك الوثائق، فيجب عليهم أن يكونوا مستعدين لدفع رسوم! و وفقًا لهذه الرؤية ، فإن القيمة المضافة التي تضيفها المكتبات على أوعية المعلومات، تصبح مطوية في عالم النسيان، أو مكرسة لخدمة مصالح الناشرين. و إذا ما تحول الناشرون إلى الجهة الراعية لحفظ الوثائق الرقمية، فإن ذلك يتضمن جملة من المخاطر بالنسبة للحفاظ على التراث الفكري الإنساني. فالمبدأ الذي يعمل وفقه الناشرون هو تحقيق هامش من الربح. وعليه، فعندما تصبح أوعية المعلومات الرقمية غير مدرة للربح، فإنها تفقد أية قيمة في نظرهم، وهو ما سيؤدي إلى إتلافها. و هنا يتضح بصورة جلية أن الناشر لا يمكن أن يقوم مقام المكتبات في الحفاظ على التراث الفكري الإنساني. وعلى صعيد آخر يتضح أن الناشرين عاجزون عن إدارة المعلومات الرقمية بفاعلية. وخير دليل على ذلك أن مجلس IPCC يدعو المكتبات إلى إعداد الفهارس التي تحيل إلى مصادر المعلومات الإلكترونية المشتتة، وهو ما تقوم به المكتبات الافتراضية التي ما ينفك عددها في ازدياد. 3.6 – وجهة نظر المكتبات : تحاول المكتبات إزاء التحديات المتأتية من الناشرين تنظيم نفسها والتجمع في إطار جماعات ضغط. وللمكتبات الأمريكية تجربة طويلة في مجال التفاوض ضمن التجمعات. وفي أوربا اقترح المكتب الأوربي لجمعيات المكتبات و المعلومات والتوثيق ( European Bureau of Library Information and Documentation Associations) الذي يعرف اختصارًا بـ EBLIDA – اقترح مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى حماية المستفيدين. ويحاول برنامج EBLIDA – المعروف بـ European copyright user platform (ومختصره ECUP والذي وضع سنة 1993م) توضيح مختلف جوانب المشكلة. ويقترح نموذجًا يضمن الوصول العادل إلى المعلومات مع احترام مصالح الأطراف التي تتمتع بحقوق التأليف. ويوضح الجدول التالي الأطراف والجوانب التي يأخذها برنامج EBLIDA بعين الاعتبار: الجدول رقم (2): الأطراف و الجوانب التي يأخذها برنامج EBLIDA بعين الاعتبار
ويستند موقف ECUP إلى المبادئ الأساسية التالية: - يسمح لكل المكتبات بتخزين الوثائق الرقمية بصفة دائمة وإنتاج نسخة للأرشيف. - يحق لكل المستفيدين المشتركين في خدمات المكتبة استخدام النص الكامل للوثيقة واستنساخ عدد محدود من الصفحات أو تحميلها على إحدى الوسائط المعلوماتية من دون دفع رسوم. ويمتد هذا الحق الأخير ليشمل فئة المستفيدين غير المشتركين في خدمات المكتبات العامة. - يحق للمستفيدين المشتركين فقط في خدمات المكتبة الحصول على نفس الخدمات عن بعد ولكن مقابل دفع رسوم، ما عدا إذا كان الأمر يتعلق بالرجوع إلى صفحة واحدة من الوثيقة. ويلاحظ المتمعن في هذه النقاط حرص ECUP على التوفيق بين مصالح كل الأطراف المعنية بالوثائق الرقمية. وبناء على ذلك، يجد المستفيدون أن حقوقهم في الوصول إلى المعلومات مضمونة. وفي الوقت نفسه يطمئن الناشرون لأوعية المعلومات الرقمية والموزعون لها والمنتجون لها أنه سوف لن تنتهك القوانين التي تضبط إتاحة المعلومات عن بعد. ومن الجوانب الإيجابية التي يتضمنها برنامج ECUP عدم تعامله مع كل فئات المكتبات بالطريقة نفسها، فالهدف من وراء استخدام وثيقة بمكتبة جامعية يبقى في المقام الأول بحثيًّا وعلميًّا ودراسيًّا. وفي المقابل فإن استخدام الوثيقة نفسها بمكتبة إحدى المؤسسات الاقتصادية يمكن أن تكون له أهداف اقتصادية تنافسية. ويشكل تكتل كل من المستفيدين والمكتبات عامل ضغط لا يستهان به على الاحتكار الذي يمارسه الناشرون والذي أدى إلى دفع رسوم مبالغ فيها حسب كل مرة تستخدم فيها الوثيقة. وفي بعض البلدان الأوربية مثل إيطاليا وألمانيا واليونان فرضت حقوق المستفيد نفسها، فأصبح معترفا بها. وظهرت في الولايات المتحدة وسيلة ضغط أكثر فعالية على استغلال النفوذ (abuse of Power) الذي يمارسه الناشرون بفرضهم رسومًا على كل مرة تستشار فيها الوثيقة تتمثل في إيقاف المكتبات الجامعية الكبرى لاشتراكها في بعض الدوريات التي تصدر عن هذه الفئة من الناشـرين. وتأسس سنة 1997م الائتلاف الدولي لتجمع المكتبات ( ICOLC ) International Coalition of Library Consortia بدعوة من مكتبة جامعة ييل ( Yale University Library ) في الولايات المتحدة. ويهدف هذا الائتلاف – الذي يضم أكثر من خمسين من شبكات المكتبات الموجودة في كل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وألمانيا وهولندا- إلى تمثيل قوة قوامها الآلاف من المكتبات القادرة على التفاوض على قدم المساواة مع شركات النشر العابرة للقارات. ويهدف ائتلاف ICOLC بالتحديد إلى التدخل في نقاط حساسة مثل استقرار أسعار الاشتراك، والاحتفاظ بنسخ خاصة، و أرشفة الدوريات، والإعارة المتبادلة بين المكتبات. يلاحظ أن الأعمال التشريعية المتعلقة بحقوق النشر ذات الصلة بأوعية المعلومات الرقمية لم تنضج بعـد، ولكن يبدو أن أغلب هذه الأعمال يصب في مصلحة المكتبات. ونظمت المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( World Intellectual Property Organization ) سنة 1996م اجتماعًا لأعضائها من الدول الموقعة على اتفاقية بيرن لحقوق التأليف ( Bern Convention on Copyright ). ووقعت الدول المذكورة على اتفاقية تؤيد في مجملها الأنشطة التي تمارسها المكتبات. وتنص هذه الاتفاقية على حماية الأعمال الرقمية مثلها مثل بقية الفئات الأخرى من الأعمال. وتسمح الاتفاقية للدول الأعضاء بالقيام ببعض الاستثناءات شريطة أن لا تخل بالاستخدام المعتاد عليه لهذه الوثائق. المبحث السابع: أوهام متعلقة بالمكتبات الرقمية : أدى ظهور المكتبات الرقمية إلى انبهار العديد من الشرائح الاجتماعية بها بما في ذلك مختصو المعلومات أنفسهم. وعليه، بات الناس ينسجون أساطير وأوهامًا حول مزايا هذه المؤسسات السحرية. و يبدو أن هذه الأساطير جاءت نتيجة لنظرة شديدة المغالاة بالنسبة للمستقبل ، ولعدم الإلمام بكل معطيات الواقع. و مهما يكن من أمر فإن هذه الأساطير تتضمن بعض الحقائق. تمثل الإنترنت انتصارًا لحضارة الكتابة على طرق الاتصال الأخرى، وذلك بالرغم من أن شبكة الويب بــــاتت تتيـــح المعلـــومات في شكــــل وسائط متعددة (Multimedia)، منها النص والصورة والصوت. فالإنترنت تبقى ملائمة لتبادل النصوص أكثر منها لتبادل ملفات الصور والتسجيلات الصوتية التي تتطلب طاقة كبيرة لنقل كم كبير من البيانات. وهكذا تأتي الإنترنت لتعيد إحياء تقاليد الاتصال المكتوب الذي كاد يندثر بسبب سيادة الاتصال الشفهي (عن طريق الهاتف والإذاعة...) والمرئي (عن طريق التلفزيون ، والفيديو...). فالاتصال الذي بات سائدًا يتم بواسطة البريد الإلكتــرونــي . و عليـــه، أصبحـــت لـــوحة المفــاتيــح (Keyboard) والفأرة (Mouse) تمثلان أدوات الكتابة الجديدة، فمعرفة استخدام كل منهما يعتبر شرطًا أساسيًا لرفع الأمية المعلوماتية. وعلى صعيد آخر ، فإن الإنترنت التي تعتبر شبكة الشبكات يمكن أن تساعد المكتبات على تحقيق أحد برامجها الدولية، أو بالأحرى أحد طموحاتها المهمة ألا وهو ضمان الإتاحـة العالميـة للمطبـوعات Universal Availability of Publications. كما أن حلم مختصي المعلومات في التوصل إلى تأليف المعرفة (Knowledge synthesis ) يكاد يتحقق بفضل الروابط التي يتضمنها النص المترابط (hypertext). ويمكن لنفس الأدوات أن تساعـــد علــــى تحقيــــق حلــــم المكتبة الموسوعـــيـــــة (Encyclopedia Library). وبناء عليه يمكن اعتبار الإنترنت بمثابة مكتبة افتراضية بسبب أبعادها العالمية وقدرتها على عرض معلومات متأنية من جميع الحواسيب المرتبطة ببعضها البعض بطريقة متجانسة. غير أن معطيات الواقع لا تميل إلى تأييد هذا الرأي وذلك لأسباب ذات صلة بمحتوى الإنترنت وافتقار ذلك المحتوى إلى التنظيم، وهي مسائل لا علاقة لها بالجوانب الفنية. و لئن كانت الإنترنت تحتوي على قدر كبير من المعلومات الجيدة فإن هذه المعلومات تبقى في أمس الحاجة إلى التنظيم. وتجعل هذه الخاصية استغلال المعلومات التي تحويها الإنترنت عملية صعبة. وفي المقابل نجد أن المكتبات تؤكد في القيام بوظائفها على تنظيم المعلومات بغرض تسهيل الوصول إليها. ويرى بعض المختصين المواكبين للتطورات التي تحصل في الإنترنت أنها تضم حجمًا من المعلومات يضاهي ذلك المتوافر بمكتبة الكونجرس. وقد تدفع هذه الظاهرة البعض إلى الاعتقاد بأن الارتباط بالإنترنت يجعل المعرفة بكاملها بين أنامل أصابعنا.وفي الواقع، فإن هذا الاعتقاد خاطئ؛ لأن الإنترنت نادرًا ما تتضمن أوعية معلومات تكون متوافرة في شكل رقمي ومطبوع في الوقت نفسه، فالإنترنت تغطي أساسًا تلك الأوعية التي تكون متوافرة في شكل إلكتروني. و لما كان السواد الأعظم من الأوعية غير متوافر في شكل إلكتروني وإنما في نسخ ورقية مطبوعة، فإن حدود تغطية شبكة الشبكات للإنتاج الفكري الإنساني يبقى محدودًا جدًا. ويزداد الأمر سوءاً خاصة عندما يتعلق الأمر بالوثائق القديمة التي يبقى تمثيلها ضعيفًا على الإنترنت. ولما كانت تقنيات مسح الوثائق بغرض جعلها قابلة للقراءة الإلكترونية لا تزال تمثل عملية مكلفة على مستوى الجهد والوقت والمال، فإن العديد من المختصين يعتقدون أنه لا يزال يتحتم على المستفيد أن يتعامل مع المعلومات في شكلها الورقي المطبوع والإلكتروني خلال مدة طويلة. و من الأوهام الأخرى السائدة في هذا المجال أن المكتبات الرقمية ستمكن جميع الشرائح الاجتماعية من الوصول العادل إلى المعلومات، وذلك مهما كان المكان الذي يوجد فيه المستفيد ومهما كان الوقت الذي يرغب فيه الوصول إلى المعلومات. و سرعان ما يتبدد هذا الوهم عندما نرى أن الوصول إلى المكتبات بدون جدران يتطلب الاشتراك في خدمة الإنترنت وتوافر الأجهزة اللازمة، وهو ما يقصي تلك الفئات الاجتماعية التي تفتقر إلى مثل هذه الإمكانات. و لما كان الأمر كذلك فإن الهوة التي تفصل بين أغنياء المعلومات وفقرائها ستتسع في المستقبل وسيتفاقم الوضع عندما ينجح الناشرون في تطبيق رسومهم المغالى فيها على استخدام المعلومات الرقمية. وَهَمٌ آخر بات أيضًا يخيم على أذهان كثير من الناس بما فيهم مختصو المعلومات أنفسهم مفاده أن إنشاء المكتبات الرقمية أقل تكلفة من إنشاء المكتبات التقليدية.ولتبديد هذا الوهم يكفي أن نشير إلى أن جزءاً كبيرًا من ميزانية المكتبات الحالية مخصص للمعلوماتيـة .ويتوقع أن ترتفع تكلفة الأنشطة المكتبية ذات العلاقة باقتناء الحواسيب وصيانتها والبرمجيات في المستقبل. كما أن تكلفة حفظ الوثائق الإلكتـرونية ســواء تعلق الأمــر بمقاربة إعادة التحــديث (Refreshing approach )، أو بالتــرحيل (Migration approach)، أو المحاكـاة (Emulation approach) ستزيد من التكلفة العامة لاستغلال المعلوماتية من قبل مؤسسات المعلومات. الخلاصة و الاستنتاجات : إن كل القضايا الفكرية ذات الصلة بالمكتبات الرقمية-التي تناولتها هذه الدراسة- لا تزال تطرح نفسهــا بحـدة ، سيمــا وأن البت فيهــا لم يحسم بعد . وعليه، يجب أن تتظافر جهود كل الأطراف المعنية بهذه المسألة في البحث عن حلول للمشكلات التي أفرزتها. وما دام الأمر كذلك يجب علينا أن نبتعد عن المغالاة في تقديرنا للمكتبات الرقمية كمؤسسات معلومات سحرية وأن ننفض غبار الأوهام الذي لا يزال عالقًا بأذهاننـــا بخصــــوص خوارق هذه الفئة من المكتبات. وبناءً على كل ما سبق، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن مؤسسات معلومات المستقبل الناجحة ستكون في شكل مكتبات هجينة (Hybrid Libraries) مثل مكتبة الكونجرس وليس مثل مكتبة الإنترنت العامة The Internet Public Library، أي في شكل مكتبات تجمع بين الوثائق المطبوعة وبين أوعية المعلومات الرقمية. وهكذا فإنها ستجمع بين الحسنيين أي أنها ستوفر للمستفيد أكبر قدر ممكن من المزايا في مستوى شمولية المعلومات وفرص الوصول إليها. مراجع الدراسة: 1- بن لعلام، رياض._ "حدود المسؤولية الإعلامية والقانونية للمنتج والمستهلك في مجتمع المعلومات: التحميل من قواعد البيانات كمثال"._ المجلة العربية للمعلومات، مج 2، ع1 (2001م)، ص 87-108. 2- الحديثي، خبير._ "الأوساط الرقمية والقانون"._ في: تكنولوجيا المعلومات والتشريعات القانونية، أعمال الندوة العربية الأولى للمعلومات، 25-27 سبتمبر 1999م، جامعة منتوري قسنطينة الجزائر، 2000._ ص 29-35. 3- الزهري، طلال ناظم._ "التوزيع الإلكتروني للمعلومات بتقنية النص المترابط"._ المجلة العربية للمعلومات، مج 22 ، ع1 (2001م) ._ ص 5 – 24. 4- صوفي، عبد اللطيف._"المكتبات وحقوق التأليف الرقمية والنشر الإلكتروني"._ في: تكنولوجيا المعلومات والتشريعات القانونية، أعمال الندوة العربية الأولى للمعلومات، 25-27 سبتمبر 1999م، جامعة منتوري قسنطينة الجزائر، 2000م، ص 105-126. 5- قدورة، وحيد.-"المكتبة الرقمية والنص الإلكتروني: أي تغيير و أي تأثير؟".- المجلة العربية للأرشيف و التوثيق و المعلومات، ع11-12، س6(ديسمبر 2002م).-ص.107-125 . 6- مجيد، دحمان._ "تكنولوجيا المعلومات الحديثة وتطور الحقوق"._ في تكنولوجيا المعلومات والتشريعات القانونية، أعمال الندوة العربية الأولى للمعلومات، 25-27 سبتمبر 1999م، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، 2000م – ص 23-28. 7- يونس، عبدالرازق._ "أمن المعلومات وحقوق الملكية الفكرية". في: تكنولوجيا المعلومات والتشريعات القانونية، أعمال الندوة العربية الأولى للمعلومات، 25-27 سبتمبر 1999م، جامعة منتوري قسنطينة الجزائر، 2000م ._ ص 66-81.
8- Banned Books
Online 9- Borgman, C.L. “What are Digital Libraries? Competing Visions”. Information Processing Management, v.35 (1999).P.227-245. 10- Fox, Edward A. and Urs, Shalini, R. “Digital Libraries”. ARIST, v.36 (2002).P.518. 11- Gravy, William D, and Blever C.Griffith. Scientific (Communication its Role in the Conduct of Research and Creation of Knowledge, key Papers in the Information Science. E.D. by B.C.Griffith, New York, Knowledge Publication, 1980. P 38 -51. 12- Guedon, Jean – Claude." Les bibliothèques a l’heure des réseaux télématiques Planétaires “. – Argus, v.23, no 3 (1994).- P. 10 – 14 13- Hurd, Julie M, Ann. C.Weller and Susan Y, Crawford.- “ The Changing Scientific and technical communication system In Susan Y .Crawford . From Print to Electronic. The Transformation of Scientific Communication, Melford, New Jersey, Information Today, ASIS, 1996. 14- Jacquesson, Alain and Alexis Rivier._ Bibiotheques et Documents Numeriques: concepts, composantes, techniques of enjeux._ Paris: Cercle de la Librairie, 1999. 15- Kuny, terry and Gary Cleveland. “The digital library: myths and challenges. IFLA Journal, V. 24, no 2 (1998)._ P. 107 – 113. 16- Lederberg, Joshua. _"Communication as the root of scientific Progress”. The Scientist, v.3 (February 1993). – P 10-14. 17- Mater, Andri et Jean-Michel Salaun._ "Propriété intellectuelle et bibliothèques francaises : leçons Americaines et opportunités européennes”.- Bulletin des bibliothèques de France, no 43 (1998). P.12-16. 18- Peek, Robin Ed and Gregory B. Newby ed-. Scholarly, publishing: the electronic Frontier. - Cambridge, MA: the MIT Press, 1996. 19- Risher , Carol – PCC Statement : Library Copyright and the electronic environment, International PUBLISHER Copyright Council, April 1996 LU http://www.Kaapeli.fi/-eblida/ecup/other-reports/IPCCapril96.html [visited on 16/5/2003 |
جـمـيـع الحـقـوق محـفوظـة لـمـوقـع تكـنـولـوجيـا التـعلـيـم | إعداد وتصمـم الـموقـع والمـنـتدى : ربـيـع عبـد الفـتاح طبـنـجـه |