المبحث الثاني: جرائم
الإنترنت من منظور شرعي وقانوني
" يمكن النظر للانترنت كمهدد للأمن الاجتماعي وخاصة في
المجتمعات المغلقة والشرقية، حيث أن تعّرض مثل هذه المجتمعات لقيم
وسلوكيات المجتمعات الأخرى قد تسبب تلوثا ثقافيا يؤدي إلى تفسخ
اجتماعي وانهيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات. إن
الاستخدام غير الأخلاقي واللاقانوني للشبكة قد يصل إلى مئات المراهقين
والهواة مما يؤثر سلبا على نمو شخصياتهم النمو السليم ويوقعهم في أزمات
نمو، وأزمات قيمية لا تتماشى مع النظام الاجتماعي السائد، وبخاصة عند
التعامل مع المواضيع الجنسية وتقديم الصور والمواد الإباحية" (
البداينة، 1999م : 101)
والمخاطر الأمنية متجددة وليست قاصرة على وقت أو نوع معين و" مع دخول
الكمبيوتر ( الحاسب الآلي ) الذكي إلى المنازل فان ذلك سيفتح الباب
لأنواع متطورة من الجرائم التي تستغل إمكانية برمجة الأجهزة المنزلية
ووصلها بالحاسب الآلي وبشكبة الانترنت، فطالما انك تستطيع مثلا وصل
خزانة الأموال في مكتبك بشبكة الانترنت لإعطاء إنذار عند محاولة فتحها
فربنا يكون من الممكن فتحها عن بعد بواسطة الكمبيوتر ( الحاسب الآلي )
ثم الوصول إليها وإفراغها " ( داود، 1420هـ : 32 ).
واستلزم التطور التقني تطور في طرق إثبات الجريمة والتعامل معها،
فالجرائم العادية يسهل – غالباً - تحديد مكان ارتكابها، بل أن ذلك
يعتبر خطوة أولى وأساسية لكشف ملابسات الجريمة، في حين انه من الصعوبة
بمكان تحديد مكان وقوع الحادثة عند التعامل مع جرائم الانترنت، لكون
الرسائل والملفات الحاسوبية تنتقل من نظام إلى آخر في ثواني قليلة، كما
انه لا يقف أمام تنقل الملفات والرسائل الحاسوبية أي حدود دولية أو
جغرافية. ونتيجة لذلك فإن تحديد أين تكون المحاكمة وما هي القوانين
التي تخضع لها أمر في غاية الحساسية والتعقيد خاصة وان كل دولة تختلف
قوانينها عن الدولة الأخرى، فما يعتبر جريمة في الصين مثلا قد لا يعتبر
جريمة في أمريكا والعكس صحيح، بل أن الأمر يصل إلى حد اختلاف قوانين
الولايات المختلفة داخل الدولة الواحدة كما في الولايات المتحدة
الأمريكية
(Thompson, 1999).
وأدى
التطور التقني إلى ظهور جرائم جديدة لم يتناولها القانون الجنائي
التقليدي، مما اجمع معه مشرعي القانون الوضعي في الدول المتقدمة على
جسامة الجريمة المعلوماتية والتهديدات التي يمكن أن تنشأ عن استخدام
الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت، ودفعهم هذا إلى دراسة هذه الظاهرة
الإجرامية الجديدة وما اثارته من مشكلات قانونية حول تطبيق القانون
الجنائي من حيث الاختصاص القضائي ومكان وزمان ارتكاب الجريمة حيث يسهل
على المجرم في مثل هذه الجرائم ارتكاب جريمة ما في مكان غير المكان
الذي يتواجد فيه أو الذي حدثت فيه نتائج فعله (تمام، 2000م : 1- 3).
وتطوير
القوانيين الجنائية وتحديثها امر يستغرق بعض الوقت فـ" هناك تعديلات
كثيرة مطلوب ادخالها على التشريعات التي تتعامل مع الجريمة كي تأخذ في
الاعتبار المعطيات الجديدة التي نشأت عن إستخدام الحاسب الآلي في مجال
المعلومات وعن ظهور شبكات المعلومات العالمية" ( داود، 1421هـ : 68).
ولاقت
جرائم الحاسب الآلي اهتماما عالميا فعقدت المؤتمرات والندوات المختلفة
ومن ذلك المؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي عام (1993م)
الذي تناول موضوع جرائم الحاسب الآلي والجرائم الأخرى في مجال تكنلوجيا
المعلومات وتوصل الي توصيات احاطت بجوانب مشكلة جرائم الحاسب الآلي الا
انها لم تتعرض لجزئية هامة وهي التعاون الدولي الذي يعتبر ركيزة اساسية
عند التعامل مع هذه النوعية من الجرائم (عيد، 1419هـ:56 – 259).
وهذا المؤتمريعتبر تحضيرا للمؤتمر الدولي الخامس عشر للجمعية الدولية
لقانون العقوبات الذي عقد في البرازيل عام (1994م) والذي وضع توصيات
حول جرائم الحاسب الآلي والانترنت والتحقيق فيها ومراقبتها وضبطها وركز
على ضرورة ادخال بعض التعديلات في القوانين الجنائية لتواكب مستجدات
هذه الجريمة وافرازاتها (احمد،2000م : 5 – 10).
والتعاون الدولي مهم عند التعامل مع جرائم الإنترنت، كونه سيطّور
اساليب متشابهة لتحقيق قانون جنائي واجرائي لحماية شبكات المعلومات
الدولية ،خاصة ان هذه الجرائم هي عابرة للقارات ولا حدود لها، وفي
المقابل فان عدم التعاون الدولي سيؤدي إلى زيادة القيود على تبادل
المعلومات عبر حدود الدول مما سيعطي الفرصة للمجرمين من الإفلات من
العقوبة ومضاعفة أنشطتهم الإجرامية (الشنيفي، 1414هـ :113).
وتعتبر
السويد أول دولة تسن تشريعات خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، حيث
صدر قانون البيانات السويدي عام (1973م) الذي عالج قضايا الاحتيال عن
طريق الحاسب الآلي إضافة إلى شموله فقرات عامة تشمل جرائم الدخول غير
المشروع على البيانات الحاسوبية أو تزويرها أو تحويلها أو الحصول غير
المشرع عليها (الشنيفي، 1414هـ : 108؛ عيد، 1419هـ : 255)
وتبعت الولايات
المتحدة الأمريكية السويد حيث شرعت قانونا خاصة بحماية أنظمة الحاسب
الآلي (1976م – 1985م)، وفي عام (1985م) حدّد معهد العدالة القومي خمسة
أنواع رئيسة للجرائم المعلوماتية وهي:
جرائم
الحاسب الآلي الداخلية، جرائم الاستخدام غير المشروع عن بعد، جرائم
التلاعب بالحسب الآلي، دعم التعاملات الإجرامية، وسرقة البرامج الجاهزة
والمكونات المادية للحاسب. وفي عام (1986م) صدر قانونا تشريعاً يحمل
الرقم (1213) عرّف فيه جميع المصطلحات الضرورية لتطبيق القانون على
الجرائم المعلوماتية كما وضعت المتطلبات الدستورية اللازمة لتطبيقه،
وعلى اثر ذلك قامت الولايات الداخلية بإصدار تشريعاتها الخاصة بها
للتعامل مع هذه الجرائم ومن ذلك قانون ولاية تكساس لجرائم الحاسب
الآلي، وقد خولت وزارة العدل الأمريكية في عام (2000م) خمسة جهات منها
مكتب التحقيقات الفيدرالي
(FBI)
للتعامل مع جرائم الحاسب الآلي والانترنت (الشنيفي،
1414هـ: 109؛ عبدالمطلب، 2001م: 92 – 94؛ عيد، 1419هـ: 255).
وتأتي
بريطانيا كثالث دولة تسن قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي حيث أقرت
قانون مكافحة التزوير والتزييف عام (1981م) الذي شمل في تعاريفه الخاصة
بتعريف أداة التزوير وسائط التخزين الحاسوبية المتنوعة أو أي أداة أخرى
يتم التسجيل عليها سواء بالطرق التقليدية أو الإلكترونية أو بأي طريقة
أخرى (الشنيفي، 1414هـ : 109؛ عيد، 1419هـ : 255)
وتطبق
كندا قوانين متخصصة ومفصلة للتعامل مع جرائم الحاسب الآلي والانترنت
حيث عدلت في عام (1985م) قانونها الجنائي بحيث شمل قوانين خاصة بجرائم
الحاسب الآلي والانترنت، كما شمل القانون الجديد تحديد عقوبات
المخالفات الحاسوبية، وجرائم التدمير، أو الدخول غير المشروع لأنظمة
الحاسب الآلي، كما وضّح فيه صلاحيات جهات التحقيق كما جاء في قانون
المنافسة
(The Competition Act)
مثلا الذي يخول لمأمور الضبط القضائي متى ما حصل على أمر قضائي حق
تفتيش أنظمة الحاسب الآلي والتعامل معها وضبطها (احمد، 2000م : 263؛
الشنيفي، 1414هـ : 110؛ عيد، 1419هـ : 255)
وفي
عام (1985م) سنّت الدنمارك أول قوانينها الخاصة بجرائم الحاسب الآلي
والانترنت والتي شملت في فقراتها العقوبات المحددة لجرائم الحاسب الآلي
كالدخول غير المشروع إلى الحاسب الآلي أو التزوير أو أي كسب غير مشروع
سواء للجاني أو لطرف ثالث أو التلاعب غير المشروع ببيانات الحاسب
الآلي كإتلافها أو تغييرها أو الاستفادة منها (الشنيفي، 1414هـ : 110؛
عيد، 1419هـ : 255)
وكانت
فرنسا من الدول التي اهتمت بتطوير قوانينها الجنائية للتوافق مع
المستجدات الإجرامية حيث أصدرت في عام (1988م) القانون رقم (19-88)
الذي أضاف إلى قانون العقوبات الجنائي جرائم الحاسب الآلي والعقوبات
المقررة لها، كما تم عام (1994م) تعديل قانون العقوبات لديها ليشمل
مجموعة جديدة من القواعد القانونية الخاصة بالجرائم المعلوماتية وأوكل
إلى النيابة العامة سلطة التحقيق فيها بما في ذلك طلب التحريات وسماع
الأقوال (تمام، 2000م : 91- 92، 115؛ شتا، 2001م : 70)
أما في
هولندا فلقاضي التحقيق الحق بإصدار أمره بالتصنت على شبكات الحاسب
الآلي متى ما كانت هناك جريمة خطيرة، كما يجيز القانون الفنلندي لمأمور
الضبط القضائي حق التنصت على المكالمات الخاصة بشبكات الحاسب الآلي،
كما تعطي القوانين الألمانية الحق للقاضي بإصدار أمره بمراقبة اتصالات
الحاسب الآلي وتسجيلها والتعامل معها وذلك خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام
(احمد، 2000م : 222، 263)
وفي
اليابان قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت ونصت تلك القوانين
على انه لا يلزم مالك الحاسب الآلي المستخدم في جريمة ما التعاون مع
جهات التحقيق أو إفشاء كلمات السر التي يستخدمها إذا ما كان ذلك سيؤدي
إلى إدانته،كما أقرت عام (1991م) شرعية التنصت على شبكات الحاسب الآلي
للبحث عن دليل (احمد، 2000م : 222، 276).
كما
يوجد في المجر وبولندا قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت توضح
كيفية التعامل مع تلك الجرائم ومع المتهمين فيها، وتعطي تلك القوانين
المتهم الحق في عدم طبع سجلات الحاسب الآلي أو إفشاء كلمات السر أو
الأكواد الخاصة بالبرامج، كما تعطي الشاهد أيضا الحق في الامتناع عن
طبع المعلومات المسترجعة من الحاسب الآلي متى ما كان ذلك إلى إدانته أو
إدانة احد أقاربه. بل تذهب القوانين الجنائية المعمول بها في بولندا
إلى ابعد من هذا حيث أنها تنص على أن لا يقابل ذلك أي إجراء قسري أو
تفسيره بما يضر المتهم (احمد، 2000م : 276).
هذا
وعلى مستوى الدول العربية فانه وحتى تاريخه ،وبحسب علم الباحث، لم تقم
أي دولة عربية بسن قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والانترنت، ففي مصر
مثلا لا يوجد نظام قانوني خاص بجرائم المعلومات، إلا أن القانون
المصري يجتهد بتطبيق قواعد القانون الجنائي التقليدي على الجرائم
المعلوماتية والتي تفرض نوعا من الحماية الجنائية ضد الأفعال الشبيهة
بالأفعال المكونة لأركان الجريمة المعلوماتية، ومن ذلك مثلا اعتبر أن
قانون براءات الاختراع ينطبق على الجانب المادي من نظام المعالجة
الآلية للمعلومات، كما تم تطويع نصوص قانون حماية الحياة الخاصة وقانون
تجريم إفشاء الأسرار بحيث يمكن تطبيقها على بعض الجرائم المعلوماتية،
وأوكل إلى القضاء الجنائي النظر في القضايا التي ترتكب ضد أو بواسطة
النظم المعلوماتية (تمام، 2000م : 91- 104، 126).
وكذا
الحال بالنسبة لمملكة البحرين فلا توجد قوانين خاصة بجرائم الإنترنت،
وان وجد نص قريب من الفعل المرتكب فان العقوبة المنصوص عليها لا تتلاءم
وحجم الأضرار المترتبة على جريمة الإنترنت. وقد أوكل إلى شركة البحرين
للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو) مهمة تقديم خدمة الإنترنت
للراغبين في ذلك، كما أنيط بها مسئولية الحد من إساءة استخدام شبكة
الإنترنت من قبل مشتركيها (بحر، 1420هـ : 39، 43).
وعلى
المستوي المحلي نجد أن المملكة العربية السعودية أيضا لم تسن قوانين
خاصة بجرائم الإنترنت ،إلا أن الوضع مختلف هنا، فهي ليست في حاجة
لتحديث قوانينها وتشريعاتها كونها تنطلق من الشريعة الإسلامية الكاملة،
فالمشرع واحد لا ثاني له والتشريع أزلي لا تجديد له، وهو مع كونه أزلي
فانه صالح لكل زمان ومكان كونه صادر من خالق الكون والعليم بما
يَصْلُحُ له ويُصْلِحُهُ " وتركت الشريعة الإسلامية الباب مفتوحا
لتجريم الجرائم المستحدثة تحت قواعد فقهية واضحة منها لا ضرر ولا ضرار
وتركت لولي الأمر تقرير العقوبات لبعض الجرائم المستحدثة مراعاة لمصلحة
المجتمع ويندرج ذلك تحت باب التعازير" (الشهري، عبدالله، 1422هـ : 38)،
وهناك قاعدة سد الذرائع أي "دفع الوسائل التي تؤدي إلى المفاسد، والأخذ
بالوسائل التي تؤدي إلى المصالح" (أبو زهرة، 1976م : 226)
"ومن
المقرر فقهياً أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح" (أبو زهرة، 1976م
: 228)
ونظراً
لأن "الظاهرة الإجرامية من الظواهر الاجتماعية التي تتميز بالنسبية،
لأنها تختلف باختلاف الثقافات، فما يعد جريمة أو جنحة في مجتمع ما قد
يعد مقبولا في مجتمع آخر. فالتشريع والثقافة السائدان في كل مجتمع هما
اللذان يحددان الجرائم والفضائل" (السيف، 1417هـ:1).
لذا فان هذا البحث
وعند دراسته لجرائم الانترنت في المجتمع السعودي فانه ينطلق من
القوانين الشرعية المعمول بها في المملكة العربية السعودية التي تستمد
قوانينها من كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم،
وليس من القوانين الوضعية التي قد تتفق في تعريف الجريمة إلا أنها
تختلف حتما في تقسيمها للجريمة.
فالجريمة في القوانين الوضعية تعّرف بأنها كل فعل يعاقب عليه القانون،
أو امتناع عن فعل يقضي به القانون، ولا يعتبر الفعل أو الترك جريمة إلا
إذا كان مجرّماً في القانون. أما التعريف الشرعي للجريمة فهي إتيان فعل
محرم معاقب على فعله أو ترك فعل محرم الترك معاقب على تركه، أو هي فعل
أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه. (عودة، 1401هـ :
66). أو بمعنى آخر هي "فعل ما نهي الله عنه، وعصيان ما أمر الله به"
(أبو زهرة، 1976م : 24).
وقد لا
يبدوا أن هناك اختلاف كبير بين التعريفين ،وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن
يتّضح الاختلاف في التقسيم الذي يأخذ به كل فريق، ففي الشريعة
الإسلامية تقّسم الجريمة من حيث جسامة العقوبة إلى حدود، قصاص أو دية،
وتعازير، في حين تقّسم القوانين الوضعية الجريمة من حيث العقوبة إلى
جنايات، جنح، ومخالفات (الدمينى، 1402هـ، طالب، 1998م : 168). أو بمعنى
آخر فان القوانين الوضعية " تقسم الجريمة أساسا على مقدار العقوبة،
وبذلك كأن تحديد الجريمة يعتبر فرعا من العقوبة، في حين أن التشريع
الإسلامي يجعل الأساس في العقوبة هو جسامة الجريمة وخطرها من حيث
المساس بالضرورات الخمس" (منصور، 1410هـ : 213 – 214).
وبشكل أدق فالاختلاف
يقع في التقسيم الثالث أي في قسم التعازير في الشريعة وقسم المخالفات
في القوانين الوضعية، ففي الأولي أشمل واعم حيث انه يدخل في التعازير
كل الأفعال سواء المجرمة أو غير المجرمة، أي التي لها عقوبة محددة أو
التي لم ينص علي عقوبة محددة لها، فالعقوبة هنا تقديرية للقاضي وتبدأ
من الزجر والتوبيخ وتصل إلى حد إيقاع عقوبة القتل تبعا للفعل المرتكب
ولنظرة القاضي لذلك الفعل. في حين يحدد القانون الوضعي عقوبات محددة
للمخالفات بمعنى انه لا يمكن معاقبة أي فعل ما لم يكن هناك نص محدد له
في القانون وإلا لم يعتبر جرما، ومن هنا تختلف النظرة إلى الجريمة في
الشريعة الإسلامية عنها في القوانين الوضعية حيث أنها أشمل وأعم في
الشريعة عنها في القوانين الوضعية، الأمر الذي يجعل معه الشريعة
الإسلامية متطورة ومتجددة دوما فهناك عقوبة لكل فعل شاذ أو غير مقبول
وان لم ينص على تجريمه قانونيا.
ولا
يعنى هذا أن كل الأفعال مجرّمة في الشريعة بل المقصود هو أن أي فعل شاذ
أو منافي لتعاليم الدين الإسلامي ولو كان جديدا فان هناك عقاب له في
الشريعة، فـ"الأساس بلاشك في اعتبار الفعل جريمة في نظر الإسلام هو
مخالفة أوامر الدين"(أبوزهرة، 1976م: 31)، أما العقوبة المقررة لكل
جريمة فمتفاوتة حيث "تتفاوت الجرائم في الإسلام بتفاوت ما فيها من
مفاسد" (أبو زهرة، 1976م: 185)، فالشريعة حددت إطار عام للأفعال
المقبولة وغير المقبولة جديدها وقديمها، كما حددت العقوبة المناسبة لكل
جريمة أو فعل غير مقبول، وهنا سر تفوق الشريعة الإسلامية.
ومن
هذا فقضية الجريمة والعقوبة ومستجداتها أمر محسوم في المملكة العربية
السعودية ويميزها عن غيرها من الدول، فالقانون الجنائي لديها ،والمستمد
من الشريعة، يتسم "بوضع متميز بين سائر التقنيات الجنائية المقارنة،
حيث عالجها الشارع الحكيم في إطار النظام القانوني الشامل المتكامل
الذي يغطي كل جوانب الحياة ويصلح لكل زمان ومكان. فالتجريم والعقاب في
النظام الإسلامي يتوجه مباشرة إلى صيانة وحماية المصالح المعتبرة في
الإسلام، وهي الدين والنسل والنفس والمال والعقل، وأي اعتداء على مصلحة
من تلك المصالح يعتبر جريمة يعاقب فاعلها، ويختلف بالطبع مقدار العقوبة
حسب جرامة الفعل الإجرامي" (عجب نور، 1417هـ : 13).
ومع ذلك فالأمر يحتاج
إلى وضع أسس تنظيمية فاعلة وشاملة لتحديد الجهة المخولة بداية للتعامل
مع جرائم الإنترنت والأفعال غير الأخلاقية والتصرفات السلبية التي تحدث
أثناء استخدام شبكة الإنترنت تحقيقاً وضبطاً ووقايةً، وكذلك تحديد
كيفية التعامل الإداري والإجرائي في هذه القضايا، فلا بد أن يواكب
استخدام المملكة العربية السعودية لتقنية الإنترنت ظهور أنماط جديدة من
الإجرام -كغيرها من الدول التي أخذت بالتقنية الحديثة- فهذه الأنماط
ليست قاصرة على دولة دون أخرى.
فلا بد إذن من وضع
تنظيم إداري واضح للحد من سلبيات هذه الأفعال ومحاسبة مرتكبيها وإعطاء
الحق للمتضررين منها. فهذه التنظيمات سوف تُفَعِّلْ قوانين وتشريعات
المملكة المستمدة من الشريعة الإسلامية لتضع بعض الحواجز والروادع أمام
من يرتكب مثل هذه الجرائم من داخل المملكة.
|