|
|
تفضل بزيارة منتدى الموقع في حلته الجديد من هنا
|
موضوع الدراسة : التعليم الفني: أسمع جعجعة ولا أرى طحناً |
الكاتب أو الناشر: منيف على القبلان |
التعليم الفني: أسمع جعجعة ولا أرى طحناً
التعليم الفني والتدريب المهنيلا أعرف مقدارها) مضت على تخريج أول دفعة من طلبة التعليم الفني والتدريب المهني في السعودية، وهؤلاء قضوا أشهراً أو سنوات في التعلم والتدرب لشغل مكان مهني مازالت الحاجة قائمة إلى شغله بأبناء الوطن.. ولكن -وحتى يومنا هذا- لم يزل المكان شاغراً أو مشغولاً بوافد. وإلى يومنا هذا لم نشاهد متخرجاً واحداً من أولئك الخريجين وهو يمارس ما تعلمه في تلك المعاهد والمراكز بمهارة وإتقان... رغم أن الدولة قد جادت عليهم بجميع أنواع التشجيع والمؤازرة، والدعم بالوسائل التي تمكنهم من مزاولة أعمالهم تلك باقتدار،بما في ذلك القروض الميسرة، وإعفاء العاملين منهم في القطاع العام من بعض أحكام نظام الخدمة المدنية التي تمنع الموظف من مزاولة أي مهنة أخرى بجانب وظيفته. إلا أن معظم هذه الجهود ذهبت- في اعتقادي- أدراج الرياح... فالذين حصلوا منهم على قروض من الدولة لهذا الغرض سارعوا إلى افتتاح ورش لممارسة النشاط الذي تخصصوا فيه، ولكنهم بدلاً من مزاولة العمل بأنفسهم لجأوا إلى استقدام بعض الأيدي العاملة من الخارج ليقوموا بالعمل نيابة عنهم، وخلدوا هم إلى الراحة تاركين مهمة تسيير العمل- وربما جني الأرباح الحقيقية- في أيدي هؤلاء، مكتفين بالقليل من الدخل الذي يجودون به عليهم.. الأمر الذي أثر بطبيعة الحال على اقتصاد وطنهم وأفقدهم كل ما تعلموه، وفوق ذلك قُضي على الهدف الذي من أجله منحوا تلك القروض والتسهيلات. وعلى الرغم من أن تلك المراكز والمعاهد الفنية والكليات التقنية قد أنشئت بناء على دراسات عديدة أظهرت نتائجها حاجة البلاد إلى أيد عاملة من أبناء الوطن في مهن محددة لا زالت مشغولة بغيرهم، إلا أنها -ومع كل أسف- لم تحقق جزءاً من الهدف الذي أنشئت من أجله! ومن هنا يحق لنا التساؤل: ما هو السبب؟ مع يقيني بأن لدى الجهات المعنية بالأمر سيلاً من التبريرات وعشرات الأعذار، إلا أنني سوف أضع تصوري للمشكلة بناء على ما لمسته من بعض الخريجين القدامى والجدد على حد سواء.. وهو أولاً وأخيراً مجرد تصور قد يخالفني فيه البعض في الوقت الذي سيوافقني فيه البعض الآخر، وبالذات من المعنيين بشؤون التعليم الفني. لا يختلف اثنان على أن إتقان المهنة عامل مهم من عوامل النجاح والاستمرارية، فالشخص الذي يرغب في افتتاح ورشة لكهرباء السيارات، على سبيل المثال، لابد أن يشعر في قرارة نفسه بأنه قادر على ممارسة هذه المهنة بإتقان، وإلا فإنه لن يقدم على مشروع كهذا يكلفه الكثير، ونسبة فشله أكبر من نسبة نجاحه.. حتى ولو دعمته الدولة بأكبر من حاجته. وكنتيجة لعدم الشعور بإتقان المهنة يتردد البعض كثيراً، وقد يغضون الطرف عن فكرة اقتحام العمل المهني الحر، ومن ثم البحث عن عمل آخر في القطاع العام يوفر لهم معيشة ثابتة لا تتأثر بالعوامل الاقتصادية وأوضاع السوق المحلية، ويبتعد بهم كثيراً عن جادة المنافسة التي يمر منها كل من يمتهن العمل الحر، مهما كان نوعه. وقد يتجاوز البعض منهم تلك العقبة فيقدم على هذا المشروع أو ذاك، ولكنه يرفع يديه عن العمل ويترك لغيره ممارسته، وإذا أقنع نفسه بضرورة مزاولة المهنة فإن دوره لن يتخطى دور المشرف الذي يحضر إلى مقر العمل ساعة واحدة ويغيب بقية ساعات اليوم، أو يمارس دور المقرر أو القابض للنقود فقط! وأعتقد -والله العالم- أن عدد الخريجين الذين يمكن أن يقال أنهم نجحوا في المهن التي تعلموها أو تدربوا عليها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين كل عام، والسبب في ذلك غير ظاهر للعيان، ولا يمكن التنبؤ به خصوصاً إذا علمنا أن جميع مستلزمات التعليم والتدريب متوفرة، والمدربون والمعلمون -كما فهمت- على قدر عال من الكفاءة والمقدرة، ولكن هناك احتمالاً واحداً ربما يكون هو السبب، وهو ظاهرة الضعف العام الذي أصبح يجتاح التعليم بجميع أنواعه ومراحله، ليس في هذه البلاد فحسب بل في معظم بلدان العالم، حتى ما يطلق عليه صفة (المتقدم). ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، اصبحت قضية ضعف مستوى التعليم فيها تحظى باهتمام الرأي العام، ولا يخلو برنامج جدي أو هزلي من التطرق إليها. والدليل على هذا الضعف لا يتجلى في عدم وجود هؤلاء الخريجين في مواقع العمل الميداني، يعملون ويزاحمون من سبقوهم، بل قد نراه واضحاً من خلال بعض العاملين منهم في الأجهزة الحكومية، حيث نرى الأجنبي وهو يمارس المهنة ويتلذذ بإتقانه لها ويتفاخر بذلك، بينما زميله خريج مراكز التدريب المهني يرتدي ثياباً ناصعة البياض ويجلس على كرسي مريح ويتطلع بعينين مدهوشتين إلى الشخص الذي يمارس عمله، وكأنه يشاهد هذا العمل لأول مرة في حياته. أما العامل الآخر في نظري، فهو النظرة الدونية التي ينظرها البعض إلى المهنيين والتي انعكست آثارها السلبية على هذا الاتجاه.. فالكثير منا ما زال يعتقد بأن الشاب الذي يتجه للعمل المهني هو شخص غير قادر على مواصلة التعليم العام، ولذلك اكتفى بالاتجاه صوب هذا النوع من التعليم (السهل) الذي لا يحتاج على حد زعمهم، إلا لارتداء البدلة الزرقاء وقضاء ساعات محددة كل يوم أمام ماكينة اللحام أو الخراطة لعدة أشهر ليخرج بشهادة تفتح له باب الوظيفة.. وبقدر ما تكون هذه النظرة خاطئة إلا أن البعض منا-للأسف- ما زال يعتقد فيها، والذين يرغبون في الاتجاه صوب هذا الهدف يحسبون لها ألف حساب وتؤثر على قدراتهم بشكل أو بآخر. ومن هنا أصبح لزاماً على الجهة المعنية بهذا الموضوع إعادة النظر في طرق التدريب المتبعة، وأساليب التعليم المستخدمة فقد نعثر على السبب أو الأسباب.. وحبذا لو أمكن تتبع خطوات الخريجين القدامى للوقوف على مستوى أدائهم ومعرفة ما يعترض سبيل تقدمهم من معوقات. نشر في مجلة (التدريب والتقنية) عدد (1) بتاريخ (محرم 1420هـ) |
|
جـمـيـع الحـقـوق محـفوظـة لـمـوقـع تكـنـولـوجيـا التـعلـيـم | إعداد وتصمـم الـموقـع والمـنـتدى : ربـيـع عبـد الفـتاح طبـنـجـه |