القصة التالية جرت أحداثها على أرض الكنانة : مصر. إنها فصل من فصول الصراع الأزلي بين الحق و الباطل ..
الصراع بين أولياء الرحمن و حزب الشيطان. لم أستطع أن أحبس دموعي بعد أن سمعتها ...
فاضت عيني بدموع الفرح بنصر الله و لرهبة من بطشه سبحانه لمن حاربه و عصاه ؟ و إليكم القصة : مجموعة من الصالحين.. لم يكونوا ارهابيين و لا متطرفين ، و لكنهم أخبتوا لرب العالمين. أقاموا الصلاة و كانوا من الراكعين. ما أرادوا حكما و لا دبروا انقلابا ، و لكنهم كانوا بالمعروف آمرين و عن المنكر ناهين و محذرين .. يريدون اقامة شرع الله في أرض الله .. يريدون الإصلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
و كما هي عادة الطغاة ، فقد اتهموا بالإرهاب و التطرف و ارادة "قلب نظام الحكم". و كيف يسوغ ذلك و هم مستضعفون ، لا حول لهم و لا قوة ؟ .. منعت منهم أبسط حقوقهم كمواطنين ، ناهيك عن حقوقهم كآدميين. أوذوا في الله فصبروا .. عذبوا و قتّلوا .. اغتصبوا و ارهبوا .. و لم يثنهم ذلك عن دينهم ، و لا عن مبادئهم. و كان من بين تلك المجموعة و على رأسهم داعية صالح ، وهبه الله قوة في الحق ، و منهاجا ربانيا كان به ينطق. و كان له مع السلطة صولات و جولات ، عصمه الله و حماه ، فلم يقدر أحد على أذاه. و وصل التعذيب و الاضطهاد مبلغه ، و علم ذلك الداعية أن السلطة عازمة على الفتك بهم و إبادتهم ، و أن الغيظ منهم وصل إلى حد أن "طاغية مصر" أمر جميع أذنابه بأخذ الحذر منهم و اعداد العدة لمداهمتهم و أخذهم جميعا بالقوة. و هنا بدأت قصة الهروب و المطاردة العجيبة .... خرجت تلك المجموعة المباركة تحت ظلام الليل على حين من السلطات هاربة من المدينة .. تركوا خلفهم أرضهم و ديارهم .. هاربين بدينهم. ضحوا بالمقتنيات و الذكريات طلبا لرضى رب الأرض و السماوات. و لكن الطاغية ، لم يكفه ما هم فيه من التشريد فزمجر بالوعيد. فأمر بالمطاردة و القضاء على "الشرذمة" الضالة المضلة. خرج خلفهم الجنود المدججين بالسلاح . جنود غسلت ادمغتهم .. و استخف بهم طاغيتهم. تبعوهم و قد امتلأت قلوبهم حقدا و غلا عليهم .. لا لجرم فعلوه ، و لا لذنب اقترفوه .. إلا أن يقولوا ربنا الله. الخوف يسيطر على المؤمنين ، لا يدرون ما ذا يفعلون أمام القوة الباغية و ظلم الطاغية... و استمر الهروب و استمرت المطاردة .. لا يثني هؤلاء ضعفهم و قلة حيلتهم و هوانهم على الناس ، و لا يردع أولئك رادع و لا يمنعهم وازع. و في مشهد مرعب ، يدرك الجنود الفئة الهاربة المستضعفة في منطقة محصورة .. لا مهرب و لا مناص .. و أيقن المؤمنون أنهم هالكون .. الجنود على مقربة منهم حتى كادوا أن يدركونهم .. بل هم مدركون .. و بلغت القلوب الحناجر ... نفذ الصبر .. طارت العقول .. و أصبح الجنود قاب قوسين أو أدنى من الهاربين. تخيل معي .. قوة مدججة بالسلاح و مدعومة بالسلطان أمام أناس عزّل ليس لهم إلا الله !؟!؟ و لكن الله عز و جل ثبت قائدهم الداعية .. كان على يقين أن وعد الله نافذ ، و أن الدنيا كلها لو اجتمعت على أن يضروهم بغير ما كتب الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .. كان يعلم علم اليقين أنهم منصورون و أن جند الله هم الغالبون. و توجه الناس إليه بما أصابهم من الإحباط ، و اعترفوا بما يشعرون به من الخوف و اقتراب الإدراك .. فقال قولة المؤمن الموحد الذي امتلأ قلبه ثقة بالله ، و بوعده و تمكينه لرسوله و مصطفاه : ( كلا ! إن معي ربي سيهدين )... إذا كانوا هم مدججين بالسلاح و القوات .. فإن الله قادر على تأييدنا بالمعجزات. (كلا إن معي ربي سيهدين) و تأمل معي قوله عليه السلام "سيهدين" .. إنها الهداية بمعناها الواسع .. هداية الدنيا و الدين .. هداية التأييد و التمكين .. و جاء الأمر من مصرف الأكوان و رب الإنس و الجان .. ( اضرب بعصاك البحر ).. و ماذا تفعل تلك العصا المجردة أمام البحر اللجي ذي الأمواج المتلاطمة ؟ و لكن الله قال كن .. فكان. و يدخل المؤمنون في البحر يمشون ، لا إله إلا الله ! .. معجزة عظيمة و كرامة ما بعدها كرامة ... أرض يابسة في قاع البحر ؟؟؟ و البحر بأمواجه المتلاطمة يقف كالجبل عن اليمين و الشمال طائعا لأمر الله؟؟ الله أكبر ! .. و كأني بالمؤمنين تطأ أقدامهم المنهكة قاع البحر الذي ذلله الله لهم .. ها هم ينطلقون كل مجموعة في فلق كالطود العظيم .. الرجال يتقدمون .. النساء يحملن اطفالهن .. كلهم يركض إلى بر الأمان قلوبهم يملؤها الإيمان.. ها هو "الطاغية" و جنوده يتوسطون البحر أيضا.. و لكن شتان بما بين توسطه و توسط أهل الإيمان .. شتان ما بين الإستدراج و التمكين .. و يصل المؤمنون بفضل الله إلى بر الأمان .. و بعد أن امسكت المياه بأمر الله عن المؤمنين إذا بها تطبق على رؤوس الكافرين .. منظر مرعب تطير منه العقول .. و تقشعر من هوله الأبدان .. ها هو هدير الماء يدوي .. الماء يصرع الطاغية على رأسه بعد أن ادعى أنه "له ملك مصر و الأنهار تجري من تحته" .. الطين يملأ أفواه الطاغية و جنوده. إنه انتقام الجبار .. إنه البطش الشديد .. من العزيز الحميد . و يشكر المؤمنون الله على النجاة و التمكين .. و تصبح هذه سنة من سنن المرسلين : شكر الله على نجاة موسى و من معه من طاغية مصر : فرعون و جنده. و ها نحن حتى اليوم نشكر الله على نجاة اخواننا المؤمنين من مكر الماكرين و بطش الجبارين .. لا زلنا حتى اليوم نصوم عاشوراء شكرا لله على فضل الله. إخواني .. أين نحن من هذه القصة ؟ أين الجبارون من قصة موسى و فرعون ؟ أين المؤمنون من تدبر قصة بني اسرائيل و كيف مكنهم الله بعد الذل , و أورثهم أرض من طردهم و عذبهم و استعبدهم ؟ لعل القصة معروفة لدينا جميعًا ، و لكنها خطرات جالت في خاطري يوم عاشوراء و قبله و بعده أحببت أن يشاركني فيها إخواني . لعلنا نعيد التأمل و التدبر في القصة و أمثالها في القرآن و السنة. أخيرا .. أترككم مع كلمات من نور لم تخرج أحداث القصة عنها ، و كانت كل أفكارها مقتبسة منها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(و نادى فرعون في قومه قال يقوم أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين ؟ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين . فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )
(وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون . فأرسل فرعون في المدائن حاشرين . إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون . وإنا لجميع حاذرون . فأخرجناهم من جنات وعيون . وكنوز ومقام كريم . كذلك وأورثناها بني إسرائيل . فأتبعوهم مشرقين . فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين . فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم . وأزلفنا ثم الآخرين . وأنجينا موسى ومن معه أجمعين . ثم أغرقنا الآخرين . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . و إن ربك لهو العزيز الرحيم)
(إن بطش ربك لشديد . أنه هو يبدئ و يعيد . وهو الغفور الودود . ذو العرش المجيد . فعّال لما يريد . هل أتاك حديث الجنود . فرعون و ثمود . بل الذين كفروا في تكذيب . و الله من ورائهم محيط)
(فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقنهم أجمعين . فجعلنهم سلفا و مثلا للأخرين)
(و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . و إن جندنا لهم الغالبون)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون . و سلام على المرسلين . و الحمد لله رب العالمين) |