فصل في حكم اللعن ، ولعن المعين . |
فهذه فوائد مقتطفة من كتاب ( الآداب الشرعية ) لابن مفلح .المجلد الأول ص 285 . ويجوز لعن الكفار عامة ، وهل يجوز لعن كافر معين ؟ على روايتين ، قال الشيخ تقي الدين : ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز ، وأما لعنة المعين فالأولى تركها ؛ لأنه يمكن أن يتوب . وقال في موضع آخر : قيل لأحمد بن حنبل : أيؤخذ الحديث عن يزيد ؟ فقال : لا ، ولا كرامة ، أو ليس هو فعل بأهل المدينة ما فعل ؟ وقيل له : إن أقواما يقولون : إنا نحب يزيد ، فقال : وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ فقيل له : أو لا تلعنه ؟ فقال : متى رأيت أباك يلعن أحدا؟ وقال الشيخ تقي الدين أيضا في موضع آخر في لعن المعين من الكفار ومن أهل القبلة وغيرهم ومن الفساق بالاعتقاد أو بالعمل : لأصحابنا فيها أقوال : أحدها : أنه لا يجوز بحال ، وهوة قول أبي بكر بن عبد العزيز . والثاني : يجوز في الكافر دون الفاسق . والثالث : يجوز مطلقا . قال ابن الجوزي : في لعنة يزيد ، أجازها العلماء الورعون منهم أحمد بن حنبل ، وأنكر ذلك عليه الشيخ عبد المغيث الحربي وأكثر أصحابنا ، لكن منهم من بنى الأمر على أنه لم يثبت فسقه . …. وذكر رواية أبي طالب سألت أحمد بن حنبل عمن قال : لعن الله يزيد بن معاوية . فقال : لا تكلم في هذا ، الإمساك أحب إلي . قال ابن الجوزي : هذه الرواية تدل على اشتغال الإنسان بنفسه عن لعن غيره . …. وسلم ابن الجوزي على أن ترك اللعن أولى . وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ادع الله على المشركين . قال : إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة . قال أبو بكر الخلال في كتاب ( السنة ) الذي ذكره أبو عبد الله في التوقف في اللعنة فيه أحاديث كثيرة لا تخفى على أهل العلم ، ويتبع فيه قول الحسن وابن سيرين فهما الإمامان في زمانهما ، ويقول : لعن الله من قتل الحسين بن علي ، لعن الله من قتل عثمان ، لعن الله من قتل عليا ، لعن الله من قتل معاوية بن أبي سفيان ، ويقول : لعنة الله على الظالمين إذا ذكر لنا رجل من أهل الفتن على ما تقلده أحمد . قال القاضي : فقد صرح الخلال باللعنة قال : وقال أبو بكر بن عبدالعزيز فيما وجدته في ( تعاليق ) أبي إسحاق : ليس لنا أن نلعن إلا منم لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الإخبار عنه . قال الشيخ تقي الدين : المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق العام ، لا المقيد المعين ، كما قلنا في نصوص الوعد والوعيد ، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة ، وأن الكافرين في النار ، ونشهد بالجنة لمن شهد له الكتاب والسنة ، ولا نشهد بذلك لمعين إلا لمن شهد له النص ، أو شهد له الاستفاضة على قول . فالشهادة في الخبر كاللعن في الطلب ، والخبر والطلب نوعا الكلام . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة . فالشفاعة ضد اللعن ، كما أن الشهادة ضد اللعن ، وكلام الخلال يقتضي أنه لا يلعن المعينين من الكفار ، فإنه ذكر قاتل عمر وكان كافر. ويقتضي أنه لا يلعن المعين من أهل الأهواء ، فإنه ذكر قاتل علي وكان خارجيا . ثم استدل القاضي للمنع بما جاء من ذم اللعن وأن هؤلاء ترجى لهم المغفرة ، لا تجوز لعنتهم ؛ لأن اللعن يقتضي الطرد والإبعاد ، بخلاف من حكم بكفره من المتأولين ، فإنهم مبعدون من الرحمة كغيرهم من الكفار . واستدل على جواز ذلك وإطلاقه بالنصوص التي جاءت في اللعن ، وجميعها مطلقة ، كالراشي ، والمرتشي ، وآكل الربا ، وموكله ، وشاهديه ، وكاتبه . قال الشيخ تقي الدين : فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال : أحدها المنع عموما ، وتعيينا إلا بنص . والثاني : إجازتها . والثالث : التفريق ، وهو المنصوص . لكن المنع من المعين ، هل هو : منع كراهة ، أو منع تحريم ؟ ثم قال في الرد على الرافضي : لا يجوز ، واحتج بنهيه عليه السلام عن لعنة الرجل الذي يدعى حمارا …. قال القاضي فقد كره أحمد لعن الحجاج . قال : ويمكن أن يتأول توقف أحمد عن لعنة الحجاج ونظرائه أنه كان من الأمراء ، فامتنع من ذلك من وجهين أحدهما : نهي جاء عن لعنة الولاة خصوصا . الثاني : أن لعن الأمراء ربما أفضى إلى الهرج وسفك الدماء والفتن . وهذا المعنى معدوم في غيرهم . قال الشيخ تقي الدين : والذين اتخذوا أئمة في الدين من أهل الأهواء هم أعظم من الأمراء عند أصحابهم ، وقد يفضي ذلك إلى الفتن . قال أبو عبد الإله : أفلا يفضي إلى الفتن لعن الدعاة المبرزين ، حتى على فرض استحقاقهم للعن !!! كيف وقد نهى الله تعالى عن سب الآلهة الباطلة لئلا يؤدي إلى المفسدة العظمى { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } . وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } قال ابن كثير رحمه الله تعالى : أي : لو كنت سيء الكلام ، قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك ، ولكن الله جمعهم عليك ، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم ، كما قال عبد الله بن عمرو : إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة : أنه ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح . وأخرج البخاري من حديث الزهري ، حدثني سالم عن أبيه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر : اللهم العن فلانا وفلانا . بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد . فأنزل الله تعالى { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } . وعند أحمد : فتيب عليهم كلهم . وفي رواية : وهداهم الله للإسلام . كما أخرج البخاري عنه صلى الله عليه وسلم : إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه . الحديث . وعند مسلم : لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا . وعند الترمذي وحسنه عن ابن مسعود مرفوعا : لا يكون المؤمن لعانا . وأخرج البخاري ومسلم : لعن المؤمن كقتله . وعند الطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر . قلت : لعل الزاعمين بأنهم أتباع من سلف يقتدون بهم ، ويتورعون عن لحوم الناس وأعراضهم ، بله عن سبهم ولعنهم . |