الحمد
لله والصلاة والسلام على النبي وآله وبعد :
فهذا
حديث إلى أخ
لي حبيب
. . . قد أراه في كل صف من الصفوف . . . قد أراه
بين كل اثنين . . . أراه في كل مسلم رضي بالله
ربا، وبمحمد، صلى الله عليه وسلم نبيا ،
وبالإسلام دينا . . . أخ
لي .. . .
لم يسلم من أخطاء سلوكية، وكلنا خطاء إ إ. . لم
ينج من تقصير في العبادة وكلنا مقصر! ! . . ربما
رأيته حليق
اللحية، طويل الثوب ، مدمنا للتدخين !
! . . بل ربما أسر ذنوباأخرى ونحن المذنبون
أبناء المذنبين ! ! .
نعم
! أريد أن أتحدث إليك
أنت أخي
حديثا أخصك به ، فهل تفتح لي أبواب قلبك
الطيب ونوافذ ذهنك النير؟! ! . و الله الذي لا
إلة إلا هو
إني لأحبك . . أحبك حبا يجعلني ..
. . أشعر بالزهو كلما رأيتك
تمشي خطوة إلى الأمام
! ! . . وأشعر
والله بالحسرة
إذا رأيتك تراوح مكانك أو تتقهر ورائك !!.
أحدثك حديثا اسكب روحي في كلماته . . . وأمزق
قلبي في عباراته . . .
إنه
أخي حديث القلب إلى القلب
. حديث الـروح للأرواح يسري وتـدركـه
الـقـلوب بلا عنـاء. . . هل تظن أن أخطاءنا أمر
تفردنا به لم نسبق إليه ؟! . كلا. .. فما كنا في
يوم ملائكـة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون
مايؤمـرون .
ولكن نحن بشر معـرضـون للخطيئة، يذنبون
فيستغفرون الله فيغفر لهم .
وكل من ترى من عباد الله الصالحين لهم ذنوب
وخطايا.
قال ابن مسعود- رضي الله عنه - لأصحابه وقد
تبعوه : "لو
علمتم بذنوبي لرجمتموني بالحجارة"،
وقال حبيبك محمد، صلى الله عليه وسلم : "لو
لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون
فيستغفرون فيغفر الله لهم)
والله أخي لقد أحرقتنا الذنوب ، والمتنا
المعاصي ولكن أيها الحبيب المحب أرعني سمعك
يا رعاك الله ! ! . إن هذه الخطايا ماسلمنا
منها ولن نسلم ، ولكن الخطر أن تسمح للشيطان
أن يستثمر ذنبك ويرابي في خطيئتك . أتدري كيف
ذلك ؟ ! ! . . يلقي في روعك أن هذه الذنوب خندق
يحاصرك فيه لا تستطيع الخروج منه . . يلقي في
روعك أن هذه الذنوب تسلبك أهلية العمل للدين
أو الاهتمام به . ولايزال يوحي إليك : دع أمر
الدين والدعوة لأصحاب اللحى الطويلة!
والثياب القصيرة! دع أمر الدين لهم فما أنت
منهم ! !
. وهكذا
يضخم هذا الوهم في نفسك حتى يشعرك أنك فئة
والمتدينون فئة أخرى. وهذه يا
أخي حيلة إبليسية ينبغي أن يكون عقلك أكبر
وأوعى من أن تمرعليك
. فأنت يا
أخي متدين من المتدينين
. . أنت تتعبد لله بأعظم عبادة تعبد بها بشر
لله . أن تتعبد لله بالتوحيد. أنت الذي حملك
إيمانك فطهرت أطرافك بالوضؤ، وعظمت ربك
بالركوع ، وخضعت له بالسجود. أنت صاحب الفم
المعطر بذكر الله ودعائه ، والقلب المنور
بتعظيم الله وإجلاله . فهنيئا لك توحيدك
وهنيئا لك إيمانك . إنك
يا أخي صاحب قضية
. . أنت أكبر من أن تكون قضيتك فريق كروي يكسب
أو يخسر. . أنت أهم من أن تدور همومك حول شريط
غنائي أو سفرة للخارج . . أنت أهم من أن تدور
همومك حول المتعة والاكل .
فذلك
كله ليس شأنك ، إن ذلك شأن غيرك ممن قال الله
فيهم . (
والذين كفروا يتمتعون ويلهون كما يلهوا
الأنعام والنارمثوى لهم ) 0
أخي
أنت من يعيش لقضية أخطر وأكبر هي : هذا الدين
الذي تتعبد الله به. . . هذا الدين الذي هو سبب
وجـودك في هذه الدنيا وقدومك إلى هذا الكون (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
0 ( الذاريات إن أود أن أذكرك مرة أخرى أن
تقصيري لاءياك في طاعة ربنا أو خطئي وإياك في
سلوكنا لا يحللنا أبدا من هذه المسئولية
الكبرى ولا يعفينا من هذه القضية الخطيرة
انظر يا رعاك الله إلى هذين الموقفين : وأرجو
أن تنظر إليهما نظرة فاحصة . وأن تجعلهما تحت
مجهر بصيرتك : واسمع
عن كعب بن مالك -رضي الله عنه -حيث وقع هذا
الصحابي في خطا كبير، وهو التخلف عن رسول
الله ، حين
نفرإلى الجهاد في غزوة تبوك ولمعرفة خطر هذا
الذنب تامل قول الله - عز وجل -:
( لا
تنفروا يعذبكم عذابا أليما، ويستبدل قوما
غيركم ولا تضروه شيئا ) .
ويعود
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ، من غزوته تلك
، ولم جاء كعبا قال"ما خلفك ياكعب ؟"
فيجيب بالصدق : "والله مكان لي من عذر" .
وياتي حكم الله في كعب أن يجتنبـه النـاس فلا
يكلموه ، فإذا به يطوف في الأسواق لا يشرق له
وجه ببسمة، ولاتنبس له شفة بكلمة، وطالت
عليه جفوة النـاس حتى صار حاله كما وصف الله :
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضـاقت
عليهم أنفسهم وكما وصف كعب نفسه : "تنكرت
لي في نفسي الأرض فما ير با لأرض ر الض كنت
أعرف " . هنا بالذات في وسط هذه المعاناة
النفسية الشديدة وبـين ألم القطيعة، وجفوة
الناس إذا به يتلقى رسالة ملكية من ملك غسان
يقول فيها: "إنه قد بلغنا أن
صاحبك
قد جفاك ولم يجعلك الله بدار مهانة ،
فالحق بنا نواسك " . إنها رسالة من ملك !
يعرض عليه أن يلحق به ليكون من رجال البلاط ،
وحاشية الملك وليتمتع بعد ذلك بكل مافي
القصور من ترف ، وكل مايعمرها من لذة . إنه
عرض يسيل لعاب أفواه كثيرة بعيدا عن هذه
الضغوط والمعاناة، فكيف بمن يتلقى هذا العرض
وهو يعاني ألم القطيعة ومرارة الهجران ؟ ! .
فكيف تلقى كعب هذا العرض ؟! ! . إنه لم يفكر في
الأمر كثيرا أو قليلأ، لم يقل لحامل الرسالة
دعني أتدبر أمرى وأرجع إليك الجواب غدا، كلا
إن قضية الولاء للإسلام كانت محسومة عنده
ليست محل بحث أو مراجعة، ولذا فما إن قرأ هذه
الرسالة حتى قال : "وهذه أيضا من البلاء،
ثم تيمم بالرسالة الملكية التنور فسجرها فيه
" . إنه الولاء للإسلام - أيها الأخ المبارك
لم يضفه وقوع في خطا! ولا قسوة عقوبة!
فهل نتعلم من كعب - رضي الله عنه -أن أخطاءنا
لن تكون في يوم سبئا يوهن ولاءنا للد ين
وحميتنا له وغيرتناعليه . ثم إلى موقف صحابي
آخر هو
أبو محجن الثقفي - رضي الله عنه- لقد كان هذا
الصحابي مبتلى بشرب الخمرفكان يجاء به فيجلد،
ثم يجاء به فيجلد، ولكنه لم يفهم أن هذا
يعفيه من العمل لدينه أو القعود عن نصرته ،
فإذا به يخرج مع المسلمين إلى القادسية
جنديا يبحث عن الموت مظانه ، وفي القادسية
يجاء به إلى سعدبن أبي وقاص وقد شرب الخمر،
فيعاقبه سعد وتكون العقوبة حبسه فلا يدخل
المعركة ، ولا يشارك في القتال . وكانت عقوبة
قاسية آلمت أبا محجن أشد الألم حتى إذا سمع
ضرب السيوف ووقع الرماح وصهيل الخيل و لم أن
سوق الجهاد قد قامت ، وأبواب الجنة قد فتحت
جاثت نفسه وهاجت أشواقه إلى الجهاد فعبر عن
حسرتـه بقيام سوق الجهـاد وهـو حبيس القيد
والسجن بقوله :
كفى
حزنـا أن ترتـدي الخيل بالقنـا وأتـرك
مشـدودا إلى وثـاقا
إذا
قمـت عنـا في الحـديد. وغـلقت مصـارع دوني قد
تصـم المـنـاديا فلله عهـد لا أخـيس بعـهـده
لئن فرجـت الخـوالـيا ثم
نادى امرأة سعد ابن أبي وقاص قائلا : خليني
فلله عي، إن سلمت أن أجيء حتى أضـع رجلي في
القيد، وإن قتلت استرحتم مني . فرحمت أشواقه
، واحترمت عاطفته وخلت سبيله ، فوثب على فرس
لسعد يقال لها البلقاء ثم أخذ الرمح وانطلق
لا يحمل على كتيبة إلا كسرها، ولا على جمع
إلا فرقه ، وسعد يشرف على المعـركـة ويعجب
ويقول : الكر كر البلقاء، والضرب ضرب أبي
محجن إ! حتى إذا انهزم العدو عاد أبومحجن
فجعل رجله في القيد فما كان من امرأة سعد إلا
أن أخبرته بهذا النبا العجاب وماكان من أمر
أبي محجن ، فاكبر سعد - رضي اللة عنه - هذه
النفس ، وهذه الغيرة على الدين ، وهذه
الأشواق للجهاد وقام بنفسه إلى هذا الشارب
الخمر يحل قيوده
بيديه الطيبتين ويقول : "قم فو الله لا
أجلدك في الخمر أبدا، وأبومحجن يقول : وأنا
والله لا أشربها أبد ا
" فانظر أيها الأخ المبارك إلى هذين
الرجلين كيف لم تعفهما الخطيئة، ولم تقعدهما
المعصيه عن الولاء للدين والعمل له !! .
أخي الحبيب ...
إن الخطايا ليست عذرا للتحلل من الولاء
للدين ، ولا من العمل له ، ولا من نصرته ، ولا
من النيرة عليه . ولولا ذلك لما انتصر للدين
منتصر، ولا قام به قائم . نعم أيها الحبيب
المحب إن الولاء للدين والغيرة عليه مسئولية
المسلم من حيث هومسلم مهماكان فيه من تقصير
ومهما قارف من إثم . مادام له بهذا الدين سبب
واصـل ، فما من مسلم يقف في صف المسلمين إلا
ويتحمل مسئولية في تاييد الدين ونصره : (
وعزروه
ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك
هم المفلحون ).
. هل تذكرت أخي أنك مؤ من هذه الأمة التي يجب
أن تكون في المقدمة في وقت تتسابق فيه الأمم
في صنع المستقبل ؟ ! ! . إننا في عصرينبغي أن
نقتحمه متحدين . فهل فكرت في إسهام حقيقي منك
في ذلك ؟إ! . . هل تذكرت أخي أن دينك هذا الذي
تدين الله به مستهدف بعداء مرير وكيد طويل ؟ !
. . واقرأ إن شئت "قادة
الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله و
لتقف على طرف من هذا العـداء فهل فكرت وإياك
في المواجهة؟!
! . . هل آلمتك مجازر المسلمين ورخص دمائهم
فإذا هي أرخص من ماء البحر واستهانة العالم
بمدن المسلمين تباد ودولهم تبتلع ؟! ! في
الوقت الذي تصاب فيه الدنيا بالأرق لرهينتين
غربيتين ! ! . فهل تحركت فينا أخي روح الجسد
الواحد؟! ! أيها
الحبيب المحب ...
هل فتشت في نفسي وفتشت في نفسك وتساءلنا كم
تبلغ مساحة الإسلام من خارطة اهتمامنا؟! ! .
كـم نبـذل للدين ؟! ! كـم نجهد للدين ؟! ! كـم
نهتـم للدين ؟! ! هل هو قضية حياتنا تتراء لنا
وتؤرقنا؟! ! أم قد رضينا بعبادات تحولت إلى
عادات ؟ ! ! إننا
يا أخي إذا لم ننفر لهذا الدين بكليتنا
فإنا - ورب البيت - نخشى أن ينالنا ذلك الوعيد
الشديد الذي تكاد السمؤات يتفطرن منه وتنشق
الأرض وتخر الجبال هدا، اسمعـه في قول ربك -
جل جلاله -: ( إلا
تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما
غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير)
ا التوبة، الاية: 139. لنعد السؤال على أنفسنا
مرة أخرى : كم
يعيش الدين في حياتنا؟!
! كم يشغل من مساحة اهتمامنا؟! !
ثم
أذن لي ياحبيبي بكلام أمر قليلا: هل أخذت
يوما كتاب الله فقرأته مستشعرا أن الله - جل
جلاله - بكبريائه وعظمته يخاطبك ويكلمك أنت
العبد الصغيرالذليل ؟إ إ. أي تكريم لك ذلك
التكريم العلوي ! ! . أي رفعة لك يرفعها هذا
التنزيل ! ! . أي مقام يتفضل به عليك الرب
الكريم إ! . يوم جعلك أهلا لتلقي خطابه .... هل
جلست يوما تربي نفسك بقراءة سيرة نبيك
وحبيبك محمد، ، صلى الله عليه وسلم الذي تؤمن
به وتعبد الله بشرعه
، الذي تحبه والذي أحبك ، واشتاق إلى لقائك .
نعم !
نبيك اشتاق إلى لقائك فقال و ددت أنا قد
رأينا إخواننا قالوا : أو لسنا اخوانك يارسول
الله ؟! قال : أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم
يأتوا بعد"
فهل اشتقت إليه كما اشتاق إليك ؟ أخرجه مسلم
من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه -.
.
أخي .. .
هل نظرت وإياك إلى إخواننا الصالحين
السابقين في الخـلو ات ، الذين هم أكثر منا
جدا في الطاعة، ونشاطا في الدعوة، وتوقيرا
للسنة؟ ! . هل نظرت إليهأ؟! ! فكيف كانت نظر تك
؟! . أما إني لا أود منك أن تزدريهم ولا أن
تخذلهم ولكن أحبهم تكن -لان المرء . مع من أحب
" ومحبتهم تستلزم نصرتهم والدفاع عن
أعراضهم والتعاون معهم . هل بذلتم جهدا في
الدعوة ولو كان قليلا؟؟. هل
أهديت لقريب أو زميل شريطا بعد أن سمعته أو
كتيبا بعد أن قرأته . وانظر الى ...
هذه المنكرات التي في مجتمعنا وقد غص بها لم
تنتشر في يوم وليله، ولكن انتشرت لأن واحدا
فعل وواحد سكت وهما شريكان في انتشار ذلك
المنكر. فهل استشعر ت وجوب مشاركتك في إزالة
المنكر؟ ! ! وعلمت أنة لابد أن تكون مساهما في
الإنكار! ! . اخي
. .. إن
في مجالسنـا ومجتمعنا من يشوش على الناس
مفاهيمهم ويلبس عليهم دينهم وينتقص أهل
الصلاح منهم ! ! . فهل وقفت منافحا ومدافعا
بالتي هي أحسن ؟! . لأنك تعلم أن السكوت حينئذ
خيانة للمبدأ، وجبن في الدفاع عن الحق الذي
تعتمده . . أخي
... لا
تكتف بالتعاطف مع الأخيار الأبرار وترى ذلك
فضلأ منك ولكنك تعلم أنه يجب عليك أن تكون
متعاطفا ومتعاونا لأنك تعلم أن ذلك من
مسؤليتك . اخي
وحبيبي ...
تذكر رعاك الله أنك بإيمانك ذو نسب عريق ضارب
في عمق الزمن ، وأنك واحد من ذلك الموكب
المبارك الذي يقوده ذلك الركب الطيب من
أنبياء الله ورسله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى
ومحمد، صلى الله عليهم وسلم : ( إن
هذه أمتكم أمة واحـدة وأنـا ربكم فاعبدون )
0 (الأنبياء، الاية : إنا نظن بك أخي أن تكون
معتزا بإيمانك ، واثقا من نفسك ، باذلا لدينك
مايمكنك بذله
، داعيا لمبدئك وقضيتك ، متميزا عن غيرك ممن
لا يهتم بهذا كله ، متميزا عن السلبيين الذين
نقول لهم كفوا أذاكم عن الناس فهو صدقة منكم
على أنفسكم اخي
..لا
اريد ان اهون عليك الخطايا فرب خطيئة كان
عقابها طمس بصيرة ، ولكن اقول ينبغي ان لا
تكون الذنوب خندقا يحاصرنا عن العمل لهذا
الدين وانت من هذا على ذكر أخي
الحبيب هذا
شجن من شجون اهاتف به قلبك الطيب بنصح المحب
ومحبة الناصح وإن في ايمانك ونقاء اعماقك ما
يطمع فيك كل من يريد الخير لك والله
أسأل ان يكلآك برعايته ويحوطك بعنايته
ويهديك ويسددك واستغفر الله لي ولك
. من كتاب رسائل الى الاحبة ..للشيخ عبدالوهاب الناصر الطريري |