قال
ابن القيم - رحمه الله -:
النفوس
ثلاثة. *
نفس
سماوية علوية،
فمحبتها منصرفـة إلى المعـارف ، واكتساب
الفضائل ، والكمالات الممكنة للإنسان ،
واجتناب الرذائـل ، وهي مشغوفة بما
يقربها من الرفيق الأعلى، وذلك قوتها
وغذاؤها ودواؤها، فاشتغالها بغيره هو
داؤها . *ونفس
سبعية غضبية،
فمحبتها منصرفة إلى القهر، والبغي ،
والعلوفي الأرض ، والتكـبر، والرئاسة
على الناس بالباطل ، فلذتها في ذلك
وشغفها به . *
ونفس
حيوانية شهوانية
، فمحبتها منصرفة إلى المأكل ، والمشرب ،
والمنكح . وربما جمعت الأمرين ، فانصرفت
محبتها إلى العلو في الأرض ، والفساد،
كـما قال الله - تعالى -: ( إن
فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا
يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي
نساءهم إنه كان من المفسدين ).
وقال في آخر السورة : ( تلك الدار الآخرة
نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض
ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) . والحب في
هذا العالم دائر بين هذه النفوس الثلاثة،
فأي نفس منها صادفت ما يلائم طبعها
استحسنته ، ومالت إليه ، ولم تصغ فيه
لعاذل ، ولم تأخذها فيه لومة لائم ، وكل
قسم من هذه الأقسام يرون أن ماهم فيه أولى
بالإيثار، وأن الاشتغال بغيره ،
والإقبال على سواه غبن وفوات حظ . فالنفس
السماوية بينها وبيني الملائكة والرفيق
الأعلى مناسبة طبعية بها مالت إلى أوصا
فهم ، وأ خلا قهم ، وأعما لهم. فالملائكة
أولياء هذا النوع في الدنيا والاخرة ،
قال الله - تعالى -. (
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا
تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي
الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم
فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم )
. فالملك
يتولى من يناسبه بالنصح له ، والإرشاد،
والتثبيت ، والتعليم ، وإلقاء الصواب على
لسانه ، ودفع عدوه عنه ، والاستغفار له
إذا زل ، وتذكيره إذا نسي ، وتسليته إذا
حزن ، وإلقاء السكينة في قلبه إذا خاف ،
وإيقاظه للصلاة إذا نام عنها، وإيعاد
صاحبه بالخير، وحضه على التصديق بالوعد،
وتحذيره من الركون إلى الدنيا، وتقصير
أمله ، وترغيبه فيما عند الله ، فهو أنيسه
في الوحدة، ووليه ، ومعلمه ، ومثبته ،
ومسكن جأشه ، ومرغبه في الخير، ومحذره من
الشر، يستغفر له إن أساء، ويدعو له
بالثبات إن أحسن . وإن بات طاهرا يذكر
الله بات معه في شعاره ، فإن قصده عدو
بسوء وهو نائم.
فصل
: والشياطين أولياء النوع الثاني ،
يخرجونهم من النورإلى الظلمات ، قال الله
- تعالى - . (
تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك
فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم
اليوم ،)
. وقال - تعالى -. (
كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه
إلى عذاب السعير)
*. وقال -تعالى (
ومن
يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر
خسرانا مبينا . يعدهم ويمنيهم وما يعدهم
الشيطان إلى غرورا أولئك مأواهم جهنم ولا
يجدون عنها محيصا)*
. وقال - تعالى - : ( وإذ
قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا
إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه
أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم
عدو بئس للظالمين بدلا
). فهذا النوع بين نفوسهم وبين الشياطين
مناسبة طبعية بها مالت إلى أوصافهم ،
وأخلاقهم ، وأعـمالهم ' فالشياطين
تتولاهم بضد ما تتولى به الملائكة لمن
ناسبهم ، فتؤزهم إلى المعاصي أزا ،
وتزعجهم إليها إزعاجا لا يستقرون معه ،
ويزينون لهم القبائـح ، ويخففونها على
قلوبهم ، ويحلونها في نفـوسهم ، ويثقلون
عليها الطاعات ، ويثبطونهم عنها
ويقبحونها في أعينهم ، ويلقون على
ألسنتهم أنواع القبيح من الكلام ومالا
يفيد، ويزينونه في أسماع من يسمعه منهم .
يبيتون معهم حيث باتوا ويقيلون معهم حيث
قالوا : ويشاركونهم في أموالهم وأولادهم
ونسائهم يأكلون معهم ، ويشربون معهم ،
ويجامعون معهم ، وينامون معهم . قال -
تعالى -: ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء
قرينا)*. وقال -تعالى-: (ومن
يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له
قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل
ويحسبون أنهم مهتدون .
حتى
إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد
المشرقين فبئس القرين )،
. فصل : وأما النوع الثالث فهم أشباه الحيوان ، ونفوسهم أرضية سفلية لا تبالي ، ! بغير شهواتها، ولا تريد سواها . - إذا عرفت هذه المقدمة فعلامات المحبة قائمة في كل نوع بحسب محبوبة ومراده ، : ! فمن تلك العلامات تعرف من أي هذه الأقسام هو. .. ------------------------------------------ موقع الشامسي98 للعلم والمعرفة وكل شي مفيد alshamsi98\index.htm |