بقلم/
د. حسن أبو غدة صفة
عظمى من صفات الإسلام، هنا تفرعت أفنانه،
وعليها التفت فروعه، وبها تجلى التمايز بينه
وبين غيره، من الأنظمة والمذاهب والفلسفات،
هذه الصفة هي كون تعاليم الإسلام وتشريعاته
حقائق عملية واقعية، لا أوهام فيها ولا
تخيلات ولا خرافة. وبعبارة
أخرى: إن ما يدعو إليه القرآن الكريم والسنة
النبوية! أمور موجودة في عالم الواقع، تدركها
الإفهام والعقول بعيدا عن الافتراض والتوهم
والتخيل، وهي مقدور عليها، بل هي كلها تلتقي
ببعضها في النهاية لتحقق معنى الارتقاء
بالمجتمع الإسلامي أفرادا وجماعات، في
الاعتقاد والتفكير والممارسات السلوكية. ليس
في الإسلام موضع للخرافات والأوهام، التي لا
تصل
إلى
شيء متحقق في واقع الحياة، كما
هو الشأن في بعض الملل التي ؤصف أصحابها
في قوله تعالى:{ وأنه كان رجال من
الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً}
[الجن: 16]. كما
أنه ليس في الإسلام تقديس لمخلوق أو خضوع له،
خضوعا يهدر إنسانية الإنسان الذي كرمه الله،
وجعله موضع تكليفه وتشريعه{
تعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون}
[الصافات 95 ـ 19]. لقد
جاءت شرائع الإسلام بالحقيقة، ودعت إليها،
وحاربت ما عداها من الخرافات والأوهام، قال
الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {فتوكل
على الله إنك على الحق المبين} [النحل: 79]
أي: الثابت الصادق الواضح الذي لا باطل فيه
ولا توهم. هذا،
وإن دعوة الإسلام إلى الحقيقة والواقع
المقدور عليه تبدو في عامة أحكامه وتشريعاته
وآدابه وفضائله: ففي
الاعتقادات كرر الدعوة إلى النظر في الكون
والحياة لمعرفة الله الخالق:{قل
انظروا ماذا في السماوات والأرض } [يونس:
101] وفي آية أخرى: {وفي أنفسكم أفلا
تبصرون} [الذاريات: 21]. وهو
قد نبه على إن التدين اتباع سبيل الحق،
الموصلة إلى النجاة في الدنيا والآخرة، كما
نبه على أنه لا يجتمع مع الإيمان وهم وخرافة،
روى البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: {ومن
الناس من يعبد الله على حرف} [الحج:
11]، أن الرجل كان يأتي المدينة مهاجرا مسلما،
فإن ولدت امرأته غلاما، ونتجت خيله ما يتمنى،
قال: هذا دين صالح. وإن لم يكن كذلك تشاءم وقال:
هذا دين سوء. فنزلت الآية لتؤكد أن لا تشاؤم في
الإسلام، حيث لا علاقة للتشاؤم بالأحوال التي
تعرض للإنسان في تقلبات حياته وصحته وعمله. وأما
دعوة الإسلام، حيث لا علاقة للتشاؤم بالأحوال
التي تعرض للإنسان في تقلبات حياته وصحته
وعمله. وأما
دعوة الإسلام إلى نبذ الأوهام والتمسك
بالحقائق في أمور العبادات والطاعات فيوضحها
ما رواه مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما بال هذا؟
قالوا: نذر ألا يتكلم، ولا يستظل ولا يجلس،
وأن يصوم، فقال: مروه، فليتكلم، وليستظل،
وليتم صومه، فإن الله غني عن تعذيب نفسه. لقد
جاء الإسلام فشرع أفعالا وأقوالا تزكي النفس،
وتبعثها
على
الكمال، والخير، وتحمل المسؤولية، فهو قد أمر
بالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وفرض
الصوم والحج والزكاة التي تشيع التقوى
والصلاح، وتوجد التعارف الخيـّر، والتكافل
البناء في المجتمع. وقل
نحو ما تقدم في باب الحلال والحرام من
المأكولات والمشروبات، إذ لم يحرم الإسلام
إلا ما في تناوله ضرر بالعقل أو الدين أو
البدن.. وما ليس كذلك فهو مباح، قال الله تعالى:
{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما
على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير..} [الأنعام:
145]، فأين من هذا ما حرمه المشركون على أنفسهم
تبعا لأوهامهم وخيالاتهم وأهوائهم؟{وقالوا
هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها
إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها} [الأنعام:138
]. وفي آية أخرى:{ما جعل الله من
بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة
ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله
الكذب وأكثرهم لا يعقلون} [المائدة: 103]. ومن
الحقائق المقدور عليها التي شرعها الإسلام في
العلاقات الاجتماعية ما قرره من إفشاء
السلام، وبذل المعروف، ومواساة المريض
وإماطة الأذى عن الطريق، ونحو ذلك مما ينشر
التعاون ويشيع الأمن، ويديم السلامة والمحبة
بين أفراد المجتمع، وكل هذا مما له صلة بحياة
الناس واحتياجاتهم العملية، بعيدا عن
التوهمات والتخيلات. وأما
المعاملات الحقوقية المدنية، فقد لاحظ
الإسلام فيها أن تكون واقعية حية في حياة
الناس وتعاطيهم، ولهذا نهى عن بيع ما ليس عند
الإنسان، ومنع بيع الثمار قبل بدو صلاحها،
مخافة العجز عن تسليم ذلك، وقال صلى الله عليه
وسلم: ((أ رأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحل
أحدكم مال أخيه)) حديث متفق عليه. وهكذا
يتضح أن نصوص الشريعة جاءت بالحقائق، وبنت
أحكامها على الواقع، بعيداً عن الأوهام
والخرافات والخيالات، التي لا تلبث أن ينطفئ
بريقها الزائف على أرض الحياة العملية. مجلة
الدعوة – العدد1597 – 21 صفر 1418 هـ – 26يونيو 1997م |