كان زوجي -رحمه الله - لين العريكة والطباع، ليس له بكيد النساء باع، فسلبته ما له من القوامة، وسيطرت على أموره بصرامة، وصرت أملي عليه الأوامر، حتى دارت على رأسي الدوائر، فدفعتُ ثمن هذا الضعف في الشخصية، حينما كثر الأولاد والرعية، واحتاجوا إلى أب حازم شجاع، يصلح ما فسد فيهم من الطباع، فتمرد علينا الأولاد،وكثر منهم العناد، وكان لأمرهم ينقاد. وحدث أن تزوج أخوه، ومات بعد ذلك أبوه، فانتقلت أمه لتعيش معنا في البيت، فكنت لها كالنار للزيت، وكانت أثقل عليَّ من الكابوس، وعينت أحد أبنائي برتبة جاسوس ليقوم بسماع ما تقوله عني من الكلام، حينما أكون نائمة أو في الدوام. وكنت أضع أخطاءها تحت المجهر، ولو لام زوجي على ضعفه أحد، فحاول أن يُصلح ما فسد، ضاعفت عليه النكد. وكنت أتقن فن النكد، من غير جهد ولا كد. غير أني قرأت بعض المجلات التي تقدم الطريقة للراغبات، بنكهة شرقية أو غربية، وكنت -والله- غبية. فلم أكن جاهلة بعاقبة العقوق، ولا بما للوالدين من حقوق، ولكن قاتل الله الكيد، فإنه لشرُّ قيد. وإني لأعلم أن منقلب العقوق شين، ولا أدري مَنْ سيردُّ عليَّ ذلك الدين. وبتدبيري جفا إخواته، وقطع عمومته، وهجر جدته، فكلهم لنا كارهون ،وإيانا يحسدون، ولمالنا يريدون، هكذا كنتُ قد أوهمته، وحبل الصلة بيننا قطعتهُ. حتى كان لا يذكرهم إلا في العيد،وربما أرسل تهاني من بعيد. واليوم أحصد ما زرعت، وأنثر ما جمعت، فلا أحد يطرق عليَّ الباب، أو يسأل عن ألمي والعذاب إلا أخ له ذو خلق ودين، لم يأبه بما صنعتُ من شرٍ متين، ولم يقابل الإساءة بمثلها بل دفنها وصفح عنها. وإن كان أبنائي لا يطيعون أمره، فلأنهم لا يعرفون قدره. فلم أعلمهم قط احترام العم، ولا حق الرحم والدم. ومن يشابه أمه فما ظلم! وأختم الكلام هذا اليوم، وأقرأ في عيونكم اللوم، وإياكم والدعاء عليَّ، فقد جنيت ما صنعت يديَّ، وأخلصت لله التوبة، وأسأله أن يغسل الحوبة. نشر في مجلة (الأسرة) عدد (75) بتاريخ (جمادى الآخرة 1420هـ
|