إذا انتهى العام عمد صاحب المؤسسة التجارية إلى دفاتر الحسابات وراجع كل شيء ومن ثم وضع خططاً مستقبلية لتفادي تكرار الخسائر ، أو لزيادة الربح . كذلك الدول كبيرها وصغيرها كلما انقضت سنة سوت ميزانياتها حتى تصحح الأخطاء التي وقعت فيها خلال العام المنصرم ، فما بال كثير منا تمر به سنوات العمر تباعاً دون أن يفكر أو يراجع فيها حساباته ، فإن فكر وأحصى اقتصر همها فيما كسب من حطام الدنيا وما خسر ولم يفطن إلى الحساب الحقيقي الذي سينتهي به إلى النار أو يفوز بالجنة . وهكذا تمضي السنون دون وقفة صادقة مع النفس فإن خطر بباله ذات ليلة أن يفعل ارتكبه الهم من كثرة ما فرط وضاق صدره وجاءه الشيطان بخيله ورجله فأفسد عليه تلك الوقفة . إذا فقد أحدنا مالاً أقام الدنيا وأقعدها ، وإذا فقد عزيزاً عليه انقلبت حياته ولو لأيام كدراً وضيقاً فكيف الحال به إذا فقد جزءاً من عمره لا يستطيع تعويضه ولا عزاء له إلا إن كان قدم عملاً صالحاً ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون . أشعر بالدهشة وتصيبني الحيرة تجاه بعض الناس ، فمنهم من تمر به ساعات أول يوم من العام الجديد دون أن يحرك ساكناً بل ويتهرب من حساب النفس فهل تبلد الإحساس ولم يعد للرقيب مكان ولا لجرس الضمير صوت حتى يوقظ لديهم بعض الشعور بالتقصير فيهبوا من غفلتهم !! وأسوأ منهم من يستغلون تلك الساعات في الاحتفالات ، بالعام الجديد ، وليس فيما يحتفلون به عمل صالح يقابلون به وجه ربهم ، إنهم في غفلة وجهل فمن أضاع شيئاً لا يقيم الأفراح والليالي الملاح بهجة وسروراً بل يبكي دماً عوضاً عن الدموع . في نهاية كل عام نقترب من الآخرة ، وإن فاتك عام فبين يديك عام جديد فلا تضيعه فما يدريك فقد يكون آخر عام في عمرك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعذر الله إلى مرئ آخر أجله حتى بلغ ستين عاماً ) . أعذر الرجل أي بلغ الغاية في العذر . قال العلماء معناه لم يترك له عذراً إذا أمهله هذه المدة . أخي : لقد أهدى الله إليك عاماً جديداً فيه ما يزيد عن الخمسين جمعة في كل واحدة ساعة استجابة ولك رمضان فيه ليلة القدر خير من ألف شهر وعاشوراء وعشر ذي الحجة إلى غير ذلك من سائر الأيام التي يمكن أن تملأها بذكر الله فادعُ الله أن يبلغك تلك الأيام وتنعم بها على طريقة المؤمن الصالح . كتبه الدكتور حسن بن محمد الخضيري حفظه الله . |