بسم
الله الرحمن الرحيم
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
د. نادية العوضي
ربما
تجدها كلها أو بعضها، وربما تكتشف أن ابنك
يلعب غدا قريبا بنموذج مصغر لها، ما دام
الصينيون قد فكوها، فأبشر.. كل شيء سيكون
مقلدا بدقة، ورخيصا لأقصى درجة"، هذا
بالضبط ما أجابني به أحد خبراء هندسة
الطيران العسكريين، عندما سألته عن
الطائرة الأمريكية التي ضبطها الصينيون
متلبسة بمراقبتهم ، فكان جزاؤها أن يتم
فكها قطعة قطعة، والكشف عن أسرارها، ويا
حسرة قلب صانعيها الأمريكان بعدها.
أشعلت قضية الطائرة الأمريكية فضول
الملايين لمعرفة نوعية المهمة التي يقوم
بها مثل هذا النوع من الطائرات، كما بدأ
الناس يبحثون عن الجديد والمثير في عالم
الجاسوسية.
الطائرة الجاسوسية
حسب تحليلات مصادر عسكرية عديدة، فإن
احتجاز الدولة الصينية للطائرة الأمريكية
تعتبر خسارة عسكرية فادحة بسبب ما تحتويه
الطائرة من أجهزة حساسة للغاية من الناحية
الأمنية.
فالطائرة والتي هي من نوع EP-3E ARIES II تعتبر
جوهرة تاج البحرية الأمريكية من حيث قدر!
تها على جمع المعلومات شديدة الحساسية؛
فتلك الطائرة محمّلة بأجهزة استقبال
وهوائيات قادرة على اعتراض وتحليل
الاتصالات اللاسلكية العسكرية والمدنية،
بالإضافة إلى الأنواع الأخرى من
الاتصالات الإلكترونية من بريد إلكتروني
وأجهزة فاكس واتصالات تليفونية، ويمكن
للقوات الأمريكية من خلال تحليل هذه
الاتصالات التعرف على خطط وتحركات القوات
الصينية حالة السلم والحرب.
هذه الطائرة التي تتكلف 36 مليون دولار
قادرة على الطيران لما يزيد عن اثنتي عشرة
ساعة ولمسافة 3000 ميل بحري، أي ما يوازي 5555
كيلومترا. ويوجد من هذا النوع حوالي 12
طائرة لدى البحرية الأمريكية وتتسع لـ24
فردًا هم طاقم الطائرة الكاملة ما بين
طيارين وتقنيين. والطائرة بها أربعة
محركات وطولها 32.28 مترا وعرضها بالجناحين
30.36 مترًا. ويتوقع أن تكون الطائرة قد
اتجهت إلى سواحل الصين من القاعدة
الأمريكية المتواجدة باليابان.
وقد كانت مسئولية تلك الطائرة هي القيام
برحلات منتظمة على السواحل الصينية من أجل
معرفة وتحديث شفرات الاتصال الخاصة
بالأجهزة الصينية من خلال التعرف على
التوقيع الإلكتروني ومصدر وتردد هذه
الاتصالات، والتي يت! م تغييرها بشكل
مستمر من أجل تمويه السلطات الأمريكية.
ومع أن تعليمات وزارة الدفاع الأمريكية
واضحة لطاقم مثل هذه الطائرات بالنسبة
لضرورة تخريب الأجهزة الحساسة وأية
معلومات سرية موجودة على الطائرة حال
وقوعها في أيدي العدو، فإنه حتى ما يتبقى
بعد عملية التخريب من معالجات processors قوية
للغاية ودوائر إلكترونية شديدة السرعة لا
تمتلك مثلها الدولة الصينية يمكن
استغلالها من أجل بناء قذائف باليستية
وأسلحة نووية وأنظمة لاقتفاء أجهزة
الرادار شديدة الحساسية.
القديم والجديد في عالم الجاسوسية
وعالم الجاسوسية مليء دائما بالأجهزة
المتخصصة من أجل أداء المهمات الصعبة.
فهناك الكاميرات صغيرة الحجم لتصوير
المستندات الهامة، والتي يمكن للجاسوس
إخفاؤها في كعب حذائه، ثم هناك علبة
السجائر التي استخدمها جاسوس "الكي جي
بي" "نيكولاي خوخلوف" في أوائل
الخمسينيات، والذي كان ينطلق من السجائر
المزيفة التي بها رصاصات مسممة.
هناك أيضا الشمسية ذات الطرف المدبب
المسموم، والتي استخدمت لقتل المنشق
البلغاري "جيورجي ماركوف" في أثناء
ركوبه أحد الأتوبيسات في لندن. ثم هناك
الأجهزة الحديثة و! التي يمكن شراؤها من
الأماكن المتخصصة أو حتى من على الإنترنت
مثل التليفون المحمول المجهز بجهاز تخليط
يقوم بتغيير شفرات الاتصال 150 مرة في
الثانية؛ مما يعطي للمتكلم الأمان التام
من أجل نقل المعلومات الهامة دون الخوف من
التنصت.
أو الجهاز الصغير الذي يخبرك بوجود متنصت
لمكالماتك التليفونية أو الجهاز الذي
يخبرك بمكان وجود أجهزة التنصت بمنزلك أو
الساعة اليدوية المجهزة بكاميرا الفيديو
أو الجهاز الصغير الذي يركب في لوحة
المفاتيح الخاصة بكمبيوتر أحد الأشخاص،
والذي يسجل الأصوات الصادرة في أثناء
الكتابة على لوحة المفاتيح للتعرف على كل
حرف يضغط عليه، وبالتالي يستطيع التعرف
على ما يكتبه الشخص المتجسس عليه على
جهازه الخاص!! وغيره وغيره.
ومع طرافة وربما فائدة هذه الأجهزة
بالنسبة لبعض الجواسيس، فإن عالم
الجاسوسية في حقيقة الأمر قد أصبح أعقد
وأكثر تقنية من مثل هذه الأجهزة بكثير.
الأقمار الصناعية
تمثل الأقمار الصناعية ربما أهم طرق
التجسس في الوقت الحالي، ويمثل التواجد
الأمريكي في الفضاء الخارجي حوالي 90% من
المواصلات الفضائية. هناك أنواع عديدة من
الأقمار الصناعية؛! فهناك مثلا الأقمار
الخاصة بالتقاط الصور والتي تمر فوق أية
نقطة على الكرة الأرضية مرتين يوميا.
تتراوح قدرة التبين لهذه الأقمار ما بين 10
سنتيمترات إلى حوالي متر واحد.
وقد حدثت تطورات هامة في تكنولوجيا تحليل
الصور الملتقطة بحيث أصبح من الممكن تكوين
صورة ثلاثية الأبعاد تبعًا للمعلومات
القادمة من الفضاء الخارجي والتي استخدمت
عام 1995 في تزويد الطيارين بالمعلومات
اللازمة عن الأهداف المنشودة في البوسنة،
كما تستخدم في اكتشاف نقاط ضعف المناطق
الواقعة تحت حراسة مشددة والتابعة لكبار
تجار المخدرات من أجل اقتحامها.
هذا بالإضافة إلى وجود ملف كامل من هذه
الصور ثلاثية الأبعاد لدى الحكومة
الأمريكية تقوم بتوضيح جميع مصانع
الأسلحة العراقية، والتي كان يتم عرضها
على فرق التفتيش قبل سفرها إلى العراق.
وباستطاعة هذه الأقمار أيضا الرؤية عبر
السحب وليلا، بل وباستطاعة بعضها اكتشاف
التحركات القائمة تحت سطح الأرض!!، وكلنا
ما زلنا نتذكر قدرات الأقمار الصناعية
الأمريكية التي اكتشفت المقابر الجماعية
المحفورة حديثا، والتي استخدمتها الناتو
كأحد أدلة التطهير العرقي الذي قام به
الصرب ضد! ألبان كوسوفا.
هناك نوع آخر من الأقمار الصناعية تقوم
بالاستطلاع الإلكتروني، وربما أبرزها هي
شبكة التجسس "إيتشالون"، والقادرة
على اعتراض ملايين الاتصالات التليفونية
ورسائل الفاكس والبريد الإلكتروني يوميا
من العالم أجمع. ومع أن الشبكة تسيطر عليها
الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الدول
الناطقة بالإنجليزية بريطانيا وكندا
وأستراليا ونيوزيلندا تشترك معها فيها.
وقد صممت شبكة "إيتشالون" في أول
الأمر منذ حوالي عشرين سنة من أجل مراقبة
الاتصالات العسكرية والدبلوماسية
للاتحاد السوفييتي وحلفائه من دول الكتلة
الشرقية. ولكن تحولت مهمتها الرسمية بعد
انتهاء الحرب الباردة للكشف عن خطط
الإرهابيين وتجار المخدرات والاستخبارات
السياسية والدبلوماسية. وقد قام الاتحاد
الأوروبي العام الماضي باتهام الحكومة
الأمريكية باستخدام الشبكة من أجل التجسس
الصناعي.
وقامت الدول المشاركة في الشبكة بإنشاء
محطات أرضية للاعتراض الإلكتروني،
وبإنشاء أقمار صناعية لالتقاط جميع
الاتصالات للأقمار الصناعية والموجات
الصغرى والاتصالات الخلوية واتصالات
الألياف الضوئية. تقوم الشبكة بتفنيد
الإشارات المعترضة ! في كمبيوترات ضخمة
تسمى بالقواميس، والمبرمجة على البحث في
كل اتصال عن كلمات أو عبارات أو عناوين أو
حتى أصوات معينة ومستهدفة. كل دولة من
الدول المشاركة في الشبكة مسئولة عن
مراقبة جزء معين من الكرة الأرضية.
هناك بالإضافة إلى هذين النوعين من
الأقمار الصناعية أقمار الإنذار المبكر،
والتي تكتشف إطلاق الصواريخ من أراضي
العدو، وأقمار اكتشاف الانفجارات النووية
من أجل متابعة التجارب النووية للدول
المختلفة.
عصر الإنترنت والكمبيوتر
دخول الحاسب الآلي إلى أغلب الأجهزة
الحكومية وغير الحكومية بل وإلى الكثير من
المنازل، بالإضافة إلى انتشار الإنترنت
انتشار النيران في الحشائش الجافة قد أدى
إلى دخول عصر جديد من التجسس أيضا.
يقول أحد الجواسيس السابقين إن 90% من
المعلومات التي يحتاجها أي جاسوس يستطيع
أن يحصل عليها من المصادر العامة.
والإنترنت قد جعل المصادر العامة متوفرة
بشكل لم يسبق له مثيل. كما أن الكثير من
الاتصالات تحصل من خلال البريد
الإلكتروني وغرف الدردشة، والتي نتيجة
مراقبتها تحصل الدول على معلومات هامة
للغاية. هذا بالإضافة إلى إمكان اختراق
أجهزة الكمبيوتر الخ! اصة عبر الإنترنت من
خلال أجزاء الكمبيوتر المفتوحة دائما مثل
المودم أو آلات الطباعة.
ويوفر الإنترنت أيضا سبيلا للاتصال ما بين
الأنظمة أو الجماعات المختلفة أضمن إلى حد
ما من طرق الاتصال التقليدية؛ بسبب سعة
الإنترنت الهائلة وبالتالي صعوبة مراقبة
جميع الاتصالات القائمة بها، كما أن
الإنترنت يوفر لتلك الجماعات بل وللأجهزة
الحكومية الباحثة عن مجندين جدد في أجهزة
الاستخبارات لديها ساحة خصبة للتعرف على
الناس ومعرفة المناسب منهم للتجنيد.
وهكذا، وباختصار شديد نرى كيف يراقب
العالم بعضه البعض بإحساس مستمر من الريبة
والشك والترقب
|