الـلبن
الرائـب غـذاء
.. ودواء د.
حسان شمسي باشا
وردت
كلمة اللبن في القرآن الكريم في قوله تعالى
: (
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في
بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا
للشاربين ) النحل آية 66 وقال
تعالى في وصف الجنة : (
مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من
ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه
وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل
مصفى ... ) ( محمد آية 15 ) وذكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل اللبن (
الحليب ) على غيره من الطعام فقال : "
من أطعمه الله طعاما ، فليقل اللهم بارك لنا
فيه وأطعمنا خيرا منه ، ومن سقاه الله لبنا
فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، فإنه
ليس شيء يجزىء من الطعام والشراب غير اللبن
" (
رواه أحمد وأبو داود ) واللبن
في اللغة هو ( سائل أبيض يكون في إناث
الآدميين والحيوان ) وهو ما يطلق عليه الناس
اسم ( الحليب ) . ولكن هذه التسمية تطلق في
العديد من البلدان على ( اللبن الخاثر) . أو (
اللبن الرائب ) أو ( اللبن الزبادي ) ، تمييزا
له عن الحليب . وتخـتلف
تسميات اللبن الرائب من بلد إلى آخر ، فهو
يعرف في مصر والسودان باسم (
اللبن الزبادي ) ، في حين يعرف في المملكة
العربية السعودية وسوريا ولبنان والأردن
وفلسطين باسم ( اللبن ) . وفي الهند باسم (
الداهي ) وفي اللغة التركية باسم (يوغورت)،
ومنها دخلت اللغة الإنجليزية ( Yogurt
)
واللغات الأوروبية الأخرى كالفرنسية
والإيطالية واليونانية وغيرها . أين
اكتشف اللبن الرائب ؟ تقول
دائرة معارف ( Everyman
)
: " إن اللبن الرائب قد اكتشف صدفة من قبل
البدو والعرب حينما كانوا يحملون الحليب في
أوعية مصنوعة من معدة الغنم . فقد تخمر هذا
الحليب بفعل جرثومة اللبن الموجودة في معدة
الغنم ، وساعدت على هذا التخمر حرارة
الصحراء . واستخدم اللبن الرائب لأول مرة في
التاريخ في شبه الجزيرة العربية وبلاد
الشام. ومن هناك انتشر إلى جميع أنحاء
العالم . وقد
انتقل اللبن الرائب إلى الغرب أثناء الحروب
الصليبية ، وظلت طريقة تركيب اللبن سرا لا
تعرفه إلا قصور الملوك في أوروبا . ويقال
بأن ( فرانسوا الأول ) ملك فرنسا كان يعطى
اللبن الرائب كغذاء حينما أصيب بالتهاب
الأمعاء ، إلى أن شفي تماما من هذا المرض .
وبعدها انتقلت صناعة اللبن إلى بيوت الناس
في أوروبا " . وقد
دخل اللبن الطب الشعبي الحديث في القرن
التاسع عشر حينما أعلن الدكتور (
ميتشنكوف ) الذي كان يعمل في معهد باستور -
أن تناول اللبن يطهر الأمعاء من الجراثيم ،
وأن اللبن علاج للشيخوخة وتدهور حالة الجسم
. ويقول
كتاب Food
& Nutrition
طبعة
1992 م أن استهلاك اللبن الرائب في بريطانيا
قد تضاعف 4 مرات ما بين عام 1970 م وعام 1980 م
وأن الإنجليز يستهلكون مائة ألف طن من
اللبن في العام الواحد . كيف
يتشكل اللبن الرائب ؟ اللبن
هو عبارة عن حليب تخمر بواسطة إحدى
الجراثيم المفيدة والتي تسمى ( العصية
اللبنية البلغارية ) . وتقوم هذه الجراثيم
بتخثير الحليب وتحويل سكر اللاكتوز في
الحليب إلى حمض اللبن ، إذا ما توفرت لها
الشروط المناسبة من حرارة ورطوبة وغذاء . ويصنع
اللبن بإضافة ملعقة من لبن جاهز ، وتسخين
الحليب إلى درجة حرارة 43ْ م ثم يحفظ في مكان
دافئ بدرجة 37ْ - 44ْ لمدة 6 - 8 ساعات . ماذا
تقول الأبحاث العلمية الحديثة عن اللبن ؟ استعمل
سكان حوض البحر المتوسط اللبن الرائب لقرون
عديدة في معالجة الإسهالات واضطراب
الأمعاء . وقد تمكن الباحثون حديثا في
أمريكا من عز سبعة مضادات حيوية من اللبن
الرائب . وبعض هذه المضادات أقوى من
التتراسيكلين . وأظهرت
الدراسات الحديثة أن اللبن الرائب يفيد في
القضاء على الجراثيم المسببة للتسمم
الغذائي . وأهمها السالمونيلا والجراثيم
العنقودية . ودلت
دراسات أخرى من أمريكا وإيطاليا أن بإمكان
اللبن الرائب منع حدوث الدزنتاريا ( الزحار
) . ومن العادات المتبعة في مستشفيات وسط
أوروبا إعطاء اللبن للأطفال المصابين
بالإسهالات . ويقول
الدكتور ( شاهاني ) من جامعة نبراسكا في
الولايات المتحدة - وهو أحد أكثر الباحثين
خبرة في العالم بالحليب ومشتقاته - : " إن
اللبن الرائب يفيد في منع حدوث الإسهالات
والدزنتاريا أكثر منه في علاجها " . ولا
يقوم اللبن بفعل مضاد للجراثيم فحسب ، بل إن
الأبحاث الحديثة من الولايات المتحدة تؤكد
أن اللبن يقوي الوظيفة المناعية لخلايا
الجسم . اللبن
الرائب والسرطان : هناك
دلائل علمية تشير إلى أن اللبن الرائب قد
يفيد في الوقاية من سرطان القولون . فقد
لاحظ الباحثون في بوسطن أن اللبن يمكن أن
يثبط الإنزيمات التي تحول المواد
الكيميائية غير الضارة في الأمعاء إلى مواد
مسببة للسرطان . وقد
نشر الدكتور ( لي ) من فرنسا دراسة لاحظ فيها
أن أكثر النساء تناولا للبن كن أقل عرضة
للإصابة بسرطان الثدي من غيرهن . اللبن
كغذاء : جاء
في كتاب Food
& Nutrition
طبعة 1992 م أن اللبن مفيد : 1.
كغذاء للذين يعملون على إنقاص وزنهم ، فإن
الـ 100 غرام من اللبن الرائب تعطي
25 سعرا حراريا فقط . 2.
يفيد في طعام الرضع حين البدء بإدخال
الأطعمة إلى غذاء الرضيع بدلا من الحليب . 3.
يستعمل عند الناقهين من الأمراض . 4.
يستعمل كحلوى بعد الطعام وذلك بإضافة
الفواكه كالفراولة والموز إلى اللبن
الرائب. واللبن
غذاء سهل الهضم ، فقد نشرة مجلة اللانست
الطبية تقول : " في حين يهضم 33% من الحليب
بعد ساعة واحدة من تناوله ، فإن 91 % من اللبن
يهضم في الوقت نفسه ، كما أن بإمكان معظم
المصابين بعدم تحمل سكر اللاكتوز ( وهم
الذين يشكون من غازات شديدة وإسهالات بعد
تناول الحليب ) أن يتناولوا اللبن بدون
انزعاج . اللبن
الرائب والشيخوخة : أعلن
العالم ( ميتشنكوف ) أن الذين يعيشون فوق
المائة عام هم من آكلي اللبن الزبادي لأنها
تحتوي على بكتيريا تصل إلى الأمعاء ، وتكون
بيئة تمنع دخول الجراثيم غير المرغوب فيها .
وقد أطلق عليه في البلقان اسم ( غذاء العمر
الطويل ) لاحتوائه على مواد بروتينية ذات
قيمة حيوية عالية ، وعلى أغلب المواد
المعدنية اللازمة للجسم . واللبن
هو من أهم مواد التغذية عند الأتراك ، ولا
تكاد تخلو منه مائدة في أي وجبة من وجبات
الطعام . وربما كان ذلك سبب احتفاظ الأتراك
بقوتهم ونشاطهم في سن متأخرة . فعدد الذين
يتجاوزون المائة عام أكثر من عشرة في
المليون ، بينما لا يعمر إلى تسعة في كل
مليون أمريكي . ويفيد
اللبن المسنين الذين يعانون من ضعف في
العظام ، وسقوط الأسنان ، فهو من أفضل
العلاجات في مثل تلك الحالات . واللبن
الرائب (الزبادي) يعتبر غذاء سهل الهضم ،
يوفر على الناقهين عملية الهضم الطويلة مع
الغذاء العادي . وتستعمل النساء اللبن
الرائب في العناية ببشرتها وجلدها . وهكذا
يظل اللبن الرائب ( الزبادي ) الغذاء
المتكامل للكبار والصغار ، والطعام البسيط
الرخيص الذي يتربع على عرش الغذاء حين
المرض ، وحين تعاف النفس الأنواع الدسمة من
الطعام ، وكأنه عجلة النجاة التي يقدمها
الله تعالى لهذا المريض . جدول
يبين محتوى 100 غرام من اللبن
|