لا يخلو بيت من مشكلات عائلية بين الزوجين، هذا شيء طبيعي ولا نظن أن أحداً يختلف حوله، خصوصاً إذا كانت من نوعية المشكلات الاعتيادية التي تنجم عن تقلبات الأمزجة واختلاف الطباع بين الأزواج. نحن هنا لا نتحدث عن ذلك ولا نبحثه. ما نقصده بالضبط هو تلك الصور الصارخة من الخلافات التي قد تهدد الحياة الأسرية برمتها. هل يمكن أن توجد في الواقع الأسرة المثالية الخالية من الخلافات، والتي يعيش أطرافها في مودة وطمأنينة كاملة؟ - الإجابة بالنفي الكلي للأسف، وهي إجابة ليست من عندنا، وإنما مستقاة من الحقائق اليومية التي نعيشها أو نسمع عنها باستمرار. قبل أن تتهمنا بالمبالغة أو التشاؤم، اقرأ هذه الدراسة الميدانية التي تم خلالها استطلاع آراء نحو مائة سيدة، اخترن كعينة عشوائية، لتعرف أكثر عن هذا الموضوع. بعدها نقدم رأي اختصاصيتين مهتمتين بالبحث في العلاقات الزوجية ودراستها ميدانياً، إحداهما من زاوية علم النفس العلاجي، والأخرى من علم الاجتماع. ولكننا نبدأ بنتائج الاستطلاع: تبين الإجابات المتعلقة بأبرز المشكلات الزوجية التي يواجهها أفراد العينة، أن هناك اختلافاً في طبيعة هذه المشكلات ومدى حدتها، ولكنها تراوحت بشكل عام ما بين الصور التالية: (بقاء الزوج فترة طويلة خارج المنزل - الاختلاف المستمر في الآراء ووجهات النظر - تباين أسلوب كل منهما في تربية الأبناء - المسائل المادية - الكذب - تدخل أهل الزوج في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأسرة- المشكلات الجنسية والعاطفية). بالنسبة للطالبات: (مشكلة التوفيق بين الواجبات الدراسية ومتطلبات الحياة الزوجية والأبناء، ورغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين أو الاختلاط في المجتمع المحيط - العناد - اختلاف ميول الزوج ورغباته عن الزوجة - الغيرة الشديدة - الأنانية - فارق العمر - انعدام الحوار - انخفاض المستوى الثقافي والاجتماعي للزوج مقارنة بالزوجة - الرغبة في إنجاب الكثير من الأبناء - عدم إعطاء الزوجة الحرية أو الثقة في تصرفاتها الشخصية - عدم تحمل المسؤولية - عدم فهم كل طرف لشخصية الآخر - إفشاء أسرار البيت - النظرة الدونية للمرأة - إنفاق المال في غير محله - العمل المرهق خارج المنزل - ضعف المدخول المادي - التسلط - التلفظ أمام الأطفال بكلمات غير لائقة - الخيانة). أما الإجابة عن السؤال: إذا كانت درجة الخلافات الزوجية تزيد أم تقل في بداية الزواج مقارنة بالسنوات التي تلي ذلك، فقد أعربت (46%) من المشاركات عن أن هذه المشكلات تقل حدتها بمرور السنين، في حين قالت (36%) إن مرور السنوات يعمق من هذه الخلافات ويزيدها. أما النسبة الباقية (18%) فقلن إن الوضع يظل على ما هو عليه دون زيادة أو نقصان! يبدو أن هناك العديد من المسببات التي تؤدي إلى زيادة درجة الخلافات الزوجية أو نقصانها بمرور السنين، فبالنسبة للّواتي قلن إن المشكلات تزيد في بداية الحياة الزوجية عنها فيما بعد، فقد بررن أسباب ذلك في الآتي: - لأن وجود المشكلات المزمنة منذ البداية يزيد من حدتها فيما بعد - زيادة حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الطرفين وكذلك الحال بالنسبة لمتطلبات الأبناء - زيادة الهوة بين الطرفين بمرور الوقت - ترك الزوج العنان لنفسه في التعامل مع الزوجة دون مراعاة للمجاملة أو الذوق - اعتقاد كل طرف أن المشكلات التي تمر بها الأسرة ترجع لأخطاء الطرف الآخر فقط - عدم حسم المشكلات منذ البداية يزيدها فيما بعد - ظهور المواقف الفجائية باستمرار خلال سنوات الزواج قد يزيد من درجة سوء التفاهم بين الزوجين. الفئة الأخرى من العينة التي قالت إن الخلافات بين الزوجين تقل بمرور الوقت عللت ذلك بالأسباب التالية: - زيادة فهم كل طرف لطباع الآخر وعاداته وبالتالي يعرف الأشياء التي يحبها فيفعلها والعكس صحيح - العشرة والتعود يزيدان غالباً من المودة والرحمة بينهما - زيادة تجربة كلٍّ من الزوجين ونصحه - في البداية يحاول كل طرف فرض رأيه على الآخر، إلا أن ذلك يقل فيما بعد - تقارب الأفكار بمرور السنين - تفهم الطرفين نوعية الأشياء التي تؤدي إلى نشوب الخلاف فيحاول كلاهما تجنبها - اعتقاد كل طرف أن مصيره مرتبط بالآخر فيحاول الحفاظ عليه. * الحوار المباشر... أولاً تبين أن ما يزيد على (87%) من إجابات أفراد العينة يفضلن الحوار المباشر تحديداً مع أزواجهن لحل أية مشكلات، وفسرن ذلك بأنه أقصر الطرق لحل أي خلاف ينشب، وقلن إن تدخل أطراف أخرى سيزيد من حدة المشكلات حتماً. لكن نسبة ضئيلة من أفراد العينة (9%) قلن إنهن يفضلن الاستعانة بأطراف أخرى للمساعدة في حل المشكلات ولاسيما من الأهل، في حين لم تمانع أخريات من الاستعانة بأطراف من خارج دائرة الأهل شريطة أن تتوافر لديهم رجاحة العقل وأن يكونوا مصدرة ثقة من جانب الزوجين. وأخيراً تأتي النسبة الأقل (4%) اللاتي قلن إنهن يلجأن لوسائل أخرى لحل الخلافات أبرزها كتابة الرسائل المتبادلة التي توضح وجهة نظرهن في المشكلة المثارة! كم نسبة اللاتي اعتقدن أن مشكلة معينة مع الزوج ستهدد حياتها الزوجية برمتها؟ - (63%) من العينة أجبن بأن بعض الخلافات كادت تؤدي إلى وقوع الانفصال لمرات متعددة، في حين قالت (22%) إن ذلك لم يحدث سوى مرة واحدة. والنسبة الباقية (15%) قلن إن ذلك لم يحدث على الإطلاق. أما المواقف التي كادت تؤدي إلى وقوع الطلاق فيمكن سردها في الآتي: عدم توافق المزاج -عدم القدرة على التوفيق بين الدراسة ومتطلبات الزوج - خلافات مع أهل الزوج - سفرياته بمفرده - خلاف حول راتب الزوجة - ذهاب الزوجة إلى منزل أهلها دون علم الزوج - تدخل والدته في موضوع خلاف أدى لتعميقه - عزائم الزوج التي لا تنتهي - إصرار الزوج على أن تنجب زوجته أكثر من عشرة أبناء - عند تطاوله بكلام بذيء - إصرار الزوج على أن تترك زوجته دراستها الجامعية - تنازله عن حقه في الميراث ونسيان حق أبنائه. وهكذا يتبين من الحالات السابقة أن بعض الخلافات بين الزوجين يمكن أن تؤدي إلى انفصالهما إذا لم يتم معالجة ذلك بشكل سليم ومسؤول من الطرفين. وإن كان يعوق ذلك - كما يبدو من النتائج - إلقاء كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر حسب اعتقاده. لاشك أن الأطفال هم أكثر أطراف هذه المشكلة دفعاً لثمن الخلافات الزوجية، وهو ما بدا واضحاً أيضاً في إجابة أفراد العينة عن سؤال يتعلق بتأثر الأطفال بالمشكلات التي تقع بين الأبوين. فقد قالت (57%) من العينة إن الأطفال يتأثرون للغاية، و(29%) قلن إن التأثير محدود. والنسبة المتبقية (14%) قلن إن الأطفال لا يتأثرون بهذه الخلافات، وإن كن أرجعن ذلك إلى حرص الأبوين على إبعاد الأطفال عن أسباب هذه الخلافات قدر الإمكان. وقد تراوحت هذه التأثيرات بين التأخر الدراسي والاضطرابات النفسية والأرق والانطوائية. اما الأسباب التي تقف وراء الخلافات الزوجية، وكيف يمكن تجنبها، وهل هناك من وسيلة لوأد خلاف ما بين زوجين قبل أن يستفحل خطره إلى طريق مسدود؟! هذه الأسئلة- وغيرها- تتبادر إلى الذهن دائماً كلما وردت إلينا في عيادة العلاج النفسي حالة مزمنة من حالات الخلافات الزوجية، بعدها مباشرة ننسى الأسئلة وننغمس مع أطراف المشكلة في بحث جميع التفاصيل لعلنا نتمكن من الوصول إلى حل يرضى عنه الطرفان معاً. مع ذلك، تظل الأسئلة تفرض نفسها علينا باستمرار، ومهما أجهدنا النفس في البحث عن الإجابات، إلا أنه من الواضح أن الخلافات الزوجية تكاد تكون من سنن الحياة ونواميسها، وستبقى قائمة طالما وجدت الأسباب التي تؤجج نيرانها وهي بلا شك كثيرة ومتعددة. غير أننا نكتفي هنا بالحديث عن أكثرها انتشاراً، وبالمناسبة، فإنها قصص من أرض الواقع المعاش. ولنبدأ بالحديث عن أبرز أسباب الخلافات الزوجية: الكذب موجود في حياة الإنسان بشكل أو بآخر وبمختلف درجاته وفي بعض الأحيان يكذب الإنسان بغرض الإصلاح، كما أن الحياة الزوجية لا تخلو من وجود حالات من الكذب سواء من جانب الزوج أو الزوجة، ولكن الذي نعنيه بالتحديد هو الكذب المزمن الذي قد تبدأ الحياة الزوجية به. من ضمن الحالات التي توضح ذلك سيدة حضرت لطلب المشورة من العيادة النفسية بعد أن اكتشفت أن زوجها مقترن بأخرى منذ عام كامل. الغريب أن تلك السيدة لم تكن تمانع من حيث المبدأ في زواجه ومع ذلك فإنه ظل ينكر اقترانه بأخرى لفترة طويلة رغم وجود الأدلة اليقينية التي تؤكد ذلك. مع العلم بأن هذا الشخص يشغل منصباً مرموقاً، وعلى قدر عال من التعليم. وفي النهاية وبعد أن تمت مواجهته بالحقائق، اعترف بزواجه الثاني مع إلقائة المسؤولية على المجتمع المحيط به. المشكلة الأخطر التي تكمن وراء الكذب المزمن بين الأزواج هي أنه يترتب عليه كذب آخر وهكذا وقد بدا ذلك بشكل واضح في حالة الزوج الذي تحدثنا عنه منذ قليل، حيث إنه دأب أيضاً على الكذب على زوجته في معظم ما يتعلق بالمعاملات اليومية. قد يرجع السبب في مثل هذه الحالة إلى الأنانية الشديدة لهذه الشخصية وعدم الثقة بالنفس. فرغم خطأ السلوك الذي يقوم به، إلا أنه يريد فعله باستمرار ثم ينكره فيما بعد أو يحاول البحث عن مبررات له. الشخص الذي يكذب وهو مدرك لذلك، من المحتمل أنه يعاني توترات أو قلقاً أو عدم قدرة على النوم ومن الممكن علاج هذه الأعراض دوائياً في حال إذا لم يكن المريض قادراً على الخضوع لبرنامج علاجي سلوكي، وهنا يدخل الطبيب النفسي لمعالجة هذه الأعراض، أما إذا خضع المريض للعلاج السلوكي فيقوم بذلك المعالج النفسي، فإذا كان مثل هذا المرض له ذيول اجتماعية، أو ذو علاقة بالزوجة أو الأهل في هذه الحالة تتولى الاختصاصية الاجتماعية مهمة إيجاد حلول لهذه المشكلة. من الطريف أن هناك اعتقاداً شائعاً يشير إلى أن المرأة أكثر كذباً من الرجل، لكن الواقع يدل على أن هذه الصفة يشترك فيها الطرفان معاً، أما التفسير العلمي لمقولة أن المرأة أكثر كذباً، فهو أنها دائماً ما تفسر الأشياء بمشاعرها، وبالتالي فهي تتخيل بعض الأمور بناء على هذا التفسير، كما قد يضطر الإنسان أحياناً إلى الكذب لخوفه من شيء ما أو تجنباً لوقوع بعض المشكلات مع الطرف الآخر وهذا ينطبق على الرجل والمرأة بالقدر نفسه. وبشكل عام، عندما تصل مشكلة الكذب لمرحلة إحداث الضرر والأذى للطرف الآخر في الحياة الزوجية فهنا تعد من السلوكيات غير المقبولة، عندئذ يتم تحديدها فيما إذا كانت مشكلة أم اضطراباً أم مرضاً، وذلك بناء على نوعية الضرر التي تقع على الآخر، فإذا كانت شديدة جداً بحيث تتسبب في أزمات نفسية للمحيطين بشكل يصعب معالجته في عدة أيام فهذا يكون في حاجة إلى تدخل علاجي نفسي سلوكي. الشتم والإهانات نقصد بذلك الحالات السافرة من أحد الزوجين تجاه الطرف الآخر والتي قد تطول العِرض والشرف، لأن ذلك يشكل أهمية لا تضاهى، سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، فإذا تعرض أحد الزوجين لذلك من الطرف الآخر، خصوصاً أمام الأبناء، فإن المشكلة تزداد تعقيداً لأنه يؤدي إلى تشويه صورة أحد الزوجين أو كليهما أمام الأبناء، وهذا ما حدث بالفعل في حالة سيدة جاءت إلى العيادة النفسية فقد تبين من قصتها أن الابن عندما يكبر سيفكر حتماً في مدلول هذه الاتهامات وبالتالي قد يفقد ثقته في والديه وتصبح علاقته بالآخرين مضطربة خصوصاً تجاه الجنس الآخر، لأن الإنسان يعيش على القدوة منذ نعومة أظافره، وغالباً يكون القدوة هو الأب أو الأم سواء كانا قدوة حسنة أو سيئة. قالت إحدى السيدات اللواتي يخضعن للعلاج النفسي نتيجة تعرضها لإهانات مستمرة من الزوج، الذي تربطها به صلة قرابة شديدة إنها لم تسمع في منزل أهلها مثل هذه الإهانات على الإطلاق، الغريب أن زوج هذه السيدة يكن لها حباً كبيراً كما تحكي الزوجة نفسها، ومع ذلك فهو دائم الإقدام على إهانتها، دون أسباب تدعو لذلك في معظم الأحيان. التذبذب في اتخاذ القرار تلك الحالة تقودنا إلى مشكلة عائلية أخرى، منتشرة إلى حد ما وهي التذبذب في اتخاذ القرار من جانب الزوج. بمعنى موافقته على شيء ما في يوم معين ثم رفضه في اليوم التالي مباشرة. هذه الحالة نطلق عليها الشخصية المزدوجة. القسوة والتعسف عندما تبدأ الفتاة حياتها الزوجية فإنها تحلم دائماً بتكوين أسرة مثالية، أحياناً تستعين ببعض الكتب التي تعينها على الوصول إلى ذلك الهدف فتكون المحصلة توفر كمية ممتازة من المعلومات، ولكن طريقة تفكيرها قد تكون خاطئة وربما تتعامل مع الزوج بنوع من الشدة أو القسوة. لدينا سيدة يعاني زوجها السمنة المفرطة، وقد أدى ذلك إلى إصابته بجلطة قلبية فنصحه الأطباء المعالجون بتخفيض وزنه فكانت زوجته تعامله بتعسف شديد في كل ما يتعلق بالطعام، حيث ثبت فيما بعد إن الوسيلة المتبعة كانت سيئة للغاية وكادت تأتي بنتائج عكسية. نقول لمثل هذه السيدة إنه من الممكن أن تطبقي النظام ولكن بطريقة صحية وسليمة، مثل التحكم في أصناف الأكل وكميته بشكل لطيف غير مستفز لا يجعل الزوج يتأفف منه على اعتبار أن الحياة الزوجية بحاجة إلى المرونة من الطرفين باستمرار. في بعض الأحيان ينالنا العجب من النظرة القاسية التي تنظر بها المرأة إلى زوجها في أثناء الاحتدام أو الشجار بينهما. مثل هذين ننصحهما دائماً بألا ينسيا وهما في غمرة الانفعال أن كلاً منهما يتحدث مع شريك الحياة وأنهما توجد بينهما أشياء مشتركة كثيرة وأنهما ليسا عدوين. فإذا كان الشجار بين الزوجين ينشب لرغبة كل طرف في إثبات أنه على صواب في قضية ما، فلابد من التوصل في هذه الحالة إلى حل عن طريق المناقشة الهادئة وإظهار الود في أثناء النقاش أو كلما سنحت الفرصة لذلك. الشك كثيراً ما تسبب الشك في انهيار الأسر، فالشك دائماً ما يؤدي إلى وقوع الطلاق لأنه لا يوجد إثبات عليه، وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. ومع ذلك، فهناك نوعية من الناس يفسرون التصرفات العادية والبسيطة على الوجه السيئ. ومثل هذا الشخص يكون «شكاكاً» بطبعه سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة. وهنا نلفت الانتباه إلى أنه إذا كنا ندعو للصراحة ونشجع عليها، إلا أن ذلك يجب أن يعتمد على نوعية الشخص الذي نقوم بمصارحته، ففي بعض الأحيان تكون الصراحة هي المعول الذي يهدم الحياة الزوجية. عدم تحمل المسؤولية من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشاراً بين الأزواج أن نرى بعض الشباب يعقد قرانه ثم ينجب أطفالاً وبعد ذلك قد يتوقف عن الإنفاق على أسرته تماماًَ، كما أننا شاهدنا بعض الزوجات اللواتي يخرجن للمستشفيات في وقت متأخر من الليل لعلاج أطفالهن ويكون أزواجهن في المنزل، في حين يتغيب آخرون عن منازلهم لعدة أيام متوالية دون أي سبب وقد يبررون ذلك بأن من حقهم الذهاب لأصدقائهم بعد يوم عمل شاق. هناك بعض الأزواج من الذين تعمل زوجاتهم يجبرون زوجاتهم على الإنفاق على البيت والأبناء، فإذا رفضت الزوجة ذلك ينشأ الخلاف بينهما في حين أن الشرع والأعراف تفرض على الرجل وحده الإنفاق على البيت، وغير ذلك يعد استثناءً. الزوجة النكدية اضطرتني إحدى الزوجات الخاضعات للعلاج النفسي أن أعلمها كيف تكون مرحة، فقد لاحظت أنها دائمة العبوس في أثناء حديثها، فبدأت في تدريبها على كيفية التخلص من ذلك ونصحتها بالتوقف عن سماع الأغاني الحزينة والأفلام التراجيدية، حيث اتضح فيما بعد أن هذه الأشياء كانت من أهم أسباب مشكلاتها الدائمة مع الزوج. تلك السيدة نفسها لم تكن تمارس أي نوع من الهوايات، فكانت حياتها «رمادية» الطابع، بما في ذلك ألوان الملابس التي ترتديها داخل المنزل وطريقة تزينها. حتى هي نفسها فوجئت بذلك، وقالت فيما بعد إنها لم تكن منتبهة إلى هذه السلوكيات فكان العلاج عن طريق تغيير معظم هذه الأشياء. العناد توجد حالات طلاق متعددة، سببها الأساس هو العناد المتبادل بين الزوجين في حين تكون أوجه العلاقة الأخرى بها الكثير من الإيجابيات، إلا أن هذه الصفة «العناد» أو الإصرار على موقف ما، تعقد المشكلات كثيراً وتوصلها إلى طريق مسدود، رغم أن المشكلة كان يمكن حلها بقليل من التنازل أو الكلمة الطيبة. والواقع أن الزوجة تستطيع أن تجعل الطرف الآخر «الزوج» يفعل ما تريده هي ولكن بشكل غير مباشر، ومع الحفاظ على كرامة الزوج، ويمكن لها هنا أن تتذكر الأسلوب الذي كانت تتبعه معه في فترة ما قبل الزواج والمتميز غالباً بالود والرقة، وهو أسلوب من الأولى أن يتبع بعد الزواج، لأن استمرار الزوجة في الحفاظ على أسرتها شيء مهم للغاية وأكثر صعوبة من الفترة التي تسبق ذلك. أتذكر حالة زوجية استمرت أكثر من 35 عاماً ثم انتهت بالطلاق، ورفض الزوج أي نقاش حول الموضوع أو أي محاولة للإصلاح، وعندما ناقشناه في الأسباب قال إنه اتخذ قرار الطلاق بعد سنوات قليلة من الزواج لكنه أجل التنفيذ لوجود الأبناء الصغار فانتظر حتى يكبروا. لقد اتضح أن السبب في ذلك أن الزوجة كانت ترفض الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه الزوج وتنتقد ذلك باستمرار، وكانت دائمة الخروج من المنزل، مع إهمال متطلبات الأسرة، بالإضافة إلى أنها كانت تقتطع من مصروف البيت وتنفقه في أشياء أخرى مختلفة. إنها إذن مجموعة من التراكمات أدت إلى ما آلت إليه هذه الأسرة. توفر الرغبة في العلاج أهم شيء في العلاج النفسي لمثل هذه الحالات وغيرها أن تتوفر الرغبة لدى المريض في العلاج، من قبيل إقراره بأن الأسلوب الذي تعامل به مع زوجته يسبب لها ضرراًَ وقد يؤدي إلى فقدانها. مثل هذا الشخص يتقدم بنفسه لطلب العلاج وتكون النتائج إيجابية للغاية. لقد ثبت إن أنجح وسيلة للتخلص من العادات السلوكية الخاطئة هو أسلوب الثواب والعقاب، لذلك فإننا نقوم بوضع قائمة بالأشياء التي يحبها الشخص الخاضع للعلاج السلوكي، وقائمة أخرى بالأشياء التي يبغضها، يتم عمل جداول مطبوعة وإن كانت تختلف من عيادة نفسية لأخرى. نحن نسمح لمن يخضع للعلاج بهذه الطريقة أن يخالف بعض بنود الاتفاقية مرتين فقط في الأسبوع الأول، فإذا زادت المخالفات عن ذلك يحرم من أحد الأشياء التي يحبها أو أن يعمل شيئاً لا يحبه، ولكن هذه الطريقة لكي تنجح لابد أن تتم برضا الطرفين. والحقيقة أن بعض أطراف المشكلات الزوجية يكونون على استعداد تام لتقبل أي وسيلة علاجية لأنهم يشعرون بأنهم وصلوا إلى طريق مسدود مع الطرف الآخر فيقبلون التعاون مع المعالج النفسي في كل ما يطلبه منهم. في الإطار نفسه فإنه في مقابل التزام الزوج مثلاً بما جاء في الجدول الذي تحدثنا عنه آنفاً، يكون على الزوجة أيضاً الالتزام ببعض البنود الأخرى، وفي حال مخالفتها لبعضها تطبق عليها عقوبات أيضاً. وغالباً فإن الزوجة تكون درجة استجابتها أكثر من الزوج لأنها المتضررة في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه. «ما تحدثنا عنه سابقاً هو الخطوة الأولى في العلاج السلوكي، وهي دائماً ما تكون المرحلة الأصعب. لأن النجاح فيها يكون حافزاً للاستمرارية نحو الخطوات الأخرى». إذا اضطررنا لتطبيق العقاب فلابد أن يكون معلوماً لمن يقع عليه أن الهدف دائماً الإصلاح وليس التدمير، وبالمناسبة فإن ذلك ينطبق على الكبار والصغار معاً. فعندما يقع المرء في خطأ ما لأول مرة فمن الممكن التغاضي عنه، وفي حالة تكراره فلابد من توقيع العقاب عليه حتى نساعده في الإقلاع عنه، وتُذكر أمام هذا الشخص أنواع العقوبات المحتملة حتى يكون على قناعة بأن العقاب لا يهدف إلى تدميره وإنما مساعدته على إصلاح نفسه. من المهم أن نشير في النهاية إلى أنه حتى يستمر الزواج بشكل سعيد ورضي فلابد أن يظل الحب والعواطف والاشتياق بين الطرفين. فقد يشتكي أحدهما بعد سنوات طويلة من الزواج بأن الطرف الآخر لا يحاول التجديد وبالتالي أصبح في الحياة معه الكثير من الملل، ومثل هؤلاء ننصحهم دائماً بأن يأخذوا المبادرة بأنفسهم فلابد لأحد الطرفين أن يبدأ لكي يحفز الطرف الآخر على القيام بالفعل الإيجابي
|