سئل فضيلة
الشيخ ابن عثيمين
( رحمه الله )
: عن أنواع الشرك ؟.
فأجاب بقولـه : سبق في غير هذا الموضع أن التوحيد يتضمن إثباتا ونفيا ، وأن
الاقتصار فيه على النفي تعطيل ، والاقتصار فيه على الإثبات لا يمنع المشاركة فلهذا
لا بد في التوحيد من النفي والإثبات ، فمن لم يثبت حق الله ـ عز وجل ـ على هذا
الوجه فقد أشرك .
والشرك نوعان : شرك أكبر مخرج عن الملة ، وشرك دون ذلك .
النوع الأول : الشرك الأكبر وهو ( كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن
دينه ) مثل أن يصرف شيئا من أنواع العبادة لله ـ عز وجل ـ لغير الله ، كأن يصلي
لغير الله ، أو يصوم لغير الله ، أو يذبح لغير الله ، وكذلك من الشرك الأكبر أن
يدعو غير الله ـ عز وجل ـ مثل أن يدعو صاحب قبر ، أو يدعو غائبا ليغيثه من أمر لا
يقدر عليه إلا الله ـ عز وجل ـ وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم .
النوع الثاني : الشرك الأصغر وهو ( كل عمل قولي ، أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف
الشرك ، ولكنه لا يخرج من الملة ) مثل الحلف بغير الله فإن النبي ،صلى الله عليه
وسلم ، قال ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) . فالحالف بغير الله الذي لا
يعتقد أن لغير الله ـ تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله فهو مشرك شركا أصغر ،
سواء كان هذا المحلوف به معظما من البشر أم غير معظم ، فلا يجوز الحلف بالنبي ، صلى
الله عليه وسلم ، ولا برئيس ولا وزير ، ولا يجوز الحلف بالكعبة ،ولا بجبريل ، ومكائيل ؛ لأن هذا شرك ، لكنه شرك أصغر لا يخرج من الملة .
ومن أنواع الشرك الأصغر : الرياء مثل أن يقوم الإنسان يصلي لله ـ عز وجل ـ ولكنه
يزين صلاته لأنه يعلم أن أحدا من الناس ينظر إليه فيزين صلاته من أجل مراءاة الناس
فهذا مشرك شركا أصغر ؛ لأنه فعل العبادة لله لكن أدخل عليها هذا التزيين مراءاة
للخلق ، وكذلك لو أنفق ماله في شيء يتقرب به إلى الله لكنه أراد أن يمدحه الناس
بذلك ، فإنه مشرك شركا أصغر ، وأنواع الشرك الأصغر كثيرة معلومة في كتب أهل العلم .
-----------------------------------
وسئل فضيلة الشيخ ابن
عثيمين
( رحمه الله )
: هل قوله ـ تعالى ـ ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) يشمل
الشرك الأصغر. ؟
فأجاب قائلا : اختلف في ذلك أهل العلم : فمنهم من قال يشمل كل شرك ولو كان أصغر
كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره ، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى
فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها .
وشيخ الإسلام اختلف كلامه ، فمرة قال : الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر ، ومرة
قال : الذي لا يغفره الله هو ا لشرك الأكبر .
وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا ؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر
لأن قوله ( أن يشرك به ) ( أن ) وما بعدها في تأويل مصدر تقديره ( إشراكا به) فهو
نكرة في سياق النفي فتفيد العموم .
-------------------------------
سئل فضيلة الشيخ ابن
عثيمين
( رحمه الله )
: عن الجمع بين قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم
الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة ) . وكذلك ما وقع إبان ظهور الشيخ
محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ وقوله ، صلى الله عليه وسلم ، ( إن الشيطان
يئس أن يعبد في جزيرة العرب ) ؟ .
فأجاب فضيلته قائلا : الجمع بين النصوص المذكورة أن يأس الشيطان أن يعبد في جزيرة
العرب لا يقتضي عدم الوقوع لأنه لا يعلم الغيب ، فالشيطان لما رأى تخليص الجزيرة من
الشرك وتوطيد دعائم التوحيد ظن أن لا شرك في الجزيرة بعد هذا ، لكن النبي ، صلى
الله عليه وسلم ، الذي ينطق بوحي من الله ـتعالى ـ أخبر أنه سيكون ذلك .
وأما وقوع ذلك في الجزيرة إبان ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ
فلا يخلو إما أن يكون لقلة العلماء ، أو لعجزهم عن الإصلاح لغلبة الجهل وكثرة الجهال . والله أعلم بحقيقة الحال .
----------------------------
سئل فضيلة ابن
عثيمين
( رحمه الله )
: عن حكم الرياء ؟:
فأجاب قائلا : الرياء من الشرك الأصغر ، لأن الإنسان أشرك في عبادته أحدا غير الله
، وقد يصل إلى الشرك الأكبر ، وقد مثل ابن القيم ـ رحمه الله ـ للشرك الأصغر بـ
(يسير الرياء ) وهذا يدل على أن كثير الرياء قد يصل إلى الشرك الأكبر .
قال الله تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان
يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ـ الكهف : 110 .
والعمل الصالح ما كان صوابا خالصا ، والخالص ما قصد به وجه الله ، والصواب : ما كان
على شريعة الله . فما قصد به غير الله فليس بصالح ، وما خرج عن شريعة الله فليس
بصالح ويكون مردودا على فاعله لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : ( من عمل عملا
ليس عليه أمرنا فهو رد ) وقال : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
الحديث . قال بعض العلماء : هذان الحديثان ميزان الأعمال فحديث النية ميزان الأعمال الباطنة والحديث الآخر ميزان الأعمال الظاهرة .
---------------------------------
سئل فضيلة الشيخ
ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء ؟:
فأجاب قائلا : حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء أن يقال اتصال الرياء على ثلاثة
أوجه:
الوجه الأول : أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل كم قام يصلي لله
مراءاة الناس من أجل أن يمدحه الناس على صلاته فهذا مبطل للعبادة.
الوجه الثاني : أن يكون مشاركا للعبادة في أثنائها : بمعنى أن يكون الحامل له في
أول أمره الإخلاص لله ، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة ، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:
الحالة الأولى : أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها فأولها صحيح بكل حال ، وآخرها باطل
. مثال ذلك رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة ،
ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية ، فالأولى صدقة صحيحة مقبولة ، والخمسون
الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص .
الحال الثانية : أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين :
الأمر الأول : أني دافع الرياء ولا يسكن إليه بل يعرض عنه ويكرهه ، فإنه لا يؤثر
شيئا لقوله ، صلى الله عليه وسلم ، ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما
لم تعمل أو تتكلم ) .
الأمر الثاني : أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه ، فحينئذ تبطل جميع العبادة لأن
أولها مرتبط بآخرها . مثال ذلك أن يبتدئ الصلاة مخلصا بها لله تعالى ، ثم يطرأ
عليها الرياء في الركعة الثانية فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها .
الوجه الثالث : أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها
لأنها تمت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك .
وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ
من العبادة ، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة ، لأن ذلك دليل إيمانه ،
قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن)، وقد
سئل النبي ، صلى الله عليه وسلم ،عن ذلك فقال ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) .
-----------------------------------
سئل فضيلة الشيخ
ابن عثيمين
( رحمه الله )
: يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة
فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج ؟:
فأجاب بقولـه : يجاب عن ذلك بأمور :
أحدهما : أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها ، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل
في الحقول النافعة للخلق ؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات ،
والناس لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية
سليمة .
الثاني : أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب
العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد .
الثالث : أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا ، وحسنى الآخرة فلا شيء
عليه في ذلك لأن الله يقول : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا
يحتسب ) ـ الطلاق : 2 ـ 3 . وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي .
فإن قيل : من أراد بعمله الدنيا كيف يقال بأنه مخلص ؟.
أجيب : أنه أخلص ولم يرد بها الخلق إطلاقا فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته
بل قصد أمرا ماديا من ثمرات العبادة ، فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما
يتقرب به إلى الله ويرد أن يمدحوه به ، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه
فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة .
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على إن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات
يحولونها إلى فوائد دنيوية فمثلا يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب ، وفي
الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب ا لوجبات ، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية
هي الأصل لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة ، ولذلك بين الله
تعالى ، في كتابه عن حكمة الصوم ـ مثلا ـ أنه سبب للتقوى ، فالفوائد الدينية هي
الأصل ، والدنيوية ثانوية ، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي
الدينية ، وعندما نتكلم عند من لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي
الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال .
-----------------------------------
سئل فضيلة الشيخ ابن
عثيمين
( رحمه الله ) : عندما يهم الإنسان بعمل الخير ، يأتي
الشيطان فيوسوس له ويقول : إنك تريد ذلك رياء وسمعة . فيبعد عن عمل الخير ، فكيف
يمكن تجنب مثل هذا الأمر ؟:
فأجاب فضيلته قائلا : يمكن تجنب مثل هذا الأمر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
، والمضي قدما في فعل الخير ، ولا يلتفت إلى هذه الوساوس التي تثبطه عن فعل الخير ،
وهو إذا أعرض عن هذا واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم زال عنه ذلك بإذن الله .
|