بغشوتها* الغليظة غطت وجهها المستدير ، بعد أن اغرورقت عيناها بالدموع خشية أن تراها النسوة المجتمعات لصلاة التراويح في رمضان .كانت تسبقهن دائما إلى المسجد بفترة طويلة ، أذهلت النساء من حولها .. تتهامس النسوة مندهشات
- متى أتت إلى المسجد ؟!
- ألم تفطر ؟!
- لعلها أفطرت بسرعة مما جعلها محور اهتمام بعض المتطفلات ، لذا قامت إحداهن مرة فأسرعت بالخروج إلى المسجد بعد الفطور بنصف ساعة ، غير أنها فوجئت بوجودها في ركن النساء تتلو القران بخشوع وهي تبكي بحرقة ، فخاب أمل المتطفلة في معرفة وقت وصولها للمسجد بالضبط ، مما أثار الرغبة في التطفل عند أخرى فجعلها تستعجل الفطور فتذهب مباشرة إلى المسجد ، بيد أنها كسابقاتها صدمت لرؤية تلك الشابة جاثية على ركبتيها تبتهل وتتضرع ، فضربت المسكينة صدرها بعنف لسوء حظها هي الأخرى ، غير أن امرأة ثالثة رفضت الاستسلام فعقدت على أن تفطر وهي في الطريق للمسجد ، لا تلوي على شيء سوا معرفة موعد وصول تلك العابدة للمسجد ، مسرعة الخطى غير آبهة بشعرها الذي لم تستره جيدا ، مما أثار فضول أعين الرجال فتسابقوا خلفها ..!!
وما أن انتهت إلى حيث أرادت , حتى صعقت لمرآها ساجدة تبكي وتدعو بصوت مخنوق ، مما جعلها تذيع بين النساء حانثة أن الأخيرة لاتفطر أبدا ، ولم يقف الأمر إلى هذا الحد بل تناقلت سيرتها الألسن الأنثوية ، تلو كها كل يوم خمس مرات ، إلى أن صرحت إحداهن بقولها :
- (هذه المرأة لا تصوم أصلا !!)
نساء حمقى .. تأكل الغيرة أجسادهن حتى في التدين ، يراقبنها باهتمام بل وصل الحد إلى أن تتعقبها بعض النسوة السيئات السيرة من أولئك اللاتي لا يعرفن الصلاة أصلا ، أو من اللاتي جمعتهن دور اللهو والفسوق ، وهاهي الغيرة تجمعهن في دور العبادة وبيت الله ، حيث يدخلن وراءها ، سعيا لانتقاص أمر مشين عنها ، أو نقيصة تفضحها بين الأشهاد ، فتراهن يمسكن المصحف ، وبأيديهن تنقلب صفحاته ، بينما أعينهن لا تزال تحيط بها .
الصلاة قضيت والنسوة انشغلن بلملمة عباءاته وطوي السجاد من تحتهن ، أما هي فقد اعترتها حالة بكاء هستيرية ، يعلو نحيبها مع محاولاتها كتمانه ، خشيت أن يصل صوتها آذان الرجال ، فأطبقت شفتيها محاولة كبت أنينها وتأوهاتها ، غير أن في حلقها غصة تجبرها على البكاء ، فانخرطت في البكاء من جديد ..
النسوة من أمرها حيارى ، فلم يعتدن منها هذا البكاء من قبل ، لهذا وقفن منها وقفت المتفرج فحسب ، فلم تشأ واحدة منهن تهدئتها والتهوين من خطبها ، وأخذن يتغامزن فيما بينهن ..
- دعوها لعلها تهدا بعد قليل .
- بحالتها هذه .. لن تهدا أبدا .
- مسكينة .. لعلها عصت ربها.. وهذه ساعة توبتها .
- لعلّها !!.. بالفعل هي عاصية لربها .. أما ترين نحيبها لابد أنها ارتكبت إثما عظيما .
- قد تكون فرطت في الصلاة كثيرا .. لم نكن نراها في رمضان الفائت .
- وكيف تصلي وهي لاتعرف لصلاة أصلا ؟
- بنات اليوم لم يعد لديهن الوقت للصلاة .. كل أوقاتهن للمعاكسات والكلام الفاضي .
- يبدو أنها كانت من بنات الحرام .
- استغفر الله العظيم .. أتكون قد..لا..لا..لا أتوقع .
- بل توقعي يا أختي .. فشكلها يدل على أنها ذات تاريخ اسود مليء بالسهرات الماجنة واللبس الخليع .
- لا .. أنت تبالغين كثيرا .. إن الموضوع فيما يبدو لي مجرد معصية صغيرة .. ربما كانت تعصي أمر والدتها وتعق أباها .
- امثل هذه عندها أهل ؟! .. لا تكوني طبيبة قلب .. لاشك أنها كما توقعت .
- جمالها لاند له .. لاغرو أن جاهرت بمفاتنها .
- حسرة علينا .. لو كنا في جمالها .. ربما فعلنا فعلتها .
- حاشاي أن اعمل هذا الفعل المشين .. اللهم احفظنا يا حفيظ .
- انظري إليها لقد هدأت الآن .
هبت امرأة منهن متوجهة نحوها ، لا للتخفيف عنها بل لمعرفة سبب بكائها ، لكنها تراجعت القهقرى لان الشابة أومأت برأسها أن دعوني وشأني ، فأدركت ذلك وانسحبت تجر أذيال الخيبة عائدة إلى رفيقاتها .. قتل الله الفضول .. يفضح صاحبه دائما ..
قامت الشابة من مكانها ، بعد أن أصلحت هندامها ومسحت آثار الدموع وبقايا الكحل المبعثرة على خدها ، واتجهت قاصدة باب الخروج في مصلى النساء ، ماسحة بنظراتها المنخفضة كل من كان ينظر إليها .. عجائز شمط .. نساء كبيرات .. شابات يافعات .. فتيات صغيرات ..
كلهن تهامسن عنها ..  لماذا ومتى وكيف وأين وووو ..
-----------------------
 الغشوة : غطاء الوجه  (قماش شبه شفاف )

أم طلال - ثرمداء