تسلية أهل المصائب

ذكر  أبو الفرج بن الجوزي  : أن ذا القرنين ، لما رجع من مشارق الأرض و مغاربها ، و بلغ أرض بابل ، مرض مرضاً شديداً ، فلما أشفق أن يموت ، كتب إلى أمه : يا أماه ، اصنعي طعاماً ، واجمعي من قدرت عليه ، و لا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة ، و اعلمي هل وجدت لشيء قراراً باقياً ، و خيالاً دائماً ؟ ! إني قد علمت يقيناً ، أن الذي أذهب إليه خير من مكاني ، قال : فلما وصل كتابه ، صنعت طعاماً ، و جمعت الناس ، و قالت : لا يأكل هذا من أصيب بمصيبة ، فلم يأكلوا !!! ، فعلمت ما أراد ، فقالت : من يبلغك عني أنك وعظتني فاتعظت ، و عزيتني فتعزيت ، فعليك السلام حياً و ميتاً .

 

فإذا علم المصاب أنه لو فتش العالم ، لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، فسرور الدنيا أحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلا أبكت كثيراً ، و إن سرت يوماً ساءت دهراً ، و إن متعت قليلاً منعت طويلاً ، و ما ملأت داراً حبرةً إلا ملأتها عبرةً و ما حصلت للشخص في يوم سروراً ، إلا خبأت له في يوم شروراً .

 

قال  عبد الله بن مسعود  ـ رضي الله عنه ـ : لكل فرحة ترحة ، و ما ملىء بيت فرحاً إلا ملىء ترحاً . و قال  ابن سيرين  : ما كان ضحك قط إلا كان بعده بكاء .

فليعلم العبد أن فوت ثواب الصبر و التسليم هو الصلاة و الرحمة و الهداية في قوله تعالى : " إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " .