قصة المسامير
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا
الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ». صحيح
مسلم
يحكى
انه كان يوجد اب وابنه يعيشان معا , وكان ذلك الابن صعب المراس عصبي المزاج الى درجة انه كان يصعب على والده او من حوله ارضاؤه , فكان
دائم سريع الغضب لأتفه الأسباب , كان يملاء الدنيا صيحا وصراخا بالقبيح من الكلام اذا
ما اغضبه احد ما، عن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم ، قَالَ : (( مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ
المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ
البَذِيَّ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
فاذا
بأحد الايام وقد عقد الاب الحكيم العزم على ان يعطى ابنه درسا فى الاخلاق , وانه قد حان الوقت ليتعلم مايفيده فى حياته بعد
يقينه من استحالة استمرار ولده على ذلك
الحال . فاذا
بالاب يوما ينادى ابنه , فلبى
الابن نداء ابيه , فاذا بوالده يعطيه كيسا , واذا
بالكيس ملىء بالمسامير , وبلا مقدمات قال له والده
": بنى , فى كل مرة تختلف فيها مع شخص وتفقد اعصابك
معه , قم بطرق مسمارا فى سور الحديقة !!! .
كان
مطلبا غريبا وعجيبا من الاب ذلك ما
يطلبه من ابنه , وتعجب الابن من طلب ابيه ,ولكنه اثار انتباهه
,وفضوله
, وقد اعجبته تلك الفكرة , ولكنه تساءل فى نفسه:"لم
يدق مسمارا اذا اصبح على ذلك الحال ؟
لم
يجد جوابا لاسئلته من ابيه الا انه سيعرف الاجابة
حين يأتى وقتها. فعزم على تنفيذ
ما طلبه منه والده .
فكان
فى كل مرة ينتابه غضب عظيم او
يفقد فيها اعصابه , تجده يدب الارض بقدميه سيرا الى حيث يوجد السور
, وقد
تملكه الغضب والانفعال , ممسكا بتلابيب اعصابه كى لا ينفجر بكلامه فى وجه احد
, متجاهلا
أى تساؤل ممن حوله عن مكان ذهابه , متغاضيا نظراتهم والدهشة التى تطل بأعينهم اذ هو فى عزم غضبه وقد اطبق شفتيه عمدا ان يقول
شيئا تاركا محدثه الى حيث لا يعلم
. وفى
اول يوم له , طرق 37 مسمارا بسور الحديقة الى ان ناله التعب وانهكه ذلك الدق , واذا به وبأخر مسمار يدقه بذلك
اليوم يتساءل": ألم يفكر أبى
فى شىء ايسر من طرق المسامير؟", وصار بكل يوم يدق عددا لا
بأس من المسامير , كلما
غضب طرق مسمارا , كلما اوشك على سب احد طرق مسمار ,
الى
ان مر اول اسبوع له من تلك التجربة , وقد نوى ان يحاول
ضبط
اعصابه اذا ما غضب او فقد اعصابه , فهو اهون من دق مسمارا . وبالتدريج بدأ عدد المسامير المدقوقة يوميا
ينخفض شيئا فشيئا , ثم يمر الاسبوع تلو الاخر و عدد المسامير ينخفض وينخفض , الى ان جاء اليوم
الذى لم يدق فيه الفتى مسمارا واحدا فى سور الحديقة على الرغم من غضبه
. فقد
تعلم كيف يتحكم فى اعصابه وكيف
يكظم غضبه اذا هو غضب , كيف يتغاضى عن اقوال الاخرين الى تثير غضبه وكيف يتحكم بلسانه , تعلم متى يقول قولا لا يندم عليه ,
كى لا يندم عليه يوما فعلا , متى
يتكلم ومتى يصمت , فقد تبين له ان الصمت قد يجدى عن القول احيانا.
وعندها
ذهب الى والده ليخبره بذلك الخبر , وانه لم يعد فى حاجة الى كيس المسامير , كان يوما سعيدا بحياته , ولقد سعد بهذا اليوم
ايما سعادة , فلقد تغير طبعه وخلقه الى
الاحسن , والى الافضل ، فاذا بوالده يخبره": بنى , الان
قم بخلع مسمارا واحدا عن كل يوم يمر بك دون ان تفقد
اعصابك فيه " وياله
من مطلب اخر عجيب , ولم ياترى ؟ الم يطلب منى
يوما ان ادق تلك
المسامير , والان يطلب منى ان ازيلها ؟!! عجبا !! حسنأ
فلأنفذ له ما طلب , وعلى أية حال , فأنا الان افضل مما كنت عليه من قبل , وسأتمكن بأذن الله من ازالتها فى وقت اقصر من ذى
قبل. ومرت عدة ايام ,
وقد ازال الفتى المسامير , المسمار تلو الاخر بشروط ابيه
له
.
جاء
الى حيث والده كى يخبره بأنه قد ازالها جميعا وكله شوق ولأن يعرف الان لم فعل ذلك ؟ فما نتيجة مافعل
؟ فها قد جاء
والده واخبره بالخبر السعيد ,
وها قد قام الوالد باصطحابه الى ذلك السور الذى قد شبع دقا , وطلب منه ان يمعن النظر فى السور , ثم قال له": بنى قد احسنت التصرف , فأطعتنى ولم تعصنى , ولبيت طلباتى ولم تخذلنى يوما الى الان ,
ولكن أى بنى انظر الى تلك الثقوب التى تركتها بالسور فهى ابدا لن تزول , ولن يعود السور ابدا كما كان."
" يابنى , حينما كانت تشب مشادة بينك وبين الاخرين , فتفقد
اعصابك فى حينها , ثم يخرج
منك السىء من الكلمات لهم , فأنت قد تركت جرحا
بأعماقهم , وطرقت بها ثقوبا كتلك التى بالسور "انت ان استطعت ان تخرج سكينا من جوف احدهم بعد ان طعنته بها , وقد تركت بقلبه جرحا غائرا
, قد يلتئم تاركا مكانه اثرا , فلا عليك بعدها ان تتأسف له ,فكم من مرة ستتأسف و
تعتذر على ما فعلت ولكن ذلك الجرح لازال موجودا يابنى , ان جرح اللسان اقوى
من جرح الابدان .