ابتسم للحياة
الأستاذ
أحمد أمين
مشاركة من بريد المجموعة
لا شيء يضيع
ملكات الشخص ومزاياه كتشاؤمه في
الحياة، ولا شيء يبعث الأمل، ويقرب من
النجاح ويُنَمِّي الملكات، ويبعث على العمل النافع لصاحبه وللناس، كالابتسام للحياة.
ليس المبتسمون للحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط، بل هم
كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسئولية، وأصلح لمواجهة الشدائد، ومعالجة
الصعاب، والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم، وتنفع الناس.
لو خُيَّرتُ بين مال كثير، أو منصب خطير، وبين نَفْسٍ
راضية باسمة _ لاخترت الثانية؛ فما المال مع العبوس؟ وما المنصب مع انقباض النفس؟
وما كل ما في الحياة إذا كان صاحبه ضيقاً حرجاً كأنه عائد من جنازة حبيب؟ وما جمال
الزوجة إذا عبست، وقلبت بيتها جحيماً؟ لَخَيْرٌ منها ألف مرة زوجة لم تبلغ مبلغها
في الجمال، وجعلت بيتها جنة.
ولا قيمة للبسمة الظاهرة إلا إذا كانت منبعثةً عن نفس
باسمةٍ، وتفكير باسمٍ، وكل شيء في الطبيعة جميلٌ باسمٌ منسجمٌ، وإنما يأتي العبوس
مما يعتري طبيعة الإنسان من شذوذ، فالزهر باسم، والغابات باسمة، والبحار،
والأنهار، والسماء، والنجوم، والطيور كلها باسمة، وكان الإنسان بطبعه باسماً لولا
ما يعرض له من طمع، وشر، وأنانية تجعله عابساً؛ فكان بذلك نشازاً في الطبيعة
المنسجمة.
ومن أجل هذا لا يرى الجمالَ مَنْ عَبَستْ نفسُه، ولا
يرى الحقيقةَ مَنْ تدَنَّس قلبه؛ فكل إنسان يرى الدنيا من خلال عمله، وفكره،
وبواعثه؛ فإذا كان العمل طيباً، والفكر نظيفاً، والبواعث طاهرة _ كان منظاره الذي
يرى به الدنيا نقياً، فرأى الدنيا جميلة كما خلقت، وإلا تغبَّش منظاره، واسْوَدَّ
زجاجُه، فرأى كل شيء أسودَ مغبَّشاً.
هناك نفوس تستطيع أن تخلق من كل شيء شقاءً، ونفوس
تستطيع أن تخلق من كل شيء سعادة، هناك المرأة في البيت لا تقع عينها إلا على
الخطأ، فاليوم أسود؛ لأنَّ طبقاً كُسِرْ ولأنّ نوعاً من الطعام زاد الطاهي في
ملحه، أو أنها عثرت على قطعة من الورق في الحجرة، فتهيج، وتسب، ويتعدى السباب إلى
كل من في البيت، وإذا هو شعلة من نار.
وهناك رجل ينغِّص على نفسه، وعلى مَنْ حوله مِنْ كلمة
يسمعها، أو يؤولها تأويلاً سيئاً، أو من عمل تافهٍ حدث له، أو حدث منه، أو من ربح
خسره، أو من ربح كان ينتظره فلم يحدث، أو نحو ذلك، فإذا الدنيا كلها سوداء في
نظره، ثم هو يُسَوِّدها على من حوله.
هؤلاء عندهم قدرة المبالغة في الشر، فيجعلون من الحبة
قبة، ومن البذرة شجرة، وليس عندهم قدرة على الخير، فلا يفرحون بما أوتوا ولو
كثيراً، ولا ينعمون بما نالوا ولو عظيماً.
ليس يعبس النفس والوجه كاليأس؛ فإن أردت الابتسام فحارب
اليأس. إن الفرصة سانحة لك وللناس، والنجاحَ مفتوحٌ بابُه لك
وللناس؛ فَعَوِّد عقلك تَفَتُّحَ الأمل، وتوقُّعَ الخير في المستقبل.
إنما يصد النفس، ويعبِّسُها، ويجعلها في سجن مظلم _
اليأسُ، وفقدان الأمل، والعيشة السيئة برؤية الشرور، والبحث عن معايب الناس،
والتشدق بالحديث عن سيئات العالم لا غير.
النفس الباسمة ترى الصعاب فيلذها التغلب عليها، تنظرها
فتبسم، وتعالجها فتبسم، وتتغلب عليها فتبسم، والنفس العابسة لا ترى صعاباً
فتخلقها، وإذا رأتها أكبرتها واستصغرت همتها بجانبها، فهربت منها، وقبعت في جحرها
تسب الدهر والزمان والمكان، وَتَعلَّلَتْ بلو، وإذا، وإن.
وما الدهر الذي يلعنه إلا مزاجه وتربيته، إنه يود
النجاح في الحياة ولا يريد أن يدفع ثمنه، إنه يرى في كل طريق أسداً رابضاً، إنه
ينتظر حتى تمطر السماء ذهباً، أو تنشق الأرض عن كنز.
إن الصعاب في الحياة أمور نسبية؛ فكل شيء صعب جداً عند
النفس الصغيرة جداً، ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة، وبينما النفس العظيمة
تزداد عظمة بمغالبة الصعاب إذا بالنفوس الهزيلة تزداد سقماً بالفرار منها، وإنما
الصعاب كالكلب العقور إذا رآك خفت منه، وجريت نبحك وعدا وراءك، وإذا رآك تهزأ به،
ولا تُعِيرُه اهتماماً، وتبرق له عينك أفسح الطريق لك، وانكمش في جلده منك.
الثقة بالنفس فضيلة كبرى عليها عماد النجاح في الحياة،
وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة، والفرق بينهما أن الغرورَ اعتماد النفس
على الخيالِ، وعلى الكبرِ الزائفِ، والثقةَ بالنفس اعتمادُها على مقدرتها على تحمل
المسؤولية، وعلى تقوية ملكاتها، وتحسين استعدادها.
وبَعْدُ: فالشرق في حاجة كبرى إلى كميات كبيرة من
الابتسامات الصادقة الدالة على النفوس الراضية الآملة الطامحة.
فلنتغلب على هذه الصعوبات جميعاً، ولنبسم للحياة ولو
تَكَلُّفاً ينقلب التكلف بعد حين تَطَبُّعاً.
ابسم للطفل في
مهده، وللصانع في عمله، وابسم لأولادك وأنت تربيهم، وابسم للتاجر وأنت تعامله،
وابسم للصعوبة تعترضك، وابسم إذا نجحت، وابسم إذا فشلت، وانثر البسمات يميناً
وشمالاً على طول الطريق؛ فإنك لن تعود للسير فيه.