صنائع المعروف تقي مصارع السوء
قصـة إبن جدعـان
هذه القصة يذكر أنها واقعية معاصرة... هذه القصة واقعية حدثت منذ مائة سنة تقريبًا ... وقد سبق أن قُدِّمت في ركن البادية من الإذاعة السعودية وذكرها الشيخ أحمد القطان في أشرطته وهي في كتاب الجزاء من جنس العمل صفحة 521 للدكتور سيد حسين العفاني .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صدقة السر تطفئ غضب الرب ، و صلة الرحم تزيد في العمر ، و فعل المعروف يقي مصارع السوء "
يذكر أن رجلاً يسمّى ابن جدعان، قال: خرجت في فصل الربيع، وإذا بي أرى إبلي سماناً، يكاد الربيع أن يفجّر الحليب من ثديها، وكلما اقترب الحوار-ابن الناقة- من أمه درّت عليه، وانهال الحليب منها لكثرة الخير والبركة. فنظرت إلى ناقة من نياقي ابنها خلفها، وتذكّرت جاراً لي له بنيّات سبع، فقير الحال، فقلت: والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها لجاري، والله يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، وأحب حلالي هذه الناقة.
يقول: فأخذتها وابنها، وطرقت الباب على الجار، وقلت خذها هدية مني لك، فرأيت الفرح في وجهه لا يدري ماذا يقول، فكان يشرب من لبنها ويحتطب على ظهرها، وينتظر وليدها يكبر ليبيعه، وجاءه منها خير عظيم.
فلما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض، وبدأ البدو يرتحلون
يبحثون عن الماء في الدحول -والدحول
هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية أو أقبية مائية تحت الأرض، له فتحات فوق
الأرض يعرفها البدو-.
يقول: فدخلت في هذا الدحل حتى أحضر الماء لنشرب -وأولاده
الثلاثة خارج الدحل ينتظرون-،
فتاه تحت الأرض، ولم يعرف الخروج.
وانتظر أبناؤه يوماً ويومين وثلاثة حتى يئسوا منه ، فقالوا: لعل ثعباناً لدغه ومات،
أو لعله تاه تحت الأرض وهلك، وكانوا-عياذاً بالله- ينتظرون هلاكه؛ طمعاً في تقسيم
المال والحلال. فذهبوا إلى البيت وقسّموا، وتذكروا أن أباهم قد أعطى ناقة لجارهم
الفقير، فذهبوا إليه وقالوا له: أعد الناقة خيراً لك، وخذ هذا الجمل مكانها، وإلا
سنسحبها عنوة الآن، ولن نعطيك شيئاً.
قال: أشتكيكم إلى أبيكم.
قالوا: اشتك إليه، فإنه قد مات!!
قال: مات!! كيف مات؟ وأين مات؟ ولِم لم أعلم بذلك؟
قالوا: دخل دحلاً في الصحراء ولم يخرج.
قال: ناشدتكم الله اذهبوا بي إلى مكان الدحل، ثم خذوا الناقة، وافعلوا ما شئتم ولا
أريد جملكم.
فذهبوا به، فلما رأى المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفيّ، ذهب وأحضر حبلاً، وأشعل
شمعة، ثم ربط نفسه خارج الدحل، ونزل يزحف على قفاه حتى وصل إلى أماكن فيها يحبو،
وأماكن فيها يزحف، وأماكن يتدحرج، ويشم رائحة الرطوبة تقترب، وإذا به يسمع أنين
الرجل عند الماء، فأخذ يزحف تجاه الأنين في الظلام، ويتلمس الأرض، فوقعت يده على
الطين، ثم وقعت يده على الرجل.
فوضع يده على أنفاسه، فإذا هو حي يتنفس ، فقام وجرّه، وربط عينيه حتى لا تنبهر بضوء
الشمس، ثم أخرجه معه خارج الدحل، ومرس له التمر وسقاه، وحمله على ظهره، وجاء به إلى
داره، ودبت الحياة في الرجل من جديد -وأولاده لا يعلمون.
فقال: أخبرني بالله عليك أسبوعاً كاملاً وأنت تحت الأرض ولم تمت!
قال:
سأحدثك حديثاً عجباً، لما نزلت ضعت، وتشعّبت بي الطرق، فقلت: آوي إلى الماء الذي
وصلت إليه، وأخذت أشرب منه، ولكن الجوع لا يرحم، فالماء لا يكفي.
يقول:
وبعد ثلاثة أيام، وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ، وبينما أنا مستلق على قفاي، قد أسلمت
وفوضت أمري إلى الله، وإذا بي أحس بدفء اللبن يتدفق على فمي.
يقول:
فاعتدلت في جلستي، وإذا بإناء في الظلام لا أراه، يقترب من فمي فأشرب حتى أرتوي، ثم
يذهب، فأخذ يأتيني ثلاث مرات في اليوم. ولكنه منذ يومين انقطع ما أدري ما سبب
انقطاعه؟
يقول: فقلت له: لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت.. ظنّ أولادك أنك مِت، وجاءوا إلي
وسحبوا الناقة التي كان الله يسقيك منها.. والمسلم في ظل صدقته.