بروا آباؤكم تبركم أبناؤكم
جليح بن منازل
بن فرعان بن الأعرف التميمي
ذكر الأصمعيّ، قال: أخبرني بعض العرب أنّ رجلا كان في زمن عبد الملك بن مروان يقال له منازل وكان له أب كبير يقال له فرعان وكان الشّابّ عاقّا لأبيه، فقال الشّيخ:
جــزت رحمٍ بيني وبين منـازلٍ ... جزاءً كما يستنجز الدّين طالبه
تربّت حتى صار جعداً شمـردلاً ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه
وربيته
حتى إذا ما تركتـــه ... أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه
فلما
رآني أحسب الشخص أشخصاً...قريب وذا الشخص البعيد أقاربه
تغمط
حقـــي ظالما ولوى يدي...لـوى يده الله الـذي هو غالبه
وكان
لـه عندي إذا جاع أو بكى ... من الـزاد
أحلى زادنا وأطايبه
وجمعتهــا
دهمــا جلادا كأنها ... أشــاء نخيل لم تقطع جوانبه
فأخرجـــني
منها سليبا كأنني ... حســـام يمان فارقته مضاربه
أيظلمني
مالي ويحنث ألـــوتي؟ ... فسوف يــلاقي ربه فيحاسبه
وإنّي لداعٍ دعوةً لو دعـــوتها
... على جبل الرّيّان لانقضّ جانبه
ثمّ ابتلي منازل بابن يقال له جليح عقّه في عمره فقال:
تظلّمني مالي جليح وعقّني ... على حين كانت كالحنيّ عظامي
فبلغ ذلك الوالي فأراد أن يعاقبة ويضربه ، فقال الابن للوالي: لا تعجل
عليّ، أبي هذا هو منازل بن فرعان الّذي يقول فيه أبوه:
جزت رحم بيني وبين منازل
... جزاء كما يستنجز الدّين طالبه
فقال الوالي:
فلا تجـزعن مـن سيرة أنت سرتها ... فـأول راضٍ
سنَّةً من يسيرها
يا هذا عققت وعققت ثم أمر بإطلاق ابنه جليح.
وفي كتاب الأغاني كان يونس بن عبدالله الخياط عاقَّا لأبيه فقال أبوه فيه:
يونُس قلبي عليـك يلتهفُ ... والعـين عبرى
دموعها تكِفُ
تُلحِفني
كسوة العقوق فلا ... بَرِحَت منها ما عشتَ تلتحف
أُمرتَ
بالخفضِ للجناح وبالرفق ... فأمـسى يعُوقك
الأنَف
وتلــك
والله من زبانية ... إن سُلِّطوا في عـذابهم عَنُفوا
فأجابه
ابنُه يونس فقال:
أصبح شيخي يُزرِي به الخَرَف ... ما إن له
حرمة ولا نَصَفُ
صِفاتنــا في العقوق واحدة ... ما خلتُنا في
العقوق نختلف
لحَفتَــه سالفـاً أَباك فقد ... أَصبحتَ مني
كذاك تلتحف
قال يونس بن عبد الله بن الخياط جئت يوما إلى
أبي وهو جالس وعنده أصحاب له فوقفت عليهم لأغيظه وقلت ألا أُنشِدكم شعراً قلته بالأمس
قالوا بلى فأَنشدتهم:
يا ســائِلي مَن أنَا أو من يناسبني ... أنا
الذي ما لَه أصل ولا نسبُ
الكلب يختـال فخراً حين يُبصرني ... والكلب
أكرمُ مني حين ينَتسب
لو قال لي الناس طُرّاً أنت ألأمنا ... ما
وَهِم الناس في ذاكمْ ولا كذبوا
قال فوثب إليّ ليضربني وعدوت من بين يديه فجعل
يشتمني وأصحابه يضحكون.
ونشأ ليونس ابن يقال له دحيم فكان أعق الناس به فقال
يونس فيه:
جلا دحيم عَماية الرِّيـب ...
والشكَّ مني والطعن في النسب
ما زال بي الظّنّ والتشكُّك حتى ... عقَّـني
مثلَ ما عقَقتُ أبي
ــــــــــــــــــــــــ
غارب : غاربُ كلِّ شيءٍ أَعْلاه ، والغارِبُ أَعلى
مُقَدَّمِ السَّنام ،فالمعنى أنه إذا قام ساوى رأسه غارب الفحل وهو قائم.
جعـد: الجعد من الشعر خلاف
السبط، وهو
الخفيف من الرجال، وقيل هو المجتمع الشديد.
الدهم : الإبل تضرب إلى السواد. والأشاء.
الالوة : اليمين.
مراجع :عيون الاخبار - زهر الأكم في الأمثال و الحكم – لسان
العرب " جعد"- الأغاني