حفظ الأسرار

حفظ الأموال أيسر من

كتمان الأسرار

الأسرار على ضربين: أحدهما: ما يبوح به إنسان لآخر من حديث يُستكتم، وذلك إما تصريحًا كأن يقول له: اكتم ما أقول لك، وإما حالاً كأن يتحرى القائل حال انفراده بمن يتحدث معه، أو يخفي حديثه عن بقية مجالسيهِ. في هذا قيل: إذا حدثك إنسان بحديث فهو أمانة.

أما الضرب الثاني من الأسرار فهو أن يكون حديثَ نفسٍ بما يستحي الإنسان من إشاعته، أو أمرًا ما يريد فعله.

والكتمان في النوعيين محمود؛ فهو في الأول نوعٌ من الوفاء، وفي الثاني نوعٌ من الحزم والاحتياط والستر.

 

كتمان السر.. طريق النجاة:  قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سِرُّك أسيرك، فإن تكلَّمتَ به صِرْت أسيره.

 

فكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ مآربه ، ولو كتمه أمِنَ سطوته. قال بعضهم: من حصَّن سره فله بتحصينه خصلتان: الظفر بحاجته، والسلامة من السطوات.

إن في الكتمان قضاء الحوائح، وإنجاح المقاصد وبلوغ الغايات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود" انظر صَحِيح الْجَامِع : 943 , الصَّحِيحَة : 1453

 

 إفشاء السر خيانة:

إن الناس يخالط بعضهم بعضًا ويفضي بعضهم إلى بعض بما قد يكون سرًا، وإن من الخيانة أن يُستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة"  حديث حسن - الألباني.

 

ولأن الكرام ينأون بأنفسهم عن أخلاق اللئام فقد رأينا هؤلاء الكرام يربون أبناءهم على حفظ الأسرار وعدم إشاعتها، فهاهي أم أنس بن مالك رضي الله عنها يتأخر عليها ولدها أنس فتسأله: "ما حَبَسَك؟ قال بعثني رسول الله لحاجة... قالت ما حاجته؟ قال: إنها سر. قالت: لا تحدثنَّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا"  

 

وذات يوم أسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا فقال الوليد لأبيه: يا أبتي إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإن من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال الوليد: يا أبتي وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن لا أحب أن تُذلِّل لسانك بأحاديث السر. قال الوليد: فأتيت معاوية رضي الله عنه فأخبرته، فقال: يا وليد أعتقك أخي من رق الخطأ.

 

لا تلومنَّ إلا نفسك: إذا استودعت أحدًا سرك فأفشاه فلا تلومنَّ إلا نفسك؛ إذ كان صدرك أضيق عنه. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما وضعت سري عند أحدٍ فأفشاه عليَّ فلمته؛ أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه"

إذا المــــــرءُ أفشــــــــــى سرَّهُ بلسانهِ  *** وَلاَمَ عَليــــــهِ غَيْــــــــرَهُ فهو أَحْمَـــــق

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه***فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق

 

كرام الرجال يفخرون بكتمان الأسرار قال بعضهم:

ومستودعي سرًا تضمنت سِرَّه   ***  فأودعته من مُسْتَقَر الحشا قبــرًا

ولكنني أُخفيه عنــــــي كأننــي    ***  من الدهر يومًا ما أحطتُ به خُبرًا

وما السرُّ في قلبي كميت بحفرةٍ *** لأني أرى المدفون ينتظر النشـرا

 

قال المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه.

وقيل :  صدور الأحرار قبور الأسرار

منقول ومختصر للفائدة  ،،،