بروا آباءكم تبركم أبناءكم

 

بروا آباءكم تبركم أبناؤكم

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِى الْجِهَادِ فَقَالَ « أَحَىٌّ وَالِدَاكَ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ». صحيح البخاري

 

روي أن أمية بن الأشكر، وهو من كنانة من بني ليث، صحابي شاعر مخضرم، من سادات قومه. كان له ولد اسمه كلاب هاجر في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المدينة فأقام بها مدة، ثم لقي ذات يوم طلحة والزبير فسألهما: أي الأعمال أفضل؟ فقالا: الجهاد! فسأل عمر رضي الله عنه فأغزاه في جيش. وكان أبوه قد كبر وضعف، فلما طالت غيبته قال من الوافر:

لِمَن شيخان قد نشدا كلابا ... كتابَ الله ؟ لو قبل الكتابا

أُنـــاديه فيعرض في إباءٍ ... فلا، وأبي كلاب، ما أصابا

أتاه مهـــاجران تكنّفاه ... ففـارق شيخَه خطأً وخابا

تركــتَ أباك مُرْعشةً يداه ... وأمّك ما تُسبغ لها شرابا

وإنّك والتمـاسَ الأجر بعدي ... كباغي الماءِ يتّبع السرابا

فبلغت أبياته عمر رضي الله عنه فلم يردد كلاباً، وطال مقامه فخلط جزعاً عليه. ثم إنه عمر يوماً وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار، فوقف عليه وأنشأ يقول من الوافر:

أعاذِلَ قد عذلتِ بغير قدر  ... ولا تدرين، عـاذِلَ، ما ألاقي

فإمّـا كنتِ عاذلتي فرُدِّي ... كــلاباً إذ توجّــه للعراقِ

ولم أقْــضِ اللُبانة من كلاب  ... غداةَ غدٍ وآذَن بالفـراقِ

فتى الفتيــان في يُسرٍ وعُسرٍ ... شديدُ الركن في يوم التلاقي

ولا، أبيك، ما باليتَ وجدي ... ولا شفقي عليك ولا اشتياقي

وإبقائــي عليك إذا شَتونا ... وضمَّك تحت نحري واعتناقي

فلو فلــق الفؤادَ شديدُ وجدٍ ... لهمَّ ســوادُ قلبي بانفلاقِ

سأستعدي على الفــاروق ربّاً ... له دَفْعُ الحَجيج إلى سياقِ

وأدعو الله مجتهداً عليـــه ... ببطــن الأخشَبَيْن إلى دُفاق

إنِ الفــاروقُ لم يردُدْ كلاباً ... إلى شيخين هامُهمــا زَواقِ

فبكى عمر رضي الله عنه، وأمر برد كلاب إلى المدينة. فلما قدم دخل إليه فقال: ما بلغ من برك بأبيك؟

فقال: كنت أوثره وأكفيه أمره وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له أغزر ناقة في إبله وأسمنها فأريحت وأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحتلب له فأسقيه.

 

فبعث عمر رضي الله عنه إلى أبيه من جاء به وأدخله وقد ضعف بصره وانحنى، فقال: يا أبا كلاب، كيف أنت؟ فقال: كما ترى، يا أمير المؤمنين. فقال: هل من حاجة؟

فقال: كنت أشتهي أن أرى كلاباً فأشمه شمةً وأضمه ضمةً قبل أن أموت. فبكى عمر وقال: ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله تعالى!

ثم أمر كلاباً أن يحتلب لأبيه ناقةً كما كان يفعل ويبعث إلى أبيه ففعل، فناوله عمر الإناء وقال: دونك، يا أبا كلاب! فلما أخذه وأدناه إلى فمه قال: لعمر الله يا أمير المؤمنين، إني لأشم رائحة كلاب من هذا الإناء! فبكى عمر وقال: هذا كلاب حاضر عندك! فنهض إليه وقبله، وجعل عمر يبكي ومن حضره. فقال لكلاب: الزم أبويك! وأمر له بعطائه وأمره بالانصراف، فلزمهما إلى أن ماتا. القصة في الوافي بالوفيات والأغاني

 

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : ترفع للميت بعد موته درجته فيقول: أي رب أي شيء هذه فيقال ولدك استغفر لك " صحيح الأدب المفرد "