آداب الذكر

من آداب الذكر

 

يقول الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ} سورة الأعراف، الآية: (205). وبيان ما اشتملت عليه الآية الكريمة من الجمع بين الأمر بذكر الله والنّهي عن ضدِّه وهو الغفلة، وهذه الآية إضافة إلى دلالتها على ذلك فقد اشتملت على جملةٍ طيِّبةٍ من الآداب الكريمة التي ينبغي أن يتحلّى بها الذَّاكر. فمن هذه الآداب:

 

أوّلاً: أن يكون الذِّكر في نفسه؛ لأنَّ الإخفاء أدخلُ في الإخلاص، وأقربُ إلى الإجابة وأبعدُ من الرِّياء.

 

ثانياً: أن يكون على سبيل التضرُّع، وهو التّذلُّل والخضوع والاعتراف بالتّقصير ليتحقّق فيه ذِلَّة العبودية والانكسار لعظمة الرُّبوبيّة.

 

ثالثاً: أن يكون على وجه الخيفة أي الخوف من المؤاخذة على التّقصير في العمل، والخشية من الرد، وعدم القَبول، قال الله تعالى في صفة المؤمنين المسارعين في الخيرات، السّابقين لأرفع الدّرجات: {وَالَّذِينَ يُؤُتونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} سورة المؤمنون، الآية: (60).

وقد ثبت في المسند وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنّها سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء فقالت: يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يُعذَّب؟ قال: "لا، يا ابنة الصِّدّيق، ولكنَّه الرجل يصلّي ويصوم ويتصدّق ويخاف أن لا يقبل منه ".

 

رابعاً: أن يكون دون الجهر؛ لأنَّه أقرب إلى حسن التفكُّر، قال ابن كثير رحمه الله: "ولهذا قال: {وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ} وهكذا يُستحبُّ أن يكون الذِّكر، لا يكون نداءً وجهرًا بليغاً"، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: رفع النّاس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ياأيُّها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّ الذي تدعونه سميعٌ قريبٌ أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".

 

خامساً: أن يكون باللسان لا بالقلب وحده، وهو مستفادٌ من قوله: {وَدُونَ الجَهْرِ} لأنَّ معناه: ومتكلِّمًا كلامًا دون الجهر، ويكون المرادُ بالآية الأمرَ بالجمع في الذكر بين اللسان والقلب، وقد يقال: هو ذكره في قلبه بلا لسانه بقوله بعد ذلك: {وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ} إلاّ أنّ الأوّل هو الأصحّ كما حقّق ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيرُه من أهل العلم، وقد نظر له رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربّه أنَّه قال: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" ، قال: وهذا يدخل فيه ذكره باللسان في نفسه، فإنَّه جعله قسيمَ الذكر في الملأ وهو نظير قوله: {وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ} ، والدليل على ذلك أنَّه قال: {بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ}، ومعلوم أنَّ ذكر الله المشروعَ بالغدوِّ والآصال في الصلاة وخارج الصلاة هو باللسان مع القلب، مثل صلاتي الفجر والعصر، والذِّكر المشروع عقب الصلاتين، وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلّمه وفعله من الأذكار والأدعية المأثورة من عمل اليوم والليلة المشروعة طرفي النّهار بالغدو والآصال.

 

سادساً: أن يكون بالغدوّ والآصال، أي في البكرة والعشيِّ، فتدلُّ الآية على مزيَّة هذين الوقتين، لأنَّهما وقت سكون ودعة وتعبُّد اجتهاد، وما بينهما الغالبُ فيه الانقطاع إلى أمر المعاش، وقد ورد أنَّ عمل العبد يصعد أوّل النّهار وآخره فطلبُ الذكر فيهما ليكون ابتداء عمله واختتامه بالذكر.

ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون وأتيناهم وهم يصلّون" .

 

سابعاً: النهي عن الغفلة عن ذكره بقوله: {وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ}، أي: من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه، وفيه إشعارٌ بطلب دوام ذكره تعالى والاستمرار عليه، وأحبُّ العمل إلى الله أَدْوَمُه وإن قلّ. ، فهذه سبعةُ آداب عظيمة اشتملت عليها هذه الآية الكريمة، ذكرها القاسمي في كتاب محاسن التأويل.

نقلا من كتاب فقه الأدعية والأذكار

بقلم:عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر