الدعاء الذي يخاف منه الشيطان
كان محمد بن واسع يقول كل يوم بعد صلاة الصبح:
اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم اللهم فآيسه منا كما آيسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطته من عفوك وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك إنك على كل شيء قدير .
قال فتمثل له إبليس يوما في طريق المسجد فقال له يا ابن واسع هل تعرفني ؟ قال ومن أنت قال أنا إبليس فقال وما تريد قال أريد أن لا تعلم أحد هذه الاستعاذة ولا أتعرض لك قال والله لا أمنعها ممن أراد فاصنع ما شئت.
هذا الدعاء ليس بحديث ينسب الى النبي صلى الله عليه وسلم كما يظنه البعض وإنما هو أثر ذكره أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين عن محمد بن واسع. "ذكر هذا الأثر في موضعين في كتاب إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبوحامد – الجزء الثاني بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس والجزء الثالث في باب تفصيل مداخل الشيطان الى القلب".
يقول الشيخ أبو العالية "محمد الجوراني" في ملتقى أهل الحديث كنت قديماً قد قرأت هذا الدعاء لمحمد بن واسع رحمه الله في الإحياء للغزالي : بأنه كان يقول هذا الدعاء بعد الصبح كل يوم ... واستشكلت ذلك وبين الإقتصار على السنة الصحيحة من أذكار الصباح والمساء .
فذكرت ذلك لبعض مشائخنا نفع الله بهم فكان مما قالوه واتفقوا عليه وسجلته على نسختي الخاصة :
" هذا دعاء عام ، والمسلم يدعو الله تعالى بما يحفظ عليه دينه ، ولكن تخصيصه بوقت وكل يوم هذا امر مُحدث ، ومحمد بن واسع رحمه الله مع علمه وورعه كان بعيداً عن البدع هذا إن صح النقل عنه ، وإلا فلا يلتفت إليه "
والخلاصة أن هذه الدعاء مثل أي دعاء لكن التخصيص أو التقيد بوقت في ذكره لا يصح .أ.ه.
سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز يرحمه الله تعالى :
س : قال محمد بن واسع رحمه الله : كنت أقول صباحا ومساء : اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا مطلعا على عوراتنا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم, اللهم فأيسه منا كما آيسته من رحمتك, وقنطه منا كما قنطته من عفوك, وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك. قال محمد بن واسع : فرأيت إبليس في المنام فقال : لا تعلم هذا الدعاء لأحد فقلت : والله لا أمنعه من مسلم ! فما رأي سماحتكم بهذا الدعاء؟ وهل يجوز الدعاء به ؟
أجاب عنه سماحته بتاريخ:
محمد بن واسع الأزدي البصري من صغار التابعين ومن الثقات العباد رحمه الله .. وهذا الدعاء لا بأس به. ولم أقف عليه في ترجمة محمد المذكور في البداية لابن كثير ، ويكفي عن ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، كما قال سبحانه : سورة الأعراف " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" وقال سبحانه في سورة النحل : " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الشيطان في صلاته وغيرها بقوله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وربما قال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه .. وقد فسر أهل العلم الهمز بالصرع والنفخ بالكبر والنفث بالشعر. يعنون بذلك المذموم، والله ولي التوفيق. "الجزء رقم : 26، الصفحة رقم: 129، 130"
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=49572#post49572
أود السؤال عن دعاء يتناقل الآن في المنتديات بعنوان : " دعاء يستغيث منه الشيطان " ، وهو ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع : " أنه كان يدعو الله كل يوم بدعاء خاص ، فجاءه شيطان وقال له : يا إمام ! أعاهدك أني لن أوسوس لك أبدا ، ولن آتيك ولن آمرك بمعصية ، ولكن بشرط أن لا تدعو الله بهذا الدعاء ، ولا تعلمه لأحد . فقال له الإمام : كلا ! سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت . هل تريد معرفه هذا الدعاء ؟ كان يدعو فيقول : " اللهم إنك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا ، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم ، اللهم آيسه منا كما آيستـه من رحمتك ، وقَنِّطه منا كما قَنَّطـته من عـفوك ، وباعــد بيننا وبينه كما باعـدت بينه وبين رحمتك وجنتك "فهل يصح هذا الأثر ؟ وجزاك الله الجنة .
الحمد لله
في هذه الحكاية جانبان اثنان لا بد من التنبيه عليهما :
أولا :
شرعية كلمات الدعاء المذكورة عن محمد بن واسع رحمه الله ، فهي جمل صحيحة
المعاني ، مستقيمة المقاصد ، ليس فيها ما يستنكر ولا ما يستغرب ، فالدعاء
بتقنيط الشيطان من إغوائك وإضلالك له ما يشهد له ، وليس اعتداء في الدعاء ،
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يصيبه اليأس من العباد في
بعض الأزمان والأحيان ، فقال :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ )
رواه مسلم (2821)
وليس بمستنكر أن يسأل العباد ربهم أن يحقق لهم ذلك ويعصمهم من الشيطان ،
وهو من جنس الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، فلا حرج على مَن
دَعا به وسأل الله تعالى بما جاء فيه ، من غير اعتقاد فضل خاص أو أثر معين
لكلماته ، بل يعتقد أنها كغيرها من كلمات الدعاء ، الصدق والإخلاص فيها هو
سبب قبولها ، وليس شيئا غير ذلك .
ثانيا :
أما عن وقوع الحادثة المذكورة ومجيء الشيطان إلى محمد بن واسع ومخاطبته
بذلك الكلام ، فهذا لا نستطيع أن نؤكده ، ولا ننفيه أيضا ، والسبب أننا لم
نجد سند هذه القصة في كتب الأثر والرواية ، كما أننا لا نرى في مقصودها
شيئا مستنكرا يستحق التكذيب :
فكلمات الدعاء مقبولة شرعا وهي كالاستعاذة ، والشيطان يتصاغر عند الاستعاذة
بالله ، وأشد ما يجده إذا حالت رحمة الله بينه وبين العباد ، فقد استكبر هو
عنها فلا يريد أن تنال أحدا من الخلق .
أما تفاصيل القصة فلعل الأقرب أنها رؤيا منام ، وليست حقيقة واقعة ، وإن
كان الشيطان يعرض للبشر بصورة رجل ، كما عرض لأبي هريرة رضي الله عنه حين
وكَّله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ مال الصدقة . رواه البخاري معلقا
(3275)
وفي كتب السير كثيرٌ من القصص المشابهة ، ولم نر أحدا من أهل العلم يعقب
عليها بالتكذيب والنفي . انظر كتاب "سلاح اليقظان لطرد الشيطان" للشيخ عبد
العزيز السلمان (ص/15)
ومحمد بن واسع من أئمة العلم والدين ، توفي سنة (123هـ) وكان من عباد أهل
البصرة وأفضلهم ، حتى قال فيه سليمان التيمي : " ما أحد أُحِبُّ أن ألقى
الله بمثل صحيفته مثل محمد بن واسع " انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء"
(6/119) ، فلا يستبعد أن الشيطان يئس من إغوائه وإضلاله فجاء يطلب منه الكف
عن الدعاء عليه .
ورغم ذلك فالجزم بثبوتها خطأ أيضا ، إذ لم نر من ذكرها إلا أبو حامد
الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/38) ومِن المعلوم أن كتاب "الإحياء" يحوي
الكثير من الأحاديث والآثار والقصص الضعيفة والموضوعة ، فلا يُركن إلى نقله
.
جاء في "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (26/129-130) :
" السؤال :
قال محمد بن واسع رحمه الله : كنت أقول صباحا ومساء : " اللهم إنك سلطت
علينا عدوا بصيرا بعيوبنا ، مطلعا على عوراتنا ، يرانا هو وقبيله من حيث لا
نراهم , اللهم فآيسه منا كما آيسته من رحمتك , وقنطه منا كما قنطته من عفوك
, وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك .
قال محمد بن واسع : فرأيت إبليس في المنام فقال : لا تعلم هذا الدعاء لأحد
فقلت : والله لا أمنعه من مسلم !
فما رأي سماحتكم بهذا الدعاء ؟ وهل يجوز الدعاء به ؟
فأجاب عنه سماحته بتاريخ 18/ 12/ 1414هـ .
محمد بن واسع الأزدي البصري من صغار التابعين ، ومن الثقات العباد رحمه
الله .. وهذا الدعاء لا بأس به ، ولم أقف عليه في ترجمة محمد المذكور في
"البداية" لابن كثير .
ويكفي عن ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، كما قال سبحانه : (
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأعراف/200 ، وقال سبحانه : ( فَإِذَا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الشيطان في صلاته وغيرها
بقوله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وربما قال : أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه .. وقد فسر أهل العلم الهمز
بالصرع ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر ، يعنون بذلك المذموم ، والله ولي
التوفيق " انتهى .
والخلاصة : أنه لا ينبغي الجزم بثبوت مثل هذه القصة ؛ إذا لم ترد مسندة في
كتاب ، ولم ترد أيضا في كتاب يتحرى الدقة ، وإن كان الدعاء لا بأس به ، ولا
نكارة في معانيه ولا ألفاظه ، من غير اعتقاد أن يترتب عليه فضيلة معينة ،
لا ما جاء في القصة ، ولا غيرها من الفضائل ، ومن غير أن يتخذ ـ أيضا ـ
وردا ثابتا ، كالأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .