عمر بن هبيرة وخالد القسري

من قصص الفرج بعد الشدة

 

عمر بن هبيرة بن سعد بن عدي الفزاري، أبو المثنى: أمير، من الدهاة الشجعان. لما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز ولاه الجزيرة ، واستمر على الجزيرة إلى خلافة يزيد بن عبد الملك فولاه إمارة العراق وخراسان، فلما مات يزيد بن عبد الملك واستخلف هشام، عزل هشام بن عبدالملك عمر بن هبيرة سنة 105هـ ، فقال عمر: سيولي هشام العراق أحد الرجلين، سعيداً الحرشي، أو خالد بن عبد الله القسري، فإن ولى ابن النصرانية يعني خالداً، فهو البلاء.

 

فولى هشام خالداً العراق، فدخل مدينة واسط ، وقد أذن عمر بالصلاة، وقد تهيأ، واعتم، وبيده المرآة يسوي عمامته، إذ قيل له: هذا خالد قد دخل.

فقال عمر: هكذا تقوم الساعة، تأتي بغتة.

 فأتي بابن هبيرة إلى خالد بن عبد الله القسري وهو مغلولاً مقيداً ، فلما صار بين يدي خالد ألقته الرجال إلى الأرض؛ فقال: أيها الأمير، إن القوم الذين أنعموا عليك بهذه النعمة قد أنعموا بها علي من قبلك، فأنشدك الله أن تستن في بسنة يستن بها فيك من بعدك.

ولكن خالدا أخذ عمر بن هبيرة فقيده، وألبسه مدرعة صوف، وأمر به إلى الحبس فقال له: يا خالد، بئس ما سننت على أهل العراق، أما تخاف أن تصرف فتبتلى بمثل هذا ؟

فقد حبس القسري في سجن واسط ... فتى شيظميا ماينهنهه الزجر

فتى لم ترببه النصـارى، ولم يكن ... غداءا له لحم الخنازير والخمر

الشيظمي الطويل الجسيم، وقوله: " لم ترببه النصارى " تعريض بخالد القسري، لان أمه كانت رومية.

 

فلما طال حبسه، جاءه ولده ومواليه، فأمر ابن هبيرة غلمانه فاستأجروا داراً بجانب الحبس فحفروا له تحت الأرض سرداباً حتى خرج الحفر تحت سريره في الحبس، واكتروا داراً أخرى إلى جانب سور المدينة "مدينة واسط"  فلما جاء الليل خرج من الحبس عن طريق السرداب الى الدار ، ثم خرج من الدار يمشي، حتى بلغ الدار التي إلى جانب السور، وقد نقب في السور نقب إلى خارج المدينة، وقد هيأت له خيل يداولها فركب وسار حتى بلغ دمشق بعد العتمة ، فأتى مسلمة بن عبد الملك ، فاستجار به فأجاره، واستوهبه مسلمة من هشام ابن عبد الملك فوهبه إياه. ، فأجاره ثم لم يلبث أن مات سنة سبع ومائة تقريباً.

 

وكان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة فلما سجن ونقب له السجن وخرج قال في ذلك يمدحه:

ولما رأيتَ الأرض قد سدَّ ظهرُها ... ولم تر إلا بطنَها لـك مخرجا

*دعوت الذي ناداه يونُسُ بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمـات ففرّجا

فأصبحت تحت الأرض قد سِرْت ليلةً...وما سار سَارٍ مثلها حين أدلجا

وما احتال مُحتالٌ كحيلته التـي ... بها نفسه تحت الصّريمة أولجـا

وظَلماء تحت الأرض قد خُضت هولَها...وليلٍ كلون الطيَلسانيّ أدْعجا

 

فقال ابن هبيرة ما رأيت أشرف من الفرزدق هجاني أميرا ومدحني أسيرا .

* قال الله تعالى: "وإنّ يونس لمن المرسلين، إذ أبق إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين، فالتقمه الحوتُ وهو مليم، فلولا أنّه كان من المسبّحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ".

قال الله تعالى: : "وذا النون إذ ذهب مغاضباً، فظنّ أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنتَ سبحانك إنّي كنت من الظالمين، فاستجبنا له، ونجّيناه من الغمّ، وكذلك ننجي المؤمنين"

قال صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به يفرج عنه ؟ فقيل له : بلى ، فقال : دعاء ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين  . ( السلسلة الصحيحة 1744 ) .

المراجع : سير اعلام النبلاء / الفرج بعد الشدة للتنوخي / المستطرف في كل فن مستظرف/العقد الفريد/الأغاني للاصفهاني / الاعلام للزركلي.