غـزوة الخنـدق
من قصص الفرج بعد
الشدة
قال الله تعالى في
سورة الأحزاب :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ
تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ
وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا
زِلْزَالا شَدِيدًا } .
يذكر تعالى عباده المؤمنين نعمته عليهم، ويحثهم على شكرها
حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز ، وأهل نجد ، وتعاقدوا وتعاهدوا
على استئصال الرسول والصحابة، وذلك في وقعة الخندق. ومالأتهم طوائف اليهود الذين حوالي المدينة،
فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة.
قوله تعالى: { وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } وهم الملائكة، ولم
تقاتل الملائكة يومئذ، فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد، وقطعت
أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير
الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول: يا بني فلان هلم إلي، فإذا اجتمعوا
عنده قال: النجاءَ النجاءَ، لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال.
قوله عز وجل: { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ
فَوْقِكُمْ } أي: من فوق الوادي من قِبَلٍ المشرق وهم أسد وغطفان، وعليهم مالك بن عوف
النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان، ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني
أسد وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة، { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } يعني: من بطن الوادي
من قِبَل المغرب وهم قريش وكنانة، عليهم أبو سفيان بن حرب في قريش ومَنْ تبعه، وأبو
الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق.
وخندق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، على المدينة، فحصروا
المدينة، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ،
لما رأوا من الأسباب المستحكمة، والشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة
طويلة، والأمر كما وصف اللّه: { وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَنَاجِرَ } أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع، والحَنْجَرة: جوف الحلقوم،
وهذا على التمثيل، عبّر به عن شدة الخوف{ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَ }
أي: الظنون السيئة، أن اللّه لا ينصر دينه، ولا يتم كلمته.{ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ
الْمُؤْمِنُونَ } بهذه الفتنة العظيمة { وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا } بالخوف والقلق، والجوع، ليتبين إيمانهم، ويزيد إيقانهم، فظهر وللّه الحمد من
إيمانهم، وشدة يقينهم، ما فاقوا فيه الأولين والآخرين.
يقول الشاعر :
إذا اشتملت على النَّاس الخطوب ... وضاق لما به الصَّدر الرَّحيب
وأوطنت المكــاره واطمأنَّت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانفراج الضِّيق وجهــاً ... وقد أعـيى بحيلته الأريـب
أتاك علــى قنوطٍ منك غوثٌ ... يمنّ به الَّلطيـف المستجيب
وكلُّ الحادثـــات إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرج القريب
ومولانا الإلــه فخير مولى ... لــه
إحسـانه ولنا الذُّنوب