وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ
الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
من قصص الفرج بعد
الشدة
لما
فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض وحشدوا
وبغوا، وجمع أمرهم مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، وأمرهم فجاؤوا معهم
بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حتى نزلوا بأوطاس، وجعلت الأمداد تأتيهم فأجمعوا المسير
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفاً من المسلمين. فقال أبو بكر: لا نغلب اليوم من قلة
!
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، فبعث مالك بن عوف ثلاثة
نفر يأتونه بخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم
من الرعب. ووجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي فدخل عسكرهم
فطاف به وجاء بخبرهم، فلما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه
فعبأهم في وادي حنين فأوعز إليهم أن يحملوا على محمد وأصحابه حملةً واحدةً، وعبأ رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أصحابه في السحر وصفهم صفوفاً ووضع الألوية والرايات في أهلها. وانحدر رسول الله صلى
الله عليه وسلم في وادي الحنين على تعبئة وركب بغلته البيضاء دلدل ولبس درعين
والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من
السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح، وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملةً
واحدةً وانكشفت الخيل خيل بني سليم موليةً وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين .
يقول
تعالى في سورة التوبة : " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26)".
فجعل رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، يقول: يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله ! ، وجعل يقول
للعباس: ناد يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة ! فنادى، وكان صيتاً، فأقبلوا
كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك ! فحملوا على المشركين فأشرف
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى قتالهم فقال: الآن حمي الوطيس ! أنا النبي
لا كذب، أنا ابن عبد المطلب !
ثم قال للعباس بن عبد المطلب:
ناولني حصيات، فناولته حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه ! ورمى بها وجوه المشركين
وقال: انهزموا ورب الكعبة ! وقذف الله في قلوبهم الرعب، وانهزموا لا يلوي
أحد منهم على أحد. قال العباس: فوالله ما زال أمرهم مدبراً وحدهم
كليلاً حتى هزمهم الله فكأني أنظر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يركض خلفهم على بغلة
له.