طرائف " أشْعَبُ الطَّمَّاع "

 

أشعب بن جبير، المعروف بالطامع ، ويكنى أبا العلاء وأبا القاسم: ظريف، من أهل المدينة. كان مولى لعبد الله بن الزبير. تأدب وروى الحديث. يضرب المثل بطمعه يقال " أَطْمَعُ مِنْ أَشْعَبَ " ، وأخباره كثيرة متفرقة في كتب الادب. عاش عمرا طويلا، كان أطيب أهل زمانه عشرة وأكثرهم نادرة.

 

ومن ظريف ما قيل عنه :

 قال مصعب بن الزبير خرج سالم بن عبد الله بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه وبلغ أشعبَ الخبرُ فوافى الموضع الذي هم به يريد التطفل فصادف البابَ مُغْلقاً فتسوَّرَ الحائط فقال له سالم : وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي ؟ فقال : " لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد" J فوجَّهَ إليه من الطعام ما أَكلَ وحمل إلى منزله .

 

وقال له سالم بن عبد الله : ما بلغ من طَمَعِك ؟ قال : ما نظرتُ قَطُّ إلى اثنين في جنازة يتساران إلا قَدَّرْتُ أن الميتَ قد أوصى لي من ماله بشيء وما أدخل أَحَدٌ يده في كمه إلا أظنه يعطيني شيئاً J.

 

 

وطلق الوليد بن يزيد زوجته سعدى فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه فدخل عليه أشعب فقال له هل لك أن تبلغ سعدى عني رسالة ولك عشرة آلاف درهم قال أقبضنيها J ، فأمر له بها فلما قبضها قال له هات رسالتك قال ائتها فأنشدها:

أسعدى هل إليك لنا سبيل ... ولا حتى القيامة من تلاق

بلى ولعل دهرا أن يؤاتي ... بموت من خليلك أو فـراق

قال فأتاها أشعب فاستأذن عليها فأذنت له فدخل فقالت له ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب؟ ، فقال يا سيدتي أرسلني الوليد إليك برسالة ثم أنشدها الشعر فقالت لجواريها عليكن بهذا الخبيث ، فقال يا سيدتي إنه دفع إلي عشرة آلاف درهم فهي لك واعتقيني لوجه الله J ، فقالت والله لا أعتقك أو تبلغ إليه ما أقول لك قال يا سيدتي فاجعل لي جعلا J قالت لك بساطي هذا ، قال قومي عنه J ، فقامت فأخذه وألقاه على ظهره وقال هاتي رسالتك فقالت:

أتبكي على سعدى وأنت تركتها ... فقد ذهبت سعدى فما أنت صانع

فلما بلغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت وأخذته كظمة فقال لأشعب اختر مني إحدى ثلاث إما أن أقتلك وأما أن أطرحك من هذا القصر وأما أن ألقيك إلى هذه السباع فتفترسك L فتحير أشعب وأطرق مليا ثم قال يا سيدي ما كنت لتعذب عينا نظرت إلى سعدى فتبسم J وخلى سبيله  .

ونظر أشعب إلى رجل قبيح الوجه، فقال: ألم ينهكم سليمان بن داود أن تخرجوا بالنهار J.

وقيل : لم يكن أطمع من أشعب إلا كلبه ، رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفا J ، فألقى نفسه في البئر يطلبه ، فمات J.

 

وعن محمد بن أبي قتيلة قال غذا أشعب جديا بلبن زوجته وغيرها حتى بلغ الغاية قال ومن مبالغته في ذلك أن قال لزوجته أي ابنة وردان إني أحب أن ترضعيه بلبنك قال ففعلت J ، قال ثم جاء به إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال بالله إنه لابني قد رضع بلبن زوجتي وقد حبوتك به ولم أر أحداً يستأهله سواك ، قال فنظر إسماعيل إلى فتنة من الفتن فأمر به فذبح وسمط فأقبل عليه أشعب فقال المكافأة فقال ما عندي والله اليوم شيء ونحن من تعرف وذلك غير فائت لك فلما يئس منه أشعب قام من عنده فدخل على أبيه جعفر بن محمد ثم اندفع يشهق حتى التقت أضلاعه ثم قال أخلني قال ما معنا أحد يسمع ولا عين عليك قال وثب ابنك إسماعيل على ابني فذبحه وأنا أنظر إليه J ، قال فارتاع جعفر وصاح ويلك وفيم وتريد ماذا ؟ ، قال أما ما أريد فوالله ما لي في إسماعيل حيلة ولا يسمع هذا سامع أبداً بعدك J. فجزاه جعفر خيراً وأدخله منزله وأخرج إليه مائتي دينار وقال له خذ هذه ولك عندنا ما تحب ، قال: وخرج جعفر إلى إسماعيل لا يبصر ما يطأ عليه فإذا به مترسل في مجلسه فلما رأى وجه أبيه نكره وقام إليه فقال يا إسماعيل أو فعلتها بأشعب قتلت ولده ، قال: فاستضحك J إسماعيل وقال: جاءني أشعب بجدي من صفته كذا وخبره الخبر فأخبره أبوه ما كان منه وصار إليه ، قال فكان جعفر يقول لأشعب رعبتني رعبك الله فيقول روعة ابنك والله إياي في الجدي أكبر من روعتك أنت في المائتي الدينار J.

 

سأل سالم بن عبد الله أشعب عن طمعه قال قلت لصبياني مرة هذا سالم قد فتح باب صدقة عمر فانطلقوا يعطكم تمراً فمضوا فلما أبطأوا ظننت أن الأمر كما قلت فاتبعتهم.

وقيل: لقي دينارا ( لقطة ) فاشترى به قطيفة، ثم نادى: يا من ضاع منه قطيفة J.

عن المدائني قال حدثني شيخ من أهل المدينة قال كانت بالمدينة عجوز شديدة العين لا تنظر إلى شيء تستحسنه إلا عانته فدخلت على أشعب وهو في الموت وهو يقول لبنته: يا بنية إذا مت فلا تندبيني والناس يسمعونك فتقولين واأبتاه أندبك للصوم والصلوات واأبتاه أندبك للفقه والقراءة فيكذبك الناس ويلعنوني ، والتفت أشعب فرأى المرأة فغطى وجهه بكمه وقال لها يا فلانة بالله إن كنت استحسنت شيئاً مما أنا فيه فصلِ على النبي تهلكيني فغضبت المرأة وقالت سخنت عينك في أي شيء أنت مما يستحسن أنت في آخر رمق قال قد علمت ولكن قلت لئلا تكوني قد استحسنت خفة الموت علي وسهولة النزع فيشتد ما أنا فيه وخرجت من عنده وهي تشتمه وضحك J كل من كان حوله من كلامه ثم مات .

 

قال عنه الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء : اشعب ابن جبير المدني كان صاحب مزاح وتطفيل، ومع ذلك كُذب عليه.