جحود النعمة
يقول الله تعالى : " وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ" (112 سورة النحل)
تفكر كم نعمة أنعم الله بها عليك : نعمة الإيمان ، الصحة ، العقل ، العافية ، الأمن ، المأكل ، المشرب ، المركب ، الزوج ، الزوجة ، الأبناء ، الوظيفة ، العلم ، المال ، السمع ، البصر ، اللسان ، اليدين ، القدمين ، المركب ، المسكن ... وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ... كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ :« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كافي لَهُ وَلاَ مُئْوِي »"صحيح مسلم ".
فكم من الناس مَن لا يجد طعاماً يُشبعه ويغذّيه، أو شراباً يسدُّ ظمأه ويُرويه، أو لباساً يسترُه ويواريه، أو مسكناً يستكنُّ فيه ويؤويه، بل منهم من أدركه حتفُه في مجاعاتٍ مهلكة وقحطٍ مفجع، فمن أكرمَه اللهُ بالطعام والشراب ومنَّ عليه بالكفاية والإيواء يجبُ أن يستشعرَ عِظم نعمة الله عليه وكبَرَ منَّته سبحانه بأن يسَّرَ له الغذاء والشراب وأكرمه بالكفاية والإيواء ." فقه الأدعية والأذكار"
إذا كنت في نعمة فارعهــا ... فإن المعاصي تزيل النعم
و داوم عليها بشكر الإلـــه ... فشكر الإلـــه يزيل النقم
قال الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى: «عليكم بملازمة الشّكر على النّعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم» . وقال رحمه اللّه تعالى: «من عرف نعمة اللّه بقلبه ، وحمده بلسانه ، لم يستتمّ ذلك حتّى يرى الزّيادة لقول اللّه تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (سورة إبراهيم).
قال ابن أبي الدنيا: أنشدني محمود الورّاق:
إذا كان شُكري نعمةَ الله نعمةً ... عَلَيَّ له في مثلِها يجبُ الشُّكرُ
فكيف وقوعُ الشكرِ إلاَّ بفضله ... وإن طالت الأيامُ واتَّصَلَ العُمْرُ
روى أن بعضهم شكا فقره إلى بعض أرباب البصيرة، وأظهر شدة اغتمامه بذلك، فقال له : أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال: لا، قال : أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم ؟ قال: لا، قال : أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفاً ؟ قال: لا، قال : أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف ؟ قال: لا، قال : أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً .
عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ )) صحيح مسلم
ودخل ابن السماك على الرشيد في موعظة فبكى .. ثم دعا بماء في قدح فقال : يا أمير المؤمنين، لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفديها بها، قال: نعم ، قال فاشرب رياً بارك الله فيك .. فلما شرب، قال له : يا أمير المؤمنين، أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتدى ذلك ؟ قال: نعم قال فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه !
وهذا يبين أن نعمة الله على العبد في شربة ماء عند العطش أعظم من ملك الأرض كلها، ثم تسهيل خروج الحدث من أعظم النعم، وهذه إشارة وجيزة إلى النعم الخاصة .
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ