أبو حنيفة وجاره الإسكافي

قَالَ الله تَعَالَى : { وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 36 ].

عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما ، قالا : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا زَالَ جِبْريلُ يُوصِيني بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

 

ذكر أن أبا حنيفة النعمان ، كان له جار إسكافي يعمل نهاره ، فإذا رجع إلى منزله ليلاً تعشى ثم شرب، فإذا دب الشراب فيه أنشد من أبيات عبد الله العرجي الشاعر المشهور:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغر

ولا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وأبو حنيفة يسمع صوته كل ليلة.

 

وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته فسأله عنه فقيل: أخذه العسس منذ ليالٍ، فصلى أبو حنيفة الفجر من غده، ثم ركب بغلته وأتى إلى دار الأمير، فاستأذن عليه، فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكباً ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط. ففعل به ذلك، فوسع له الأمير من مجلسه وقال له: ما حاجتك؟ قال: أشفع في جاري.

فقال الأمير: أطلقوه وكل من أخذ في تلك الليلة.

فخلوهم أيضاً وذهبوا وركب أبو حنيفة بغلته وخرج والإسكافي يمشي وراءه فقال له أبو حنيفة: يا فتى! هل أضعناك؟

فقال: بل حفظت ورعيت فجزاك الله خيراً عن حرمة الجوار. ثم تاب الرجل ولم يعد إلى ما كان يفعل.

 

صاحب بيت الشعر هو : عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي القرشي، أبو عمر. - 120 هـ شاعر وكان من الأدباء الظرفاء الأسخياء، ومن الفرسان المعدودين، صحب مسلمة بن عبد الملك في وقائعه بأرض الروم، وأبلى معه البلاء الحسن، وهو من أهل مكة، ولقب بالعرجي لسكناه قرية (العرج) في الطائف. وسجنه والي مكة محمد بن هشام في تهمة دم مولى لعبد الله بن عمر، فلم يزل في السجن إلى أن مات، وهو صاحب البيت المشهور، من قصيدة:

أَضاعُوني وأيّ فتًى أَضَاعُوا . . . ليوم كَريهَةٍ وسِدادِ ثَغْـرِ

وصَبْر عندَ مُعْتَرَكِ المَنايـا ...  وقد شَرَعَتْ أَسِنَّتُها بنَحْرِي

أُجَرَّرُ في المجامِعِ كلّ يـومٍ . . . فيـا للهِ مظلَمَتي وصَبْرِي

كأَنِّي لمْ أَكنْ فيهم وَسيطاً ... ولم تَكُ نسبَتِي في آلِ عمرو