ابتلاء يونس

صبر وابتلاء ودعـــاء

 يونس عليه السلام

 

قال الله تعالى: "وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)" سورة الصافات.

 

بعثه الله يونس عليه السلام إلى أهل قريته ، فردّوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه ، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه: إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا.. فاخرج من بين أظهرهم، فأعلم قومه الذي وعد الله من عذابه إياهم، فقالوا: ارمقوه فإن هو خرج من بين أظهركم فهو الله كائن ما وعدكم... فلما كان يومئذ، خرج يونس عليه السلام، ففقده قومه، فخرجوا بالصغير، والكبير، والدواب، وكل شيء. ثم عزلوا الوالدة عن ولدها، والشاة عن ولدها، والناقة والبقرة عن ولدها، فسمعت لهم عجيجا، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه، ثم عجوا إلى الله، وتابوا إليه فقبل منهم، وصرف عنهم. فلم يصبهم العذاب.

 

يقول تعالى " فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)" سورة يونس

 

أما يونس فقد ذهب مغاضبا لقومه الذين أرسل إليهم لإبطائهم عن تلبية دعوته، والدخول فيما دعاهم إليه من الإيمان، قوله تعالى: " فظنّ أن لن نقدر عليه "، أي لن نضيق عليه ، وهذا مثل قوله: "ومن قدر عليه رزقه، فلينفق مما آتاه اللّه"، أي ضيق عليه، ومثل قوله: "قل إنّ ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه".

 

فهرب إلى الفلك " السفينة " المشحون ، فركب في البحر في سفينة مع أناس، حتى إذا كانوا حيث شاء الله تعالى، ركدت السفينة، فلم تسر فقال صاحب السفينة: ما يمنعنا أن نسير إلا أن فيكم رجلا مشؤوما قال: فاقترعوا ليلقوا أحدهم، فخرجت القرعة على يونس، فقالوا: ما كنا لنفعل بك هذا. ثم اقترعوا أيضا، فخرجت القرعة عليه ثلاثا، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت .

 

يقول تعالى في سورة النبياء " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)" سورة الأنبياء «فَنادى فِي الظُّلُماتِ» ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت «أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»  بمفارقتي قومي دون أمرك ، فلا تؤاخذني يا رب على ما وقع مني ،  «فَاسْتَجَبْنا لَهُ» لأن قوله هذا تعريض لدعائنا وتنويه بالالتجاء إلينا «وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ» الذي لحقه في بطن الحوت «وَكَذلِكَ» مثل هذه الإجابة «نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» مما يهمهم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوةُ ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلاَّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لَم يَدْعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلاَّ استجاب الله له "صحيح الجامع (رقم:3383)

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بشىء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به يفرج عنه دعاء ذى النون لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين "(ابن أبى الدنيا فى الفرج /صحيح الجامع 2605)

 

فنبذه اللّه بالعراء وهو سقيم بعد أن مكث في بطنه ثلاثا أو سبعا أو أكثر أو أقل، وحماه من هضم الحوت له ، قال طاوس: بلغني أنه لما نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم، نبتت عليه شجرة من يقطين واليقطين الدباء، فمكث حتى إذا رجعت إليه نفسه يبست الشجرة.