من قتله بطنه
لم يعذب فى قبره
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ « إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِى إِذًا لَقَلِيلٌ ». قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِى الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِى الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ». قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ « وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ».صحيح مسلم
وفي الموطأ من حديث جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ .
المبطون كما يقول النووي : هو صاحب داء البطن، وهو الإسهال. وقال القاضي : وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن. وقيل: هو الذي تشتكي بطنه. وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا.
وقوله: المرأة تموت بجُمع شهيد. أي تموت وفي بطنها ولد، فإنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل وهو الحمل. وقيل: هي التي تموت بكرًا. والأول أشهر كما قال الحافظ في الفتح.
هذا وخصال الشهادة أكثر من هذه السبع، قال الحافظ ابن حجر : وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة.. وذكر منهم: اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته ، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال. قال النووي : قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة يتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها. اهـ
قال ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء. اهـ
قال الحافظ : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. رواه الحسن بن علي الحواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن من حديث ابن أبي خالد قال: كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل.
ثم قال: ويتحصل مما ذكر من هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان: شهيد الدنيا وشهيد الآخرة، وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصًا. وشهيد الآخرة وهو من ذكر، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا. اهـ.
وبما تقدم نعلم أن المسلم الذي يموت بسبب مرض أو حادث سيارة ونحو ذلك من الميتات التي فيها شدة وألم نرجو أن يكون من الشهداء.
هذا وليعلم أن لنيل أجر الشهادة شروطا كما قال السبكي عندما سئل عن الشهادة وحقيقتها. قال: إنها حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت لها سبب وشرط ونتيجة. اهـ
من هذه الشروط: الصبر والاحتساب وعدم الموانع كالغلول، والدَّين، وغصب حقوق الناس. ومن الموانع كذلك: أن يموت بسبب معصية كمن دخل دارًا ليسرق فانهدم عليه الجدار فلا يقال له شهيد، وإن مات بالهدم. وكذلك الميتة بالطلق الحامل من الزنا.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق فهل مات شهيدًا؟ أجاب: نعم مات شهيدًا إذا لم يكن عاصيًّا بركوبه... اهـ
وقال في موضع آخر: ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها، فإن لم يكف فيكون أعان على نفسه فلا يكون شهيدًا. اهـ
ومع ما مر ذكره فإننا نقول: إن من مات بهذه الميتات وهو موحد فإننا نرجو له الحصول على أجر الشهادة وإن كان مفرطًّا في بعض الواجبات أو مرتكبًا لبعض المحرمات، فرحمة الله واسعة وفضله عظيم. الشرح من فتوى رقم 34588 موقع اسلام ويب