تدبير صرف الغضب وقمعه

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

 

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]

المؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله, والنفس, والشيطان, وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله, سيهديهم الله سبل الخير, ويثبتهم على الصراط المستقيم.

يقول الشاعر:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمْه ينفطمِ

فجاهد النفس والشيطان واعصهما *** وإن هما محَّضاك النصح فاتهمِ

وفي تفسير البغوي: المجاهدة هي الصبر على الطاعات. قال الحسن: أفضل الجهاد مخالفة الهوى. وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وروي عن ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا.

{ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم.أ.ه.

 

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) [ النازعات]

قيل نهي النفس عن المحارم التي تشتهيها، قال مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها.

قال ابن المبارك رحمه الله:

ومن البلايا للبلاء علامةٌ ***  ألا يرى لك من هواك نزوع

العبدُ عبدُ النفس في شهواتها *** والحر يشبع تارة ويجوع

وقال الآخر:

النفس إن أعطيتها مناها  ***  فاغرة نحو هواها فاها

وقال الآخر:

إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت *** ولم ينهها تاقت إلى كل مطلب

وقال الآخر:

ومن يطعم النفس ما تشتهي *** كمن يطعم النارَ جَزْل الحطب

 

ويقولون: إن سليمان بن عبد الملك لم يقل بيت شعر قط إلا هذا البيت:

إذا أنت لم تعصِ الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال

 

يقول سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشد علي من نفسي؛ مرة عليَّ، ومرة لي.

 

ولا تعني المجاهدة أن يجاهد المرء نفسه مرة أو مرات، وإنما يجاهدها في ذات الله حتى الممات، فإذا وطن نفسه على المجاهدة أقبلت عليه الخيرات، وانهالت عليه البركات.

رب  مستور  سبته  شهوة  ***  فتعرى  ستره  فانهتكا

صاحب الشهوة عبد فإذا *** غلب الشهوة أضحى ملكا

 

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة؛ ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً؛ لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب عزيزاً؛ لأنه قَهَر.

 

يقول الشاعر:

ففي قمع أهواء النفوس اعتزازها *** وفي نيلها ما تشتهي ذلُّ سرمدِ

فلا تشتغل إلا بما يكسب العلا *** ولا ترضَ للنفس النفيسة بالرَّدِي