طُبِعَتْ على كَدَرٍ
رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ : لِكُلِّ فَرْحَةٍ تَرْحَةٌ
، وَمَا مُلِئَ بَيْتٌ فَرَحًا إلَّا مُلِئَ تَرَحًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ
رَحِمَهُ اللَّهُ : مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطُّ إلا كَانَ بَعْدَهُ
بُكَاءٌ .
وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مِنْ تَغَيُّرِ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا فِي أَسْرَعِ
مَا يَكُونُ الْعَجَائِبَ . وَعَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ الْجَزَعَ لَا يَرُدُّ الْمُصِيبَةَ
بَلْ هُوَ مَرَضٌ يَزِيدُهَا ، وَإِنَّهُ يَسُرُّ عَدُوَّهُ وَيُسِيءُ مُحِبَّهُ ،
وَإِنَّ فَوَاتَ ثَوَابِهَا بِالْجَزَعِ أَعْظَمُ مِنْهَا.
يقول أبو الحسن التهامي الشاعر:
حكمُ المنيَّـةِ في البريَّةِ
جــارِ *** مـا هذه الدُّنيا بدار قرارِ
بينا يُرى الإنسانُ فيهـا
مُخبراً *** حتَّى يُرى خبراً من الأَخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ
وأنت تريدها *** صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ
ومكلِّفُ الأيَّــامِ
ضدَّ طباعها *** متطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ
نارِ
وإذا رجوتَ المستحيلَ
فإنَّمـا *** تبني الرجاءَ على شفيرٍ هارِ
قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ : لَقَدْ رَأَيْتنَا وَنَحْنُ
مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ مُلْكًا ، ثُمَّ لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ حَتَّى
رَأَيْتنَا وَنَحْنُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ ، وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا
يَمْلَأَ دَارًا حِبرَةً إلَّا مِلْأَهَا عِبْرَةً ، وَبَكَتْ أُخْتُهَا حُرْقَةُ بِنْتُ
النُّعْمَانِ يَوْمًا وَهِيَ فِي عِزِّهَا فَقِيلَ : مَا يُبْكِيك لَعَلَّ أَحَدًا
آذَاك ؟ قَالَتْ : لَا ، وَلَكِنْ رَأَيْت غَضَارَةً "طَيِّبُ الْعَيْشِ"
فِي أَهْلِي وَقَلَّمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ سُرُورًا إلا امْتَلأَتْ حُزْنًا .
يقول
أبو البقاء الرندي :
لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما
تمَّ نُقصَــانُ *** فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ
إنسانُ
هيَ الأمورُ كما شاهدتُهـا
دُولٌ *** مـن سره زمنٌ ساءتهُ أزمانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لا
تبقِـي على أحدٍ *** ولا يدُومُ عَلَى حَالٍ
لَهَا شانُ
أين المُلُوكُ ذوي التُيجانِ
مِن يمنٍ *** وأين منهم أكاليـلٌ وتيجانُ
وأين ما شادهُ شـدادُ
في إرمٍ *** وأين ما ساسهُ في الفُرسِ ساسانُ
وأين ما حازه قارون من
ذهبٍ *** وأين عــادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمرٍ لا
مرد لهُ *** حتى قضوا فكأن القوم ما كانُوا
فجائع الدنيا أنواعٌ
منوعــةٌ *** وللزمان مسراتٌ وأحــزانُ