تأثير الرقية في المرقي
يقول ابن القيم في الزاد: تعتمد الرقية على أمرين ، أمر من عند المعالج وأمر من جهة المصروع فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبادئها والتعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان . والثاني من جهة المعالج بان يكون فيه هذان الأمران أيضا حتى أن بعض المعالجين من يكتفي بقوله" اخرج منه " أو يقول " بسم الله " أو يقول "لاحول ولا قوة إلا بالله" ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول " أخرج عدو الله أنا رسول الله ".
ويقول في مدارج السالكين : ولا يتم هذا إلا بقوة من النفس الفاعلة وقبول من الطبيعة المنفعلة فلو لم تنفعل نفس الملدوغ لقبول الرقية ولم تقوى نفس الراقي على التأثير لم يحصل البرء . فهنا أمور ثلاثة موافقة الدواء للداء وبذل الطبيب له وقبول طبيعة العليل فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء وإذا اجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله سبحانه وتعالى ، ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقى وميز بين النافع منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقى وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره وحسن تأمله والله أعلم .
يقول الدكتور عمر الأشقر: أحب أن انبه هنا إلى أن الرقى ليست مقصورة على إنسان بعينه ، فان المسلم يمكنه أن يرقي نفسه ، ويمكن أن يرقي غيره ، وان يرقيه غيره ، ويمكن للرجل أن يرقي امرأته ويمكن للمرأة أن ترقي زوجها، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع وكلما كان أكثر صلاحا كان أكثر نفعا، لأن الله يقول }إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ{ المائدة 27 . ولا صحة لما يدعيه بعض الذين يلجأ إليهم الناس من أن لهم خصوصية في نفع رقاهم لأخذهم العهد على الشيخ أو صاحب الطريقة ، فان هذا لا أصل له وهو من الضلال، فالرقية دعاء والتجاء إلى الله والله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه }وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ{غافر:60 أ.هـ.
ومن الأمور التي تساعد على تأثير الرقية في المرقي هي قناعة وتقبل المريض للرقية والراقي، فإذا لم يكن المريض يعتقد بمنفعة الرقية من بعد إذن الله تعالى وكان فاقد الثقة والارتياح والانشراح للمعالج الذي يعالجه فإن ذلك يفقد الرقية الكثير من الأثر.
ومنها معرفة الراقي وخبرته في مجال الرقية ، وتشخيص الحالة، ومعرفته للآيات المناسبة للمرض ، وخبرته في استدراج ومجاهدة ومقارعة الشياطين وسحرة الجن .
ومنها إقبال الراقي على الرقية ، فالنفس لها إقبال وإدبار ، ولذلك تلاحظ اختلافا بينا في قوة الرقية لنفس الراقي ، فربما كان الراقي مجهدا نفسيا وبدنيا منشغل البال فتكون رقيته قليلة الأثر والنفع ، أما إذا كان صافي الذهن نشيط البدن مقبلا على الرقية عندها يحصل النفع بإذن الله تعالى .
يقول ابن قتيبة الدينوري في شرحه لقول الله تعالى:} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) { استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه وهو اشارة الى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله ؛ فإذا حصل المؤثر وهو القرآن ، والمحل القابل وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء ، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه إلى شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر ا.هـ" أنظر كتاب الفوائد لشمس الدين إبن قيم الجوزية ص 16 "