سبق السيف العذل

سبق السيف العذل

كان لضبة بن أد ابنان، يقال لأحدهما سعد والآخر سعيد، فخرجا في جلب إبل له، فلحقها سعد فرجع بها ، ولم يرجع سعيد ، وكان ضبة يقول إذا رأى شخصاً تحت الليل مقبلاً: أسعد أم سعيد؟ فذهبت مثلاً في مثل قولهم: أنجح أم خيبة، أخير أم شر.

وبعد زمن خرج ضبة يسير في الأشهر الحرم ومعه الحارث بن كعب، فمرا على سرحة ، فقال الحارث: لقيت بهذا المكان شاباً من صفته كذا "صفة سعيد ولد ضبة" فقتلته ، وأخذت برداً كان عليه وسيفاً، فقال ضبة: أرني السيف، فأراه، فإذا هو سيف ولده سعيد، فقال ضبة: الحديث ذو شجون معناه: أن الحديث له شعب، وشجون الوادي: شعبه، ويقال: لي بمكان كذا شجن، أي حاجة وهوىً، وقيل: الحديث ذو شجون يضرب مثلاً للرجل يكون في أمر فيأتي أمر آخر فيشغله عنه .

فقتل ضبة الحارث ثأر لإبن سعيد ، فلامه الناس، وقالوا: قتلت في الشهر الحرام! فقال: سبق السيف العذل فأرسلها مثلاً، ومعناه قد فرط من الفعل ما لا سبيل إلى رده.

 

وذكر البكري أبو عبيد إنَّ أوّل من قال: سبق السبق العذل، خريم بن نوفل الهمداني، وذلك أنَّ النعمان بن ثواب العبدي كان له بنون: سعد وسعيد وساعدة.

فأما سعد فكان رجلا شجاعا بطلا؛ وأما سعيد فكان جوادا سمحا ذا إخوان وصنائع؛ وأما ساعدة فكان صاحب شراب وندمان. وكان أبوهم النعمان ذا شرف. وكان يوصيهم ويحملهم على أدبه. فقال لسعد، وكان صاحب حرب: إنَّ الصارم ينبو، والجواد يكبو، والأثر يعفو، والحليم يهفو. فإذا شهدت حربا فرأيت نارها تستعر، وبحرها يزخر، وبطلها يخط، وضعيفها يبصر فإياك أنَّ تكون صدي رماحها ونطيح نطاحها! وأعلم عند ذلك انهم ينصرون!

ثم قال لسعيد، وكان جواداً: يا بني إنّه يبخل الجواد، ويصلد الزناد، ويحمد الثماد، وتحمل البلاد. فلا تدع إنَّ تجرب إخوانك وتبلوا أخدانك!

ثم قال لساعدة: يا بني، إنَّ كثرة الشراب يفسد القلب ويقل الكسب، ويحدث اللغب. فأنظر نديمك واحم حريمك، وأعن غريمك. واعلم أن الظمأ القامح، خير من الري الفاضح. وعليك بالقصد، فإنَّ فيه بلاغا!

  

ثم إنَّ النعمان توفي، فقال سعيد: آخذن بأدب أبي ولأبلون أوثق أخوتي في نفسي – أختبر أفضل الأصدقاء - ! وعمد إلى كبش فذبحه، ثم أضجعه في قبته وغشاه ثوبا وكأنه رجل ميت .. ثم دعا رجلا كان أوثق إخوانه في نفسه فقال: يا أبا فلان، إنّما أخوك من صديقك بعهده أحاطك برفده، وأقام معك بجهده، وسواك بولده. قال: صدقت! قال: فأني قتلت فلانا فما عندك؟ قال: فالسوأة السوأى وقعت فيها وانغمست. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد أنَّ تعينني عليه حتى أغيبه. قال: لست لك في ذلك بصاحب! فتركه وانطلق.

ثم دعا سعيد رجلا آخر من إخوانه يقال له خريم بن نوفل فقال: يا خريم، ما عندك؟ .. قال: ما يسرك. قال: فإني قتلت فلانا. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد أنَّ تعينني حتى أغيبه. قال: لهان ما فزعت فيه إلى أخيك! ثم قال، وعبد لسعيد معهما: هل أطلع على هذا عبدك هذا؟ فقال: لا. فأهوى خريم بالسيف إلى العبد فقتله وقال: ليس عبد بأخ لك! ففزع لذلك سعيد وقال: ما صنعت إنما أردت تجربتك. فقال خريم: سبق السيف العذل!.